فراس أبو مصلح
فرض سقف في الموازنة العامة للإنفاق على الكهرباء لن يكون آخر الذرائع لتبرير التدهور المستمر منذ التسعينيات، ولن يكون إلا حلقة أخرى من حلقات افتعال معاناة المواطنين ليبلغوا درجة تجعل من خصخصة القطاع مطلباً شعبياً. إنها «الدولة الفاشلة»، أو بالأحرى المُفشلة عن سابق تصور وتصميم!
يفسر مكتب كمال الحايك، رئيس مجلس الإدارة والمدير العام لمؤسسة كهرباء لبنان، زيادة تقنين التيار الكهربائي بزيادة تقنين المال المرصود من قبل الحكومة لدعم التعرفة وشراء الوقود المخصص لتشغيل مجموعات الانتاج. فقد تم تحديد سقف الاعتمادات المخصصة للمؤسسة في موازنة العام الحالي (الافتراضية) بـ3056 مليار ليرة (وهو المبلغ الذي أنفق فعلياً عام 2013)، في حين أن كلفة إنتاج الكهرباء هذا العام ارتفعت بسبب الطلب المتصاعد عليها، وبالتالي باتت المؤسسة مضطرة إلى تقنين استهلاك الوقود ليتناسب مع قيمة الاعتمادات المرصودة.
ابحث عن الخصخصة
في المعلومات، يقدّر الطلب الحالي على الكهرباء بنحو 2700 ميغاواط، إلا أن المؤسسة اضطرت الى تخفيض الانتاج الى 1500 ميغاواط، ما يعني أن الفجوة هي بمقدار 1200 ميغاواط، أو ما نسبته 44%. وفي ظل استمرار سياسة التمييز المعتمدة لمصلحة بيروت الادارية وبعض المناطق المحظية، لا تنال أكثرية المناطق سوى نصف الطاقة الكهربائية التي تحتاج اليها، وهناك مناطق تنال أقل من النصف بكثير. وتفيد المعلومات بأن توفير المال اللازم للمؤسسة يسمح لها بزيادة الطاقة المنتجة فوراً بما لا يقل عن 250 ميغاواط (من ضمنها 130 ميغاواط من معملي بعلبك وصور المتوقفين)، ما يعني تقليص الفجوة الى 950 ميغاواط، أو ما نسبته 35%، وزيادة التغذية بمعدل يتراوح بين ساعتين و3 ساعات يومياً!
يقول مكتب الحايك إن المناطق اللبناية، باستثناء بيروت الإدارية، تتساوى في برنامج تقنين الكهرباء، عازياً التفاوت في ساعات التقنين بين هذه المناطق إلى «مشاكل تقنية» صرف! ففي الآونة الاخيرة، قام جمع من المواطنين بقطع طريق المدينة الرياضية بالإطارات المشتعلة، احتجاجاً على انقطاع التيار الكهربائي، كما شهد الشهر المنصرم اعتصاماً أمام محطة تحويل الكهرباء في بعلبك احتجاجاً على الانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي عن المدينة والقرى المجاورة، وهدد أهالي إقليم الخروب منذ أيام «بالتصعيد والسلبية» رداً على تدني ساعات التغذية الى 3 ساعات يومياً، ما دفع نواباً من المنطقة إلى التدخل لدى المؤسسة ووزير الطاقة والمياه آرثور نظريان.
ما يحصل على صعيد الكهرباء من إخضاع لمؤسسة كهرباء لبنان للمزيد من الضغوط المالية وإجبارها على زيادة ساعات التقنين وإضعاف قدرتها على زيادة عدالة التوزيع… ليس إلا إمعاناً في سياسة صنع الازمات المتواصلة منذ أمد بعيد لتبرير الاندفاعة الدائمة لخصخصة الكهرباء وفتحها لاحتكارات القطاع الخاص واستثماراته الريعية، وهذه الاندفاعة اتخذت منحى أكثر جدّية أخيراً، إذ بدأ المجلس الاعلى للخصخصة بمناقشة دراسة استشارية تمهيداً لمنح تراخيص لمنتجين مستقلين من القطاع الخاص لإنشاء معامل جديدة، في حين بدأت المناقشات جدّياً لزيادة تعرفات الكهرباء قبل الوصول الى التغذية الكهربائية على مدار ساعات اليوم.
التوزيع غير العادل
ساعات التقنين الثلاث في بيروت الإدارية تضاف إليها ساعة «كل يومين أو ثلاثة، بحجة الأعطال»، يقول أحد قاطني العاصمة. في المقابل، تشكو مناطق عديدة من تدني ساعات تغذية إلى ما دون 6 ساعات في اليوم، في حين يبقى برنامج التقنين لـ12 ساعة على عهده، ولو مع بعض التذبذب، في مناطق مجاورة؛ ففي جبل لبنان مثلاً، يصل تفاوت ساعات التغذية في مناطق متجاورة من 12 ساعة يومياً، كما في مدينة عاليه، إلى حدود ساعتين فقط في بعض قرى منطقة الغرب.
توفير المال
اللازم للمؤسسة يسمح لها بزيادة 250 ميغاواط فوراً
ساعات تقنين الكهرباء في ضاحية بيروت الجنوبية ما زالت على حالها، أي بحدود 12 ساعة يومياً، وتشهد ساعات التغذية انقطاعات متكررة قصيرة لا تتعدى مدتها 10 دقائق، بسبب الحمولة الزائدة على محولات الكهرباء الرئيسية في المنطقة. شمالاً، عادت ساعات التغذية في طرابلس (عبد الكافي الصمد) إلى 12 ساعة، بعد أن تدنت في الأشهر الثلاثة أو الأربعة الأخيرة إلى 8 أو 10 ساعات، قبل أن يعود برنامج التقنين إلى سابق عهده مع حلول شهر رمضان، بعد مراجعات أجراها عدد من فعاليات المدينة مع كهرباء قاديشا ومؤسسة كهرباء لبنان. (لم يرفع أصحاب المولدات في طرابلس التعرفات خلال أشهر زيادة التقنين، غير أنهم خفضوا ساعات التغذية بنحو ساعة أو ساعة ونصف). في المقابل، أكد عدد من أهالي عكار أن غالبية قرى وبلدات المنطقة تقل فيها التغذية بالتيار عن 5 ساعات يومياً.
كما الضاحية، تبقى منطقة البقاع الشمالي (رامح حمية) على برنامج التقنين نفسه، أي بمعدل 12 ساعة في اليوم تقريباً. منذ حوالى 20 يوماً، انخفضت ساعات التغذية ساعتين بسبب تبديل خطوط التوتر العالي في بلدتي بدنايل وبيت شاما، لتعود بعدها إلى سابق عهدها. وكان عاملون في محطة التحويل في محلة الشراونة في بعلبك قد تعرّضوا للتهديد من قبل مسلحين، فقطعوا التيار عن بعلبك والمناطق المجاورة، ولم يعد برنامج التقنين الى عهده السابق إلا بعد اعتصامات عدة نفذها أهالي المنطقة. وكما جرت العادة، يُتوقع أن يؤمن التيار الكهربائي بلا انقطاع على مدار الساعة على «الخط السياحي» للمدينة، الممتد من محلة رأس العين إلى القلعة، عند بدء مهرجانات بعلبك في الـ30 من الشهر الجاري، في حين يبقى سائر أنحاء المدينة على نظام التقنين نفسه. غير أن الارتفاع المتوقع للطلب على الكهرباء بفعل مهرجان التسوق والمعرض الزراعي اللذين ستشهدهما المدينة هذا الصيف أيضاً يطرح تساؤلات بشأن قابلية استمرار برنامج التقنين على المنوال نفسه. ويشكو البقاع الشمالي كذلك من السرقة المتكررة لكابلات الكهرباء النحاسية، فتنقطع الكهرباء كلياً عن البلدات المعنية لبضعة أيام، إلى حين توافر الكابلات. وتعمل العديد من آبار المياه في مدينة بعلبك والعديد من البلدات والقرى في البقاع الشمالي على مضخات كهربائية، فيتوقف الضخ مع انقطاع التيار، وتكون المعاناة جرّاء زيادة التقنين مضاعفة. اللافت أن تعرفات مولدات الكهرباء الخاصة في بعلبك ومحيطها من الأدنى في لبنان، إذ تبلغ 80 ألف ليرة لكل 5 أمبير، فضلاً عن أنها لا ترتفع مع زيادة ساعات التغذية من المولدات الخاصة سوى ساعة واحدة كرمى لمتابعي المونديال، وساعتين في موعد السحور في شهر رمضان.
أثر سلبي على توزيع المياه
كان برنامج التقنين يسير بنحو «طبيعي» لسنوات عدة في صيدا وجوارها (آمال خليل)، فتنقطع الكهرباء 12 ساعة في اليوم (رغم قرب معمل الزهراني)، حتى بداية شهر حزيران الفائت، حين أصبح التيار ينقطع عشوائياً لساعة أو اثنتين إضافيتين ضمن ساعات التغذية المفترضة حسب برنامج التقنين المعتاد. ويزداد الوضع سوءاً كلما اتجهنا جنوباً؛ ففي النبطية مثلاً لا تتجاوز ساعات التغذية ست ساعات، وكذلك في قرى قضاء صور، وفي بنت جبيل ومرجعيون (داني الأمين) تتدنى ساعات التغذية إلى حدود ساعتين يومياً! وفي النبطية وصريفا (فيها خزانان كبيران للمياه بنتهما الدولة) والعديد من قرى الجنوب، يضطر الناس إلى شراء الماء منذ أواخر فصل الشتاء بسبب انقطاع مياه الشبكة، الذي تعلله مصلحة مياه لبنان الجنوبي بانقطاع الكهرباء عن المضخات، وتوقف المولدات عن العمل بسبب عدم توافر المال اللازم لصيانتها، أو حتى لشراء المازوت لتشغيلها! استفاد أصحاب المولدات من هذا الواقع لرفع التسعيرة من معدل 75 ألف ليرة للـ5 أمبير شهرياً إلى 100 ألف ليرة، ودخل «مستثمرون» جدد على الخط، شغّلوا مولدات ضخمة وجبوا التعرفات بحسب نظام العدادات، وبأسعار مرتفعة.
التقنين «في أسوأ حالاته» في البقاعين الغربي والأوسط (أسامة القادري)، حيث بدأت تتدنى ساعات التغذية قبل حلول شهر رمضان بحوالى أسبوع، فصارت بالكاد تصل إلى 8 ساعات يومياً، بعد أن كانت حوالى 12 ساعة، ما تسبب كذلك بتفاقم أزمة المياه، نظراً إلى زيادة مدة توقف الآبار العاملة على المضخات الكهربائية عن العمل. وكما في العديد من مناطق الجنوب، استغل أصحاب المولدات الوضع لرفع تعرفاتهم من 150 ألفاً إلى حدود 250 ألف ليرة للـ5 أمبير.