Site icon IMLebanon

التهافت البريطاني على الغاز الصخري

GazSchiste

محمد الصياد

تشكل واردات بلدان أوروبا الغربية من مصادر الطاقة التقليدية (Conventional Energy Sources)، لاسيما النفط والغاز، العبء الأكبر على موازينها التجارية (Balance of Trade) التي تزن الفارق بين إجمالي قيمة الواردات وإجمالي قيمة الصادرات، وعلى موازين مدفوعاتها (Balance of Payment) التي تزن الفارق بين إجمالي مدفوعاتها الخارجية وإجمالي مقبوضاتها الخارجية.
وفي ظل المشكلات الجيوسياسية وغيرها من المشكلات المرتبطة بسلامة وأمن إمدادات الطاقة، وعدم كفاية حصيلة جبايتها الضريبية الناتجة عن تواضع معدلات نموها الاقتصادي وترتيب ربحية شركاتها، مضافة إليها الاختناقات المالية التي مازالت تسري في عروق اقتصاداتها منذ الانهيار المالي الكبير في ،2008 فإن هذه الدول تجد نفسها اليوم مضطرة للعودة إلى تعزيز أنشطة الاستكشاف عن الغاز، خصوصاً في أراضيها براً وبحراً، وسيلة إنقاذ رئيسية لها من هذا المأزق الطاقوي والمالي، على نحو ما سبقتها إليه الولايات المتحدة بتدشينها قبل قرابة عقد من الزمن عصر التنقيب عن غاز المكامن الصخرية (Shale gas)، حيث لم تكترث الولايات المتحدة للكلفة العالية لاستخراج برميل النفط الصخري (Shale oil) والبالغة آنذاك 90 دولاراً قبل أن تنخفض اليوم إلى نحو 60 دولاراً، ولا للآثار البيئية الناجمة عن عمليات التكسير الصخري بوسيلة الغمر بالمياه لاستخراج الغاز المحبوس في المكامن السحيقة، فسجلت سبقها في إنتاج النفط والغاز الصخريين، وتتهيأ قريباً لتصدير غازها الصخري، وذلك في حال اكتملت البنية الأساسية لهذا النشاط التصديري، من تسريع المصادقة على طلبات الترخيص بتصدير هذا الغاز وإنشاء منصات معالجة هذا الغاز وتسييله قبل تصديره.
من الدول الأوروبية التي تبدو أكثر استعداداً لمجاراة التجربة الأمريكية في التوجه نحو استخراج الغاز الصخري، بريطانيا التي سيشتد عليها الضغط أكثر في حال صوت الاسكتلنديون في 18 سبتمبر/أيلول المقبل على استقلال بلادهم عن بريطانيا، ذلك أن ثلاثة أرباع مخزونات النفط والغاز البريطانية تقع داخل المياه الاسكتلندية.
ويقدر مركز الأبحاث الجيولوجية البريطاني (British Geological Survey) مخزون الغاز الصخري في شمال إنجلترا بنحو 1،300 تريليون قدم مكعبة، تكفي 10% من هذه الاحتياطيات لتغطية حاجة البلاد من الغاز لنحو 50 سنة مقبلة.
ولكن حتى الآن، ومنذ أن فتحت بريطانيا باب الاستثمار في أنشطة الاستكشاف الغازي الصخري، لا تبدو النتائج مشجعة، ففي حين حفرت الولايات المتحدة آلاف الآبار الغازية الصخرية منذ بدأ نشاط الاستكشاف فيها عن هذا الغاز، فإن بريطانيا لم تحفر سوى بئر واحدة اختبارية في لانكاشاير (Lancashire) منذ عام 2011 . وقد وضع تقرير حديث أعدته “مجموعة كل الأحزاب” في مجلس اللوردات ونشر في الثامن من مايو الماضي، اللوم في تأخير التوسع في عمليات الاستكشاف على الحكومة أكثر من مجموعات الخضر، التي تنافح الحكومة رغم أن غاز المكامن من شأنه التخلص من الفحم في توليد ثلث الطاقة الكهربائية البريطانية، فضلاً عن تقليل الاعتماد على الواردات.
وبصراحة فإن بريطانيا لن يكون بمقدورها إنضاج قطاع الغاز الصخري على الأقل في الأمد القريب والمتوسط وذلك لعدة عوامل أبرزها:
– المحاذير والمخاطر البيئية المقلقة لعملية التكسير الهيدروليكي .
– الوقت الطويل الذي يستغرقه إجراء فحص واختبار للبئر الواحدة والذي لا يقل عن سنة لكل موقع استكشافي .
– بيروقراطية إصدار التراخيص التي تتشارك فيها عدة جهات حكومية متنافرة بيروقراطياً لاستخراج موافقتها على عمليات الحفر بطريقة التكسير الهيدروليكي . علماً بأنه يتعين على الشركات أن تودع مبلغ مئة ألف جنيه إسترليني (170 ألف دولار) في حساب السلطة المحلية التي تجري فيها عمليات الاستكشاف، وذلك في كل مرة تُحفر فيها بئر اختبارية .
– التكلفة العالية لعمليات الاستكشاف قياساً إلى مثيلتها في الولايات المتحدة .
ومع ذلك، ولأن الدواعي الملحة للتنمية هنا تجب الدواعي البيئية، فإن الحكومة البريطانية تبدو مصممةً على السير في تذليل جميع العقبات أمام انعاش النشاط الاستكشافي للغاز الصخري، بما في ذلك تخفيض مبلغ الإيداع عن كل بئر اختبارية إلى النصف، والسماح للشركات المستثمرة في حفر قنوات عميقاً تحت مساكن السكان. ولكن مازالت المعارضة الشعبية وغير الشعبية لهذا الخيار قوية، وهي مازالت تتمتع بحظوظ كبيرة لإحباط المساعي الحكومية في هذا الصدد.