IMLebanon

أمريكا تسدد ضربة «قاتلة» لأحد كبار مصارف أوروبا

FinancialTimes
مايكل ستوثارد ومارتن أرنولد
في بداية العام، اعتقد تنفيذيو بنك بي إن بي باريبا أنهم متوجهون نحو ما هو أكثر قليلاً من صفعة على المعصم بسبب انتهاكهم العقوبات الأمريكية. فقد حصل أكبر بنك في فرنسا من حيث القيمة السوقية على حُكم بمبلغ 1.1 مليار دولار في شباط (فبراير)، وهو أقل من خُمس أرباح عام 2013، بعد أن كشف تحقيق داخلي عن مخالفات في وحدة تمويل التداول التي تتعامل مع السودان وإيران وكوبا.

لكن البنك أساء الحُكم على الوضع كثيراً. فبعد أربعة أشهر من ذلك الحكم يواجه البنك الآن غرامة تبلغ تقريباً تسعة أضعاف ذلك المبلغ، الأمر الذي أدى إلى أكثر من محق أرباح هذه العام. ومن المتوقع أيضاً أن يقدّم إقراراً بالذنب ويحصل على تعليق لرخصة مقاصة الدولار الأمريكي في وحدة تمويل النفط والغاز.

حدثت معظم التداولات المشبوهة بين عام 2002 و2009 وكانت تتعلق بقسم تمويل التداول في البنك الموجود في جنيف وباريس. وقدّرت السلطات الأمريكية أن بنك بي إن بي كان يتعامل مع ما مجموعه نحو 30 مليار دولار من التداولات التي يُدَّعى أنها غير مشروعة.

كان البنك يقوم بمعاملات تجارية مع بلدان موجودة على القائمة السوداء، مثلا، مساعدة السودان على بيع النفط بمليارات الدولارات، وأيضاً إزالة المعلومات المُعرِّفة من التحويلات ليتم مصادقتها من وحدة عملياته في الولايات المتحدة. وكانت السلطات الأمريكية قد سمعت عن احتمال حدوث مخالفات نحو عام 2007. وبعد مرور عام من ذلك الوقت، خاطب البنك السلطات الأمريكية وبدأ بإجراء تحقيق داخلي.

قال البنك إنه كان يتعاون بشكل كامل، لكن النيابة العامة في الولايات المتحدة اعتقدت العكس. فبينما انتهت معظم المعاملات في عام 2008، استمر بعضها لعدة أعوام بعد أن طُلِب من البنك التوقف عن ذلك بطريقة مباشرة ومحددة.

السلطات الأمريكية كانت غاضبة، لكن في شباط (فبراير) كان تنفيذيو البنك لا يزالون غير متأكدين من حجم المتاعب التي كانوا فيها. ثم بدأت المفاوضات بشكل جدّي، وقد قادها من جانب البنك الرئيس التنفيذي، جان لوران بونافي، وجان لوميير، “المستشار الأعلى” للبنك والرئيس السابق للبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير. وقال أحد الأشخاص المقربين من البنك “إن الوضع أصبح أسوأ بسرعة كبيرة بعد ذلك”.

بعد شهرين، في نيسان (أبريل)، اعترف البنك للسوق بأن الغرامة من المرجح أن تكون “أكبر بكثير” من الحُكم بمبلغ 1.1 مليار دولار. وبعد بضعة أسابيع بدأت الأخبار بالتسرب لتفيد بالمبلغ الدقيق الذي كان ممثلو النائب العام يضغطون في سبيل الحصول عليه – وهو ما دفع بأسهم البنك إلى تراجع متواصل.

في منتصف أيار (مايو) كانت هناك تقارير تُفيد بأن الغرامة قد تكون 3.5 مليار دولار؛ وبعد أسبوع كانت خمسة مليارات دولار. ومع بداية حزيران (يونيو)، بلغ الرقم المُشاع عشرة مليارات دولار، إلى جانب تعليق مؤقت لقدرة البنك على استخدام مقاصة الدولار – وهي خدمة حاسمة للعملاء – وإدانة جنائية.

حتى أواخر أيار (مايو) كان اهتمام معظم المحللين مركّزاً على بنك كريدي سويس، الذي أصبح أول بنك كبير خلال عقدين من الزمن يقرّ بالذنب لارتكابه مخالفات جنائية في الولايات المتحدة بسبب مزاعم بمساعدة المواطنين الأمريكيين على التهرب من الضرائب.

وبمجرد الإعلان عن تسوية بنك كريدي سويس، تحوّل التركيز بسرعة إلى بنك باريبا. في باريس، بدأ بعض السياسيين يشعرون بالخوف. وأثار الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند القضية مع نظيره الأمريكي باراك أوباما في رسالة في مطلع نيسان (أبريل)، تبعتها مكالمة هاتفية وأسابيع من الضغط الهادئ من قِبل المسؤولين الفرنسيين.

كان المسؤولون قد اعترفوا بأن بنك باريبا “لا بد أن يُعاقب” على جرائمه، لكنهم كانوا يشعرون بالسخط حول ما اعتبروه عقاباً “غير متناسب بشكل مجنون”، من المحتمل أن يكون “قاتلاً للبنك”.

غرامة بما يقارب عشرة مليارات دولار من شأنها تجاوز أي شيء دفعته البنوك الأخرى التي قامت بتسوية مزاعم مماثلة، ومن ضمنها إتش إس بي سي، وستاندرد تشارترد، وآي إن جي، التي دفعت مجتمعة نحو ثُلث ذلك المبلغ.

ووصفت صُحف الأعمال الفرنسية ذلك بـ “إعلان حرب” من قِبل الأمريكيين، في وقت أدى فيه الضغط فعليا إلى آثار سلبية على بنك باريبا. واضطر بودوان برو، رئيس مجلس الإدارة، الذي كان الرئيس التنفيذي من عام 2003 حتى 2011، إلى أخذ إجازة لبضعة أشهر بسبب الإجهاد.

وعلى مستوى أدنى من السلم الإداري، بدأت الرؤوس في التساقط. فقد صُرف عشرات الأشخاص من وظائفهم من مكتب جنيف، بينما غادر دومنيك ريمي، رئيس قسم وحدة تمويل التداول، بعد 25 عاماً في البنك. أما جورج شوردون دي كورسيل، كبير الإداريين التشغيليين ورئيس مجلس إدارة الفرع السويسري، فقد تنحّى عن منصبه بعد 42 عاماً في البنك. لقد تم السماح للرجل البالغ من العمر 64 عاماً بالتقاعد بكرامة بدلاً من أن تتم معاقبته من قِبل السلطات الأمريكية، التي كانت قد طالبت برحيله.

ومع تصاعد المخاوف، بدأت باريس بالضغط علناً لصالح بنك باريبا. وفي أوائل حزيران (يونيو)، هدد هولاند أوباما بعواقب “اقتصادية ومالية” في حال لم تتراجع الولايات المتحدة.

ويبدو أن الضغط قد وقع على آذان صماء. فقد قال أوباما “لا أستطيع رفع السماعة والاتصال بالنائب العام. فهذه قرارات اتخذتها وزارة العدل المستقلة. ربما هو تقليد مختلف عن الموجود في بلدان أخرى”.

في البداية، اعتمد بنك باريبا على دفاع قانوني، قائلاً “إن المعاملات لم تكن غير قانونية بموجب القانون الأوروبي” وقام بتقديم رسائل تحوي آراء من شركات قانونية تدعم قضيته.

كذلك حذّر البنك الفرنسي من العواقب الوخيمة المحتملة على النظام المصرفي إذا قام المنظمون في الولايات المتحدة بفرض عقوبة قاسية للغاية. لكن المنظمون كانوا قد سئموا من تلك الحجة، التي وصفها بريت بهارارا، المدعي العام الأمريكي في مانهاتن، بأنها “روتين متشائم”.
ومع أن الغرامة والإقرار بالذنب والتعليق الجزئي لمقاصة الدولار جميعها مؤلمة، إلا أن التأثير الأكبر على بنك باريبا قد يكون على سمعته.
على وجه التحديد، يخشى البنك من أن صفقات تمويل النفط التي قام بها سيتم تصويرها على أنها دعم لحكومة الرئيس السوداني عمر البشير، المتهم من المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم حرب مزعومة.
وبالنسبة لبنك يفتخر بكونه يُدار من قِبل بعض أذكى الأشخاص في مجال الأعمال وبكونه تجاوز الأزمة المالية واسمه لم تشبه شائبة نسبياً، فهذه الأيام تعتبر قاتمة بالفعل.