Site icon IMLebanon

ريادة الأعمال سبب قوة الاقتصاد الأمريكي

AmericanBus

رحاب سيد أحمد

قد يندهش البعض من ان العمود الفقري للاقتصاد الأمريكي ليس الشركات العملاقة بل المشروعات الصغيرة التي تشكل95% من إجمالي المشروعات الأمريكية وتعتبر المشغل الرئيسي للعمالة, وأن الصين مثلا في2008 قامت بضخ ما يقرب من700 مليار دولار بهدف إقامة مشروعات صغيرة لمواجه الأزمة الاقتصادية العالمية.

لا يخفي علي القاصي والداني ان مصر تمر بتحد اقتصادي غاية في الصعوبة لذلك لا تمتلك الحكومة المصرية الحالية رفاهة التجربة والفشل ومن الحري بها عدم إعادة اختراع العجلة بل اقتباس التجارب الناجحة التي اتبعتها الدول الأخري لتنشيط اقتصادها بشكل سريع وفعال.

وللتعرف علي مناخ ريادة الأعمال في الولايات المتحدة رافقت وفدا من شباب رواد الأعمال المصريين في زيارة لعدد من المشروعات والمؤسسات بدعوة من الحكومة الأمريكية للاستفادة من تجربتهم. مما اتاح لنا فرصة دراسة النموذج الأمريكي الذي يوفر بيئة داعمة لريادة الأعمال بشكل عام مع خلق تمييز ايجابي للمرأة والمعاقين وصغار المستثمرين علي وجه الخصوص.

رائد الأعمال

يعرف ستيفين جونز رائد أعمال أمريكي رائد الأعمالEntrepreneur بأنه شخص مؤمن بحلم أو بفكرة خلاقة بشغف ومستعد للمخاطرة والمغامرة من اجل تحويل فكرته إلي مشروع ناجح, مستغلا قدراته المتميزة في إدراك الفرص, التي يغفل عنها الآخرون أو يعتبرون انه من الصعب تحقيقها, في تحديد الطلب في السوق ومن ثم إمداده بالعرض المناسب.

وبالتالي فإن رائد الأعمال ليس بالضرورة مخترعا أو عبقريا ولكنه إنسان يستطيع تحويل أفكاره إلي مشروع ناجح. ومن أمثلة رواد الأعمال مارك زوكيربيرج مبتكر شبكة التواصل الاجتماعي فيس بوك.

يقول جونز ان رائد الأعمال لا يقوم بإنشاء مشروع صغير بل شركة ناشئةStart-up التي تعني عملا تجاريا أنشئ حديثا يقوم بتقديم خدمة أو منتج جديد لم يقدم من قبل أو تطوير منتج قديم بصورة مبتكرة وهو التعريف القانوني الأكثر شيوعا في الولايات المتحدة. ويؤكد جونز أهمية أن تعمل الشركة الناشئة علي تحقيق ربح يكون قابلا للتكرار والتوسع بشكل كبير وابتكاري غير تقليدي.

خصائص الاقتصاد الريادي

يقول ستيفين إيزيل محاضر بجامعة يال وكبير محللي مؤسسة تكنولوجيا المعلومات والإبداعITIF ان أوجه القوة في الاقتصاد الريادي هي القدرة علي اتخاذ المخاطرة, استجابة لاحتياجات المستهلكين ووجود منظومة بيئية متكاملةecosystem ترعي ريادة الأعمال, متمثلة في جامعات عالية المستوي تقوم بتبني وإنشاء مراكز بحثية وحاضنات أعمال وكذلك توفر الدعم والمساندة الحكومية, ووجود رأس مال مغامر بالإضافة إلي وجود بنية تحتية تتيح الإبداع التكنولوجي, وايضا سهولة دخول السوق في ظل نظام قانوني شفاف يحفظ حقوق الملكية الفكرية وأخيرا إستراتيجية تخارج واضحة نتيجة إما البيع أو الإفلاس.

ويضيف إيزيل انه في الولايات المتحدة تنتشر ثقافة وقيم مجتمعية ونظام تعليمي يشجع علي الابتكار والمغامرة, والتسامح مع الفشل واعتباره فرصة للتعلم من الأخطاء وتراكم الخبرات للاستفادة منها في المستقبل, حيث ان معدل فشل الشركات الناشئة في الولايات المتحدة خلال الخمس سنوات الأولي للمشروع يصل إلي أكثر50%. ويعتقد إيزيل ان التسامح مع الفشل فضيلة أمريكية تفتقر اليها الدول الأوروبية التي تدين الفشل مما يحبط العديد من رواد الاعمال هناك.

ويرجع إيزل ازدياد عدد الشركات الناشئة في الولايات المتحدة بشكل مطرد الي تشجيع الحكومة الأمريكية والمراكز البحثية الأكاديمية ورجال الأعمال متمثلا في إنشاء العديد من مسرعات الأعمالBusinessAccelerators وحاضنات الأعمالBusinessIncubators لرعاية الشركات الناشئة. فقد قفز عدد حاضنات الأعمال من12 حاضنة أعمال في ثمانينيات القرن الماضي إلي ما يربو علي ألف حاضنة أعمال في الوقت الحالي.

ويوضح إيزيل ان حاضنات الأعمال تختلف عن بعضها في الطريقة التي تقوم بها بتزويد الشركات الناشئة بالخدمات, وهيكلها التنظيمي, وبنوعية العملاء الذين يقدمون الخدمة لهم. وعادة ما تقوم حاضنات الأعمال بتوفير المكان وخدمات الانترنت وأجهزة كمبيوتر في مقابل مبالغ زهيدة, كما تقدم برامج تدريبية وخبرات عن إدارة الملكية الفكرية واستشارات قانونية وتقنية وتسويقية للشركة الناشئة. وفي الأغلب ما تلجأ الشركة الناشئة إلي حاضنات الأعمال في مراحل تكوينها الأولي, ومن جهة أخري نجد ان مسرعات الأعمال في الولايات المتحدة تكون أكثر تدخلا في عمل الشركة الناشئة التي تكون في مرحلة نمو متطورة نسبيا, وتسعي مسرعات الأعمال إلي التواصل مع المستثمرين ومستثمري رأس المال المخاطر من اجل دعم الشركات التي ترعاها مقابل نسبة من الربح, ومن المتعارف عليه ان الشركات الناشئة تدخل مسرعة الاعمال في دورة تتراوح من ثلاثة إلي أربعة أشهر, وبعدها تقوم الشركة بالتخرج من مسرعة الأعمال ليحل محلها شركة أخري.

مصادر تمويل رواد الأعمال

يقول د. ريتشارد إنجلاند أستاذ الاقتصاد والموارد الطبيعية بجامعة نيوهامشر انه في العادة ما يكون من الصعب علي رائد الأعمال صاحب الشركة الناشئة في الولايات المتحدة الحصول علي تمويل من البنوك نظرا لعدم قدرته علي توفير الضمانات التي تطلبها البنوك, لذلك يلجأ الي مصادر تمويل اخري من اجل الحصول علي تمويل مبدئيSeedMoney يبدأ به شركته الناشئة. ويعدد د. إنجلاند مصادر التمويل المختلفة التي منها:

أولا: تمويل من الأصدقاء والعائلة ومدخرات صاحب المشروع نفسه وعادة لا يتعدي هذا التمويل مئات الآلاف من الدولارات.

ثانيا: ما يعرف باسم المستثمر الملاكAngelInvestor وهو شخص يقوم باستثمار ماله الخاص الذي في الأغلب يتراوح ما بين مليون إلي مليوني دولار في شركة ناشئة نظرا لإيمانه بإمكانية نجاح الفكرة, وكذلك لأنه يتوقع ان يحصل علي خمسة أضعاف المبلغ الذي دفعه خلال خمس سنوات في حالة نجاح المشروع, ومن الشائع في الولايات المتحدة ان المشروعات الناشئة الممولة من قبل المستثمرين الملائكة هي اقل عرضة للفشل من مثيلاتها التي تعتمد علي مصادر تمويل أخري نظرا لان المستثمر الملاك يخسر أمواله بالكامل في حال فشل الشركة الناشئة, لذلك عادة ما يقوم بدراسة وبحث إمكانات النجاح بدقة, لكن في حال الفشل يبدأ في البحث عن استراتيجيات للتخارج من الشركة عن طريق عرض أسهم المشروع للاكتتاب العام أو بيعها لمستثمر آخر.

ثالثا:من أكثر أوجه التمويل انتشارا في الولايات المتحدة ما يطلق علية رأس المال المغامر أو المخاطرVentureCapital الذي يكون هدفه الرئيسي من الاستثمار ليس تطوير الشركة الناشئة بل تحقيق أرباح عالية عند بيع حصته فيها لشركة كبيرة أو طرح أسهم الشركة الناشئة في البورصة وهذا النوع من الاستثمار يكون طويل الأجل ويقوم باستثمار أموال أشخاص آخرين, علي العكس من المستثمر الملاك, وكلما زادت نسبة المجازفة من قبل المستثمر المخاطر جني أرباح طائلة, وبناء عليه تجده يسعي بشكل دائم إلي إيجاد الأفكار الخلاقة لدي المبدعين, والشركات الناشئة الواعدة بالنمو في جميع المجالات, ورأس المال المغامر له اثر ايجابي كبير علي اقتصاد الولايات المتحدة من حيث خلقه لما يزيد علي87,11 مليون فرصة عمل في عام2011 وتحقيق عائدات تربو علي1,3 تريليون دولار للولايات المتحدة وتمثل استثمارات رأس المال المغامر21% من إجمالي الناتج المحلي الأمريكي. إلا ان هذا لا ينفي حقيقة ان رأس المال المغامر مني بنسبة70% خسائر خلال السنوات العشر الأخيرة. ويوضح د. إنجلاند ان من أمثلة الشركات الناشئة التي قام بتمويلها مستثمر المخاطر نظرا لعدم استطاعتها الحصول علي تمويل بنكي, شركات أمازون وايباي وفيس بوك وتويتر وجوجل ويوتيوب.

رابعا: صناديق الاستثمار في الأسهم الخاصة أو صناديق الملكية الخاصةPrivateEquityFund التي لا تتداول أسهمها في البورصة وتكون اما شركات عائلية أو شركات ذات مسئولية محدودة مقتصرة علي عدد محدد أو مختار من المستثمرين وتكون ذات رأس مال ثابت محدد بفترة زمنية معينة, ويتم تأسيس هذه الصناديق في حال الرغبة في الاستثمار في شركة ما, إلا انه من الوارد إذا ما اقتضت الضرورة أو بناء علي رغبة المستثمرين تحويل هذه الصناديق إلي صناديق مفتوحة.

خامسا: التمويل التشاركي أو الجماعيCrowdFunding الذي يعتمد علي مساهمة بسيطة لعشرات أو لمئات الأشخاص, من خلال شبكات التواصل الاجتماعي نتيجة تعاطفهم أو إيمانهم بدور الشركة الناشئة في خدمة المجتمع, وحتي الآن يأخذ شكل التمويل التشاركي في الولايات المتحدة شكل الإحسان, لكن يوجد قانون قيد البحث منذ عدة سنوات يعطي للمتبرعين أسهم ملكية في الشركات الناشئة التي يقومون بتمويلها إلا ان هذا القانون لم ير النور حتي الآن نظرا لعدم الاستقرار علي بنود تضمن حقوق المساهمين, ويعتقد د. إنجلاند ان التمويل التشاركي سوف يختفي من الولايات المتحدة في خلال خمس سنوات لذلك لا يري جدوي من وضع قانون ينظمه لانه في حال إصداره سوف يكون مجحفا للممولين.

دور متميز للمرأة في ريادة الأعمال

تقول ماري آن مانوجيان المدير التنفيذي لمركز تطوير مشروعات المرأة التابع لجامعة نيوهامشر ان المجتمع والحكومة الأمريكية يعطون أولوية ورعاية خاصة للمشروعات المملوكة للمرأة والأقليات ويعتبرونهم الفئات الأولي بالرعاية وتوضح أهمية الدور الذي تلعبه المرأة الأمريكية في الاقتصاد حيث ان عدد الشركات الناشئة المملوكة لسيدات في الولايات المتحدة بلغ8.6 مليون شركة حققت عائدات ما يقرب من1.3 تريليون دولار وقامت بتشغيل حوالي7.8 مليون شخص, وتعمل تلك الشركات في جميع المجالات كالتعدين والنقل والبناء وغيرها الا ان غالبية أنشطتهم تتركز في الخدمات الاجتماعية والرعاية الصحي. وما بين عامي1997 و2013 زادت نسبة الشركات الناشئة المملوكة لسيدات بنسبة56% وحققت نموا في الإيرادات بنسبة63%.

وتضيف مانوجيان ان الشركات المملوكة للسيدات الأفروأميركيات تعتبر القطاع الأسرع نموا في سوق العمل حيث تمتلك السيدات الأفروأميركيات في الوقت الحالي نحو1,1 مليون شركة باعتبار أن غالبية الأميركيات من أصل إفريقي هن العائل الرئيسي لأسرهن وكذلك يشهد السوق الأمريكي زيادة في عدد سيدات الأعمال من أصل لاتيني.

هيئة المشروعات الصغيرةSBA

توضح جولي كلوز نائب مدير هيئة المشروعات الصغيرة بواشنطن ان حكومة الولايات المتحدة تولي أهمية كبري للمشروعات الصغيرة نظرا لانها العمود الفقري للاقتصاد الأمريكي حيث انها تشكل95% من إجمالي المشروعات الأمريكية وتساهم في حوالي34% من الناتج القومي الإجمالي الأمريكي, وتساهم في خلق58% من إجمالي فرص العمل المتاحة, لذلك أنشئت في عام1953 هيئة فيدرالية أمريكية مستقلة للمشروعات الصغيرة تتبع رئيس الجمهورية مباشرة وتقول كلوز انSBA لا تقدم أموالا نقدية, بل تقوم بتقديم ضمانات مدعومة من الحكومة الأمريكية بنسبة90%, بما يساعد الشركات الناشئة في الحصول علي قروض من المصارف والاتحادات الائتمانية وغيرها من المقرضين من شركاءSBA بفترات سداد أطول وشروط أكثر مرونة من القروض التجارية العادية, وتوضح كلوز انه قد تم رفع الحد الأقصي لحجم هذه القروض في عام2010 من2 مليون دولار إلي5 ملايين دولار, وتضيف نائب مدير هيئة المشروعات الصغيرة انSBA تقوم بتخصص23% من العقود الحكومية الفيدرالية إلي المشروعات الصغيرة وبالأخص المملوكة للمرأة والمعاقين وقدامي المحاربين والأقليات.

وتبعا لكلوز فانSBA توفر من خلال منظمات لا تهدف للربح قروضا صغيرة تتراوح من35 ألف إلي50 ألف دولار. وتتبنيSBA من خلال منظمات تنموية لا تهدف للربح برنامج تمويل يقدم50% من قيمة العقارات أو المعدات التجارية أو الآلات اللازمة للمشروع الصغير. وتفتخر نائب مدير هيئة المشروعات الصغيرة بانSBA لديها مكتب واحد علي الأقل في كل ولاية في الولايات الأمريكية, وتقدم الوكالة المشورة القانونية والتقنية وكيفية ادارة الأزمات في حالة تعثر المشروع, بالإضافة إلي ما يقرب من900 مركز لتطوير الأعمال الصغيرة في الجامعات والمراكز التجارية.