مرة اخرى، عادت “هيئة التنسيق النقابية” لتضرب غدا موعدا مع الاضراب في القطاع العام احتجاجا على مماطلة المجلس النيابي في اقرار سلسلة الرتب والرواتب منذ 3 سنوات. اضراب الغد، في نظر كثيرين، هو حلقة جديدة من مسلسل نضال الهيئة الطويل في سبيل الوصول الى عدالة اجتماعية فعلية تضمن نيل كل صاحب حق حقه.
الا ان هذا المسلسل الذي بدأ بتحركات مطلبية لقيت تأييدا شعبياً واسعاً، سرعان ما انقلب نقمة على الهيئة. ذلك أن هذه التحركات التي تنطوي على حق الموظفين المشروع في السعي الى تحسين أوضاعهم المعيشية بعد أعوام طويلة من الوعود، باتت تضرّ بمصالح المواطنين وتقف عائقاً في طريق تسيير أمورهم اليومية على مختلف الأصعدة. وهنا يبقى تلامذة صفوف الشهادات، وخصوصا الشهادة الثانوية، مضرب المثل إذ إن هؤلاء ينتظرون قرار هيئة التنسيق الشروع في تصحيح امتحاناتهم، حتى يتمكنوا من دخول الجامعات، علماً أن بعضهم يخطط لرسم مستقبله الجامعي في الخارج وعليه السفر متأبطاً شهادته الثانوية فبل بداية العام الدراسي الجديد كي لا يضيّع هذه الفرصة الثمينة.هذا من دون أن ننسى عرقلة معاملات المواطنين الروتينية، والتي تسهّل حياتهم.
ازاء هذا الواقع، يطرح السؤال الآتي: ما مدى قانونية إضراب هيئة التنسيق النقابية في ظل مبدأ “تسيير المرفق العام”؟ تجيب مصادر قانونية وتوضح عبر “النهار” أن “لبنان وقع عام 1972 “العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية الذي ينص، في مادته الثامنة، الفقرة “د” على “حق الاضراب شرط استعماله وفقا لقوانين البلد المعني.” اذا، فإن هذه المادة،التي تلغي المادة 15 من قانون عام 1959 المانعة لإضراب موظفي القطاع العام، تعطي، وفقا للمصادر، “كل شخص،ضمن نقابة أو هيئة منظمة، بمن فيهم موظفو القطاع العام ، الحق في الإضراب، ضمن الحدود التي يضعها القانون.”
وفي هذا السياق، تلفت المصادر الى أن “الفوضى التي نعيشها اليوم جرّاء اشكالية قانونية اضراب القطاع العام، تعود الى غياب قانون ينظّم الاضراب، كما هي الحال في فرنسا وغيرها من الدول التي سنّت قانوناً مماثلاً يتيح للموظفين المطالبة بحقوقهم المشروعة من دون أن ينعكس ذلك ضررا بمصالح المواطنين”، داعية مجلس النواب إلى “تنظيم الاضراب بقانون يحفظ استمرارية القطاع العام.” إننا اذا، أمام “معضلة” حقوق وواجبات بين جسم نقابي يستخدم كل الوسائل المشروعة للوصول الى هدفه في حياة كريمة ولائقة، وسلطة تشريعية غاب عن بالها القيام بأدنى واجباتها تجاه مواطنيها، والمتمثل في وضع قانون يصون خيرهم العام.