بسام القنطار
لا يحق لوزير الاتصالات بطرس حرب وفق صلاحياته الدستورية ومقتضيات عقدي التشغيل الموقعين مع شركتي الخلوي «تاتش» و«ألفا»، ان يخص المنتسبين الى نقابتي المحامين في بيروت وطرابلس بامتياز خاص يمنحهم تخفيضاً بنسبة 20% على جميع خدمات الهاتف الخلوي.
هذه ليست المرة الاولى التي تحصل فيها اتفاقات من هذا النوع. سبق للوزراء السابقين ان رعوا اتفاقات مشابهة شملت الصحافيين والعسكرين، لكن تلك الاتفاقات لم تكن تخفيضاً مباشراً على اسعار الخدمات، بل كانت بمثابة عروض مخصصة لفئات محددة، تتضمن رزمة مزايا يحصل عليها المشترك مقابل استهلاكه كمية معينة من دقائق التخابر والرسائل القصيرة، ولم تشمل خدمات تبادل المعطيات او الاشتراك الثابت او الخدمات الاضافية. اما في حالة الاتفاق الجديد مع نقابتي المحامين فإن التخفيضات شاملة وعلى جميع اسعار الخدمات وليس ضمن باقة معينة ترتبط بحجم الاستهلاك.
على سبيل المثال، يتضمن عرض «الخطّ العسكري» من شركة «ألفا» 80 دقيقة تخابر، و20 رسالة قصيرة SMS محلّية، و50 MB انترنت مقابل 7$ شهريّاً فقط (تضاف إليها ضريبة الــTVA). ومن الميزات الّتي تطرحها هذه الباقة، أنّ «الخطّ العسكري» متوافر من دون كلفة شراء ومن دون اشتراك شهري، فيما يسعّر كلّ استهلاك إضافي خارج الحدّ الأقصى للباقة، وفق التعرفة المعتمدة للخطوط الثّابتة. ويوفّر «عرض النقابات» من شركة «تاتش» المخصص للصحافيين والإعلاميين 800 دقيقة مكالمات و80 رسالة نصية قصيرة SMS بسعر 49 دولار أميركي فقط لحاملي الخطوط الثابتة المنتسبين للنقابات والجمعيات المهنية المشتركة في العرض. وتقول الشركة ان باقة العرض توفر تخفيضات تصل الى 50% على الخطوط المسبقة الدفع.
يستفيد المحامون بموجب هذا الاتفاق الجديد من خفض 20 في المئة على كلفة الخلوي
في المقابل، يستفيد المحامون بموجب الاتفاق الجديد من خفض 20% على اسعار جميع الخدمات، مهما كانت ومهما بلغت قيمتها او حجم استهلاكها، بما في ذلك رسم الاشتراك والمكالمات التي يجريها المحامي مع الغير. يضاف الى ذلك تخفيض بنسبة 35% على المكالمات التي يجريها المحامي مع محام آخر ضمن الشبكة الواحدة. ولا يشمل هذا الاتفاق مكالمات خدمة التجوال الدولي Roaming (استخدام الهاتف الخليوي أثناء السفر خارج لبنان).
يأتي هذا الاجراء بعد اقل من شهر على صدور مراسيم عن مجلس الوزراء وقرارات اخرى عن وزارة الاتصالات تخفّض كلفة الاتصالات والانترنت على الخطوط الثابتة والخلوية، بما فيها الخطوط المسبقة واللاحقة الدفع اضافة الى حزمة النطاق العريض للانترنت وخدمات الـ 3G وغيرها.
ومع تدفق عروض تخفيض اسعار الاتصالات لا يمكن احتساب الحجم الاجمالي لحجم تراجع إيرادات الخزينة العامّة، علماً ان الشركتين المشغلتين في مجال الخلوي قدّرتا التخفيضات التي طاولت جميع المستهلكين بنحو 212 مليون دولار (بعد احتساب معدل نمو المستخدمين ونمو استهلاك التخابر والداتا).
وزير الاتصالات بطرس حرب اعتبر «أن هذه الاتفاقية خطوة متواضعة، تندرج ضمن مهمات الوزارة، للاستجابة لحاجات اللبنانيين». لكن هل بات المحامون والعسكريون والاعلاميون يختصرون حاجات اللبنانيين جميعاً؟ وماذا عن بقية العاملين في قطاعات المهن الحرة مثل الاطباء والمهندسين والمحاسبين المجازين؟ وماذا عن متطوعي الصليب الاحمر والدفاع المدني والاطفاء والمسعفين والممرضين؟ ماذا عن جميع المشتركين من اي فئة اجتماعية او مهنية؟ ألا يستحقون المعاملة نفسها بالتساوي؟
السؤال الاهم، هل يحق لوزير الاتصالات ان يوافق على هذا النوع من العروض من دون العودة الى مجلس الوزراء؟ وماذا عن مبدأ المساواة بين جميع المواطنين الذي يكفله الدستور اللبناني؟
يعتبر وزير الاتصالات السابق شربل نحاس ان التخفيضات التي تطاول قطاعات ونقابات معينة تفتح المجال امام البازارات. مذكراً انه عندما تولى حقيبة الاتصالات عمد الى الغاء جميع هذه التدابير الاستثنائية. مشيراً الى ان وزير العدل في حينه ابراهيم نجار، أيده في موقفه القاضي بإلغاء جميع التخفيضات الخاصة التي كانت تميّز القضاة عن غيرهم من فئات المستهلكين.
معادلة نحاس بسيطة وواضحة، اذا كانت هناك وزارة (اي وزارة) تريد ان تقدم تخفيضات على كلفة الاتصالات لفئات معينة، عليها ان تطلب ذلك عبر الموازنة العامة، ولها الحق في ذلك، اما وزارة الاتصالات فمن واجبها ان تصدر الفواتير بالكلفة الحقيقية لانه لا يجوز المس بالمال العام من دون تبيان حقيقة المبالغ التي خسرتها الخزينة العامة وتحديد كيفية تغطية هذه الخسائر. وفي النهاية الخزينة واحدة، لكن طريقة تبيان واحتساب كلفة التخفيضات امر مفصلي في إجراء من هذا النوع.
ولفت نحاس الى ان اي عرض تجاري اذا لم يكن عمومياً ويطاول جميع المستهلكين فهو ليس عرضاً تجارياً، وفي جميع دول العالم هناك شروط للتخفيضات وربطها ببنية الاسعار وطريقة بناء الكلفة واحتسابها، ومن خلالها يمكن ان تنتج رزمة عروض تفاضلية على اساس حجم التكاليف الثابتة، تلغي الاستنسابية وتحقق المساواة، وتمنح لكل من يستوفي شروطها، واي تخفيضات تشذ عن هذه القاعدة تخرج عن العمل التجاري.
وأكد نحاس ان العروض التي تقدم من قبل الشركات المشغلة لقطاع الخلوي وباشراف وزارة الاتصالات، سواء كانت للعسكريين او القضاة او المحامين او الصحافيين لا تحقق المصلحة العامة، لانه لا يجوز منح امتياز من خلال تخفيض المردود التجاري، بل يجب ان تسجل كلفة الخدمة/المنحة كاملة وأن تتولى الوزارة المسؤولة مثل وزارة العدل او الدفاع او الاعلام تغطية هذه المنحة من موازنتها لتبيان قيمتها. وحالياً ليس هناك أي اثر للكلفة من خلال التخفيض الظاهري لعمل تجاري مزعوم، بهدف تسجيل بطولات وهمية وتعزيز المنطق الزبائني، الأمر الذي يوفر وسائل الاستزلام التي تتخطى مضارها المحاسبة العمومية، بل تصل الى حدود تعميم واستكمال التنظيم المافيوزي لبنية الدولة.