يأتي اعتراف مصرف بي إن بي باريبا بالانخراط في الممارسات الإجرامية وما تلى ذلك من إنزال عقوبة الغرامة بـ 8.9 مليار دولار كشاهد على مأساة الكيل بمكيالين لدى الغرب حين يتعلق الأمر بانغماس منشآته في ممارسات الفساد المالي، وسواء كان الفساد تمويل الإرهاب أو التغطية على تعاملات الإرهابيين، دائما ما تكون النتيجة غرامة بأقل من 1 في المائة من مجمل الأموال القذرة التي حركها وقدم الغطاء لها. تأتي الغرامة المفروضة من سلطات المال الأمريكية بردا وسلاما على قلوب عديمي الأمانة والضمير القائمين على هذا المصرف وعلى غيرهم ممن انغمسوا في الفعل المجرم المنحط، كما تأتي العقوبة المنزلة كنار كاوية على قلوب ضحايا الإرهاب من دول وشعوب، الذين يقدرون بالملايين في مشارق الأرض ومغاربها. 8.9 مليار دولار مقابل القتلى والجرحى والمشردين بسبب فعل الدول والمنظمات الإرهابية، التي وجدت من لا يقل عنهم انحطاطا وإجراما لتغطية تحركات أموالهم والتي من خلالها يعيثون في الأرض مفسدين.
ما الذي كانت تنتظره الدول التي وقعت ضحية للإرهاب، هل كانت تنتظر أن يسحب القائمون على هذه المصارف إلى جوانتنامو، أم هل كانوا ينتظرون أن تقفل هذه المصارف نتاج سوء فعلها، أم هل كانوا ينتظرون أن يعوض الضحايا الذين سقطوا نتاج التآمر من قبل مجالس إدارات هذه العصابات الدولية التي تسمى مصارف؟ تبا للضعف، فلا هو يرد اعتداء المجرم، ولا هو يرد الحق المغتصب. هذا هو ثمن دماء شعوبكم وانتهاك سيادة دولكم يا ضحايا الإرهاب الصامتون، 8.9 مليار دولار لن تروا منها شيئا، كلها تصب في خزانة من مارس سيادته وأخذ حق شعبه بيده، هذه هي الولايات المتحدة، بكل ما تمثله من قوة تطبيق القوانين. أما أنتم أيها الصامتون على عدوان الطامعين، فلا شيء لكم سوى الندب والعويل.
على من يريد أن يكون عظيما، أن يبدأ بالتصرف كالعظماء. فروع هذه المصارف (التي لن أذكر اسمها لأنني فعلا مللت تكرار ذلك)، منتشرة في كل دول العالم. وكل دول العالم، باستثناء الولايات المتحدة التي تقف موقف المتفرج، وكأن الأمر لا يعنيها من قريب أو بعيد، والحقيقة أنني لست مهتما بمعرفة أسباب هذا الصمت، لأني على يقين من أن كل المبررات سخيفة. لكني مهتم جدا بوصف حالة الجبن التي تتسم بها هذه الدول الضعيفة، التي لا تملك أن تدافع عن نفسها أمام حفنة من الفاسدين ممن يديرون هذه المصارف في عقر بلادهم لتدميرها على يد الإرهابيين وتجار المخدرات والقتلة المأجورين. جبن متجذر ومتعمق في قلوبهم بطريقة مريضة، لا يقوون معه حتى على الاحتجاج. تخيلوا معي لو كانت هذه المصارف التي مولت وغطت تحركات الإرهابيين تنتمي لإحدى الدول العربية، ماذا ستكون ردة فعل بريطانيا أو فرنسا أو غيرهما من الدول التي تنتمي لها المصارف الإرهابية، أقول لو كانت هذه المصارف عربية أو تنتمي لإحدى الدول التي وقعت ضحية للإرهاب لقامت الدنيا ولم تقعد، ولا أستبعد أن يجر القائمون على هذه المصارف إلى محاكمات مشددة وقاسية وعقوبات ضخمة.
إن إنزال العقوبات المغلظة، (بما في ذلك سحب تراخيص العمل) على جميع المصارف التي مارست الجرم في وضح النهار، وتحالفت مع الإرهابيين وتجار المخدرات وغيرهم من المخربين والمفسدين، واجب على دول العالم كافة. الوقائع تشير إلى أن البشرية كلها تعاني هؤلاء الأراذل. لا يمكن الصمت على من مد يده وصافح الشر، لا بد للخير أن يتدخل لكسر هذا التحالف العدواني الأثيم. لا بد للحق أن يظهر مهما كان الثمن.