منذ بداية فصل الربيع في الولايات المتحدة الأمريكية، هناك ما نسبته 63 % من الأرقام الاقتصادية الأمريكية أتت بخيبة أمل أو بعيدة جداً عن التوقعات، وسلبية بنفس الوقت، بينما الـ 37 % الباقية أظهرت أرقاماً إيجابية، لكن هذه الأرقام كانت ثانوية.
الاقتصاد الأمريكي ينكمش بواقع -1.0 % في الربع الأول من العام
تماشياً مع توقعاتنا السابقة منذ بداية العام الجاري، انكمش الاقتصاد الأمريكي خلال الربع الأول من العام الجاري بواقع 1.0 %. هذا الانكماش لا يعتبر فقط الأول من نوعه منذ 3 سنوات، بل هو أسرع وتيرة انكماش منذ الربع الأول من العام 2011. الاستهلاك الشخصي في الولايات المتحدة الأمريكية، كان دون تغير عند 2.09 % بالمقارنة مع 2.22 % خلال الربع الأخير من العام الماضي. كما أن ارتفاع الاستهلاك خلال الفترة المقبلة، كان بسبب انخفاض عمليات الادخار الشخصي بشكل كبير إلى مستويات ما قبل الأزمة المالية العالمية. والانخفاض الأكبر كان في مخزونات القطاع الخاص، التي انخفضت من -0.57 % إلى -1.62 %. هذا الانخفاض أيضا والانكماش في هذه الأرقام، يعتبر الأكبر منذ الربع الأخير من العام 2012 الماضي.
والتحدي الكبير الآن للاقتصاد الأمريكي خلال الفترة المقبلة، يكمن في أنه على الاقتصاد الأمريكي تسجيل نسبة نمو بواقع 5 % وأكثر حتى نهاية العام الجاري، وذلك ليحقق معدل النمو المستهدف لدى الفدرالي الأمريكي ما بين 2.8 % و 3.0 %. لكن بتحليل الأرقام الاقتصادية الأخيرة، فمن الممكن القول أن نمو الاقتصاد بهذه النسبة أصبح بعيد المنال ولا يمكن تحقيقه.
ارتفاع العجز في الميزان التجاري لأعلى مستوى منذ عامين
على الرغم من النظرة الايجابية بعد فترة الطقس السيئ، وتوقعات انخفاض العجز في الميزان التجاري، وارتفاع معدلات النمو في الربع الثاني من العام الجاري، إلا أن أرقام العجز في الميزان التجاري خيبت هذه التوقعات من جديد. فقد ارتفع العجز في الميزان التجاري الأمريكي لأعلى مستوى منذ عامين ليصل إلى مستويات 47.2 مليار دولار في أبريل/نيسان الماضي. ويأتي هذا الارتفاع المفاجئ على الرغم من أن التوقعات كانت تشير إلى انخفاض العجز إلى مستويات 40.6 مليار دولار. هذا الارتفاع في العجز هو الأكبر منذ أبريل من العام 2012 ، كما أن هذا الإخفاق في التوقعات هو الأكبر منذ أكتوبر/تشرين الأول من العام 2008.
ارتفاع طلبات المصانع.. ولكن!
الأرقام الأخيرة لطلبات المصانع الأمريكية أتت بأفضل من التوقعات لترتفع بواقع 0.7 % في أبريل، لتأتي بأفضل من التوقعات أيضا والتي كانت تشير إلى ارتفاع بواقع 0.2 % فقط. لكن هذا الارتفاع يعتبر التباطؤ الشهري الثاني على التوالي منذ أن ارتفعت الطلبات في فبراير/شباط الماضي. وإلى الآن لم يتم تعويض الخسائر التي لحقت بهذا القطاع خلال فترة الطقس السيئ. بالنظر إلى هذه الأرقام بشكل أكبر وأدق، نرى أن الطلبات قد انخفضت بواقع -0.1 % بعد أن تم طرح طلبات الدفاع العسكري والتي ارتفعت بواقع 1.1 % في مارس/آذار الماضي، وهو ما يعني أن كل الارتفاع الحاصل في مؤشر طلبات المصانع كان بدافع من الطلبات العسكرية فقط. كما أن الطلبات غير العسكرية، وصلت إلى أدنى مستوى منذ الشتاء الماضي (يناير).
تعديل أرقام مؤشر مديري المشتريات في قطاع الصناعات التحويلية
عند الإعلان الأولي عن مؤشر مديري المشتريات في قطاع الصناعات التحويلية لشهر مايو، أتت الأرقام بعيدة عن التوقعات تماما، لتنخفض إلى مستويات 53.2 من مستويات 54.9. لكن وبعد حوالي 10 دقائق من الإعلان الأولي، تم الإعلان عن أن هذه الأرقام هي أرقام خاطئة ليصبح الرقم ايجابي عند مستويات 56. الجدير بالذكر أن العذر هنا كان وبحسب الرواية الرسمية أنه لم يتم إدخال التعديل الموسمي على هذه الأرقام. السؤال هنا، هل كانت بالفعل تعديلات موسمية لاستبيانات مديري المشتريات؟.
نقطة أخيرة
من الممكن أن لا يكون الاقتصاد الأمريكي يتعافى كما يجب وكما يريد الجميع. فالعديد من الأرقام الاقتصادية الأساسية والقيادية عادت إلى التراجع منذ بداية تخفيف التيسير الكمي من قِبل الفدرالي الأمريكي. الأسابيع القليلة المقبلة تعتبر مهمة وخطرة جداً، وذلك لأن المزيد من التراجع في الاقتصاد سيكون بمثابة المفتاح لكل من الأسواق وللفدرالي الأمريكي. كما من الممكن أن تؤدي هذه الأرقام إلى تغير السياسة المالية الحالية كلياً.
المتداولون ليسو مهتمين بالأرقام الاقتصادية
على الرغم من هذه الأرقام الاقتصادية والتغيرات في الأرقام، إلا أن الأسواق الأمريكية لازالت ترتفع وتسجل مستويات تاريخية. ويعود هذا الارتفاع المتواصل إلى أن الأسواق الأمريكية لازالت تثق بتوقعات الفدرالي الأمريكي وأن التباطؤ الاقتصادي الحالي ما هو إلا تباطؤ مؤقت. وعليه، لن تتغير نظرة الأسواق قريباً ولن يتغير الاتجاه الحالي في أي وقت قريبا. لكن وفي نفس الوقت، من الممكن أن يتغير كل الشعور العام في الأسواق فيما لو استمرت الأرقام الاقتصادية في التراجع وأن نشهد المزيد من الإثباتات بأن الاقتصاد يتراجع بوتيرة أسرع، أو فيما لو قرر البنك الاحتياطي الفدرالي الأمريكي أن يغير السياسة الحالية بشكل مفاجئ، وخصوصا فيما لو أتى هذا التغير في السياسة على عكس توقعات الأسواق تماماً.
حقائق هامة
– انخفاض نسبة امتلاك المنازل في الولايات المتحدة لأدنى مستوى منذ 19 عام.
– انخفاض إنفاق المستهلكين على السلع المعمرة بواقع 3.23 % منذ نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي وهو ما يشير بشكل واضح أن أمامنا المزيد من التباطؤ الاقتصادي خلال الفترة المقبلة.
– جودة الوظائف التي تمت إضافتها منذ الركود الأخير للاقتصاد الأمريكي، لا توازي جودة الوظائف التي كانت متواجدة قبل الأزمة المالية العالمية.
– 62 % من الأمريكيين يحصلون على أقل من 20 دولار بالساعة الواحدة.
– عدد الامريكيين الذين يحصلون على مساعدات شهرية من الحكومة الفدرالية يتخطى عدد الاشخاص الذين يعملون بوظائف ذات دوام كلي في القطاع الخاص بحوالي 60 مليون شخص.
– انفق الفدرالي الأمريكي حوالي 2.7 تريليون دولار ليعوض الوظائف التي تم خسارتها خلال الأزمة المالية العالمية، لكن وفي نفس الوقت، ارتفع عدد السكان في الولايات المتحدة الأمريكية بواقع 14.8 مليون منذ ديسمبر/كانون الأول من العام 2007 وخرج حوالي 12.8 مليون شخص من سوق العمل خلال نفس الفترة.