نادرون جداً هم الأمنيون في لبنان الذين يجرؤون على الحديث عن موضوع التسلّح، فهذا الموضوع يشكّل إحدى المحرّمات الأساسيات في الحديث العلني. لكن الأمنيين يرتاحون أكثر في الجلسات الخاصة فيهمسون بما يقلقهم ويعبّرون عن هواجسهم مثل أي مواطن يشعر بالأخطار تعصف بوطنه.
أحدهم يروي هواجسه في جلسة خاصة جداً كالآتي:
“يعيش لبنان مرحلة تشبه كثيراً المرحلة التي عاشها لبنان اعتباراً من العام 1969، ولأكون أكثر دقة اعتباراً من العام 1973. يومها بدأ الجميع بالتسلّح في لبنان بعلم من الأجهزة الأمنية التي كانت إما عاجزة أحياناً أو تغضّ النظر في أحيان أخرى. ومن العام 1973 وحتى 13 نيسان 1975 كانت فترة التحضير للانفجار الكبير.
أقول إن المرحلة اليوم تشبه تلك المرحلة لأسباب كثيرة، وأهمها:
ـ لا حقيقة لكل ما يُحكى عن غطاء دولي لمنع الانفجار في لبنان، فكل ما في الأمر أنه لم يأتِ وقتنا بعد. لا بل إن عوامل الانفجار الداخلي متوافرة بقوة بفعل الاشتباك الكبير في المنطقة والذي قد لا يوفر أياً من الدول العربية في الشرق الأوسط وصولاً الى الخليج.
ـ “حزب الله” يملك كل السلاح والتجهيزات والبنية العسكرية والأمنية، وهو الطرف الداخلي الأكثر جهوزية لأي حرب داخلية، رغم انهماكه في الحروب الإقليمية. والى جانبه “سرايا المقاومة” وحركة “أمل” وبعض المجموعات الصغيرة المتفرّقة من القوميين والبعثيين ومجموعات محدودة جدا داخل البيئة المسيحية.
ـ داخل الشارع السني باتت البيئة مهيئة بعد تجارب سابقة مثل تجربة الشيخ أحمد الأسير وتجارب طرابلس، إضافة الى نمو التيار السلفي والمتشدّد الذي بات يتجه إما الى تأييد “داعش” وأمثالها وإما الى الكفر بـ”حزب الله” على الأقل والشعور بالغبن المفرط بسبب ممارسات بعض الأجهزة، ما يدفع هذا المجتمع نحو العسكرة تحت ستار الدين، وخصوصاً في ظل انخراط عدد من رجال الدين مباشرة في عسكرة هذا الشارع في ظل تراجع واضح لقدرة تيار المستقبل على ضبط الشارع.
ـ داخل البيئة الدرزية ثمة تحسّب كبير لكل ما يجري في المنطقة والارتدادات المتوقعة في لبنان، وأثبتت هذه البيئة أنها مسلحة ومجهزة بالكامل بعد تجربة 10 و11 أيار 2008 وأنها موحدة في مواجهة الأخطار، ولا ينقصها إلا الذخائر الكافية، والتي يصبح تأمينها في غاية السهولة متى توافرت الظروف الموضوعية.
ـ وتبقى البيئة المسيحية المستنفرة عسكرياً وبنسبة أكبر مما كانت عليه في العام 1973، وخصوصاً بعد ممارسات “حزب الله” والشعور بالخطر المحدق نتيجة ارتفاع موجة الأصوليات في المنطقة. في هذه البيئة وحده سمير جعجع يقدر على المواجهة، لكنه باطني ولا أحد يدرك ماذا يُضمر، كما أن محاولة اغتياله أجبرت بعض الأجهزة الأمنية رفع ما يشبه “الحصار” الذي كان مفروضاً على مقرّه في معراب، ما سهّل ويسهّل أي قرارات قد يتخذها جعجع أو إجراءات قد يلجأ إليها، رغم أن المعلومات تؤكد أنه لم يجرؤ حتى الساعة على اتخاذ أي قرار بالتسلّح والموضوع لا يزال قيد الدرس بالنسبة إليه. والى جانبه يبدو حزب الكتائب مدركاً لما قد تؤول إليه الأوضاع وهو باشر باتخاذ إجراءات عملية ضمن إمكاناته المحدودة جداً، سواء على الصعيد البشري أو اللوجستي”.
الى أين يتجه لبنان؟ يجيب الأمني المخضرم: “المعطيات لا توحي بالتفاؤل على الإطلاق!”