IMLebanon

تراجع الدولار لا ينتقص من مكانته كدعامة للنظام المالي

FinancialTimes

جون أوثرز

ما لا يقتل الدولار يجعله أقوى. كان هناك كثير من صفحات الوفيات التي تنعي مكانة الدولار بوصفه العملة الاحتياطية في السنوات الأخيرة، ولسبب وجيه. فالبلدان الأخرى تنمو أسرع بكثير، والأزمة المالية عام 2008 دمرت الثقة بنظامها المصرفي، والإجراءات التي اتخذت منذ ذلك الحين للتعافي من الأزمة ـ الحفاظ على أسعار الفائدة منخفضة وإغراق الأسواق بالمال ـ يفترض فيها أن تؤثر سلباً في العملة.
مع ذلك، وكلما تضرب الأزمة يرتفع الدولار – حتى عندما يكون مركز الأزمة هو الولايات المتحدة نفسها. وعلى أساس الوزن التجاري النسبي، ارتفع الدولار بنسبة 27 في المائة خلال عام 2008 وأوائل عام 2009، في الوقت الذي أدى فيه انهيار بنك ليمان براذرز إلى هز العالم. وبعد ذلك اندفع ما يقارب 20 في المائة في الأشهر التي تلت اندلاع الأزمة في منطقة اليورو في أواخر عام 2010. وفي عام 2011 أدى قرار “ستاندرد آند بورز” خفض تصنيف السندات السيادية الأمريكية إلى اندفاع بلغت نسبته 15 في المائة.
والاتجاه طويل الأجل للدولار يبدو فعلاً أنه ينحدر إلى أدنى بصورة يسيرة، لكنه لا يزال المكان الذي يأتي إليه المال عندما تكون هناك مشكلة.
لتوضيح هذه الاتجاهات في صورة أبسط، انظر إلى الأسابيع القليلة الماضية. خلال العام الماضي، وهي فترة حميدة نسبياً بالنسبة للمخاطر المتصورة، التي هدأت فيها الأزمة في منطقة اليورو، في حين بدأ الاحتياطي الفيدرالي بشكل مضطرب، لكن بنجاح، في تخفيف “التسهيل الكمي” من مشتريات السندات، وضعف الدولار بشكل مطرد. لكن هذا الشهر بدأ وضعه يتعزز.
وجلب الأسبوع الماضي أنباء بأن نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي في الولايات المتحدة كان سالب 1 في المائة في الربع الأول. وكان هذا أسوأ بكثير مما كان متوقعاً، وهي المرة الأولى في ثلاث سنوات التي يكون فيها النمو سالبا.
مع ذلك، ماذا كان رد الفعل في أسواق العملات؟ لا يُذكر. بالكاد حقق اليورو كسبا على حساب الدولار في أعقاب ذلك، وانخفض نحو 3 في المائة مقابل العملة الأمريكية في غضون أسابيع.
وأنماط الرسم البياني تعني الكثير لتجار العملة، واستنادا إليها يظل معدل تحرك اليورو دون المتوسط لـ 200 يوم (بمتوسط أسعار الإغلاق لـ 200 يوم الماضية)، ما يعني أن اليورو انتقل إلى الاتجاه النزولي الحاد. وهناك عوامل مماثلة كانت تعمل حين ننظر في مؤشر الوزن التجاري النسبي الأوسع للدولار مقابل كبار شركاء الولايات المتحدة التجاريين.
وصعود اليورو المتعثر إلى ما دون 1.40 دولار بقليل أثار شكاوى السياسيين الأوروبيين في الماضي. وكان الجنيه الاسترليني يمر في طور التراجع أيضاً، بملامسته مستوى 1.70 دولار.
ما الذي يجري؟ جانيت ييلين، رئيسة الاحتياطي الفيدرالي، أقنعت الأسواق بأن نهاية وشيكة لشراء السندات لا تعني أن الأسعار سترتفع قريباً. وهذا يضعف الدولار، لكن هناك حدود لمدى ما يمكن أن يذهب إليه هذا ـ ويبدو أن السوق وصلت تلك الحدود.
في الصورة الأوسع، هذا جزء مما يسميه إسوار براساد، أستاذ الاقتصاد في جامعة كورنل “فخ الدولار”. في كتاب جديد يقول “إن الدولار لن يفقد مكانته بوصفه عملة احتياطية في العالم”. وبدلاً من ذلك هناك طلب متزايد على “السلامة” يقترن بنقص في الأصول “الآمنة” في أي مكان آخر، ما يكفل استمراره في أن يكون دعامة في النظام المالي العالمي.
وتعكف البنوك المركزية في الأسواق الناشئة، بقيادة الصين، على مراكمة الأصول الأمريكية. وهناك جزء أكبر بكثير من سندات الحكومة الأمريكية مملوك من قبل الأجانب، مقارنة بما هو مملوك من سندات منطقة اليورو أو سندات الحكومة اليابانية. ومعنى ذلك أن الثقة الدولية بالولايات المتحدة تبقى عميقة.
في الوقت نفسه خيارات السلامة الأخرى تتضاءل. فمنذ بداية الأزمة، تبدو كل من سندات منطقة اليورو والأوراق المالية المدعومة بالقروض العقارية أقل أماناً بكثير. ويظل الرنمينبي الصيني تحت سيطرة قوية. ولا توجد سوق أخرى لديها عمق الولايات المتحدة. وإذا غضب الأجانب على الولايات المتحدة (كما قد يكونون راغبين إلى حد كبير) ويريدون وضع أموالهم في مكان آخر، فإنهم سيجدون عدداً قليلاً من الأماكن الأخرى التي تستطيع أن تأخذها.
وبالتالي، منطق العرض والطلب يعني، وفقاً لبراساد، أننا نحتمي من المشكلات باللجوء إلى الدولار.
لذلك الولايات المتحدة، عقب اتخاذها تدابير تنطوي على مخاطر انهيار أي عملة لم تستفد من “فخ الدولار”، يمكنها الآن رفع أسعار الفائدة على مدى السنوات القليلة المقبلة، وهو ما يعزز وضع الدولار. وفي المستقبل القريب هناك شعور بأن البنك المركزي الأوروبي يجب أن يتخذ تدابير في الأسبوع المقبل لمكافحة خطر الانكماش، وهذا يتضمن إضعاف اليورو مقابل الدولار.
ويعترف براساد بأن الفخ “يبدو أنه يسير عكس المنطق”، وأن الاقتصاد العالمي في “توازن هش”، وبالتالي ربما نكون على “كومة رمل تبعد بضع حبات فقط عن الانهيار”. وقد يتبين أيضاً أن فخ الدولار سيتحول إلى انهيار. لكنه تجنب فرصاً كثيرة لهذه النهاية حتى الآن.
وعلى المدى الطويل، يبدو أن الدولار وضعنا جميعاً في فخ. ببساطة لا يوجد ما هو أفضل منه، وما هو أكثر أمناً منه. وعلى حد تعبير براساد، أصبح الدولار “شرنقة واقية مليئة بالوخز لعالم معتل، لكنه يمكن أن يكون أكثر اعتلالا بدون وضع أمواله وثقته بالولايات المتحدة”.