بروفسور غريتا صعب
المبادرات التي أُعلنها يوم الخميس الماضي البنك المركزي الأوروبي تشتمل اموراً عدة ولا سيما تخفيض اسعار الفوائد وتقديم قروض رخيصة. ولكن، على ما يبدو فإنّ ماريو دراغي، حاكم البنك المركزي الأوروبي لديه رغبة في اختبار ادوات اخرى في اشارة الى مدى القلق من ضعف النموّ وتباطؤ التضخم في منطقة اليورو. وقد شملت هذه الأمور اسعارَ فوائد سلبية اتخذها المركزي الأوروبي في خطوة غير مسبوقة لدعم القروض وقد تكون المرّة الأولى عالمياً التي يتبع فيها بنكٌ مركزي سياسةَ فوائد سلبية.
في اجتماع اللجنة الأوروبية للسياسة النقدية، تمّ خفض سعر الفائدة على ودائع المصارف من صفر بالمئة الى ٠،١٪ سلبي كذلك تمّ خفض سعر الفائدة الرئيسي من ٠،٢٥٪ الى ٠،١٥٪ وخفض سعر الإقراض الهامشي من ٠،٧٥٪ الى ٠،٤٪ اي ما يوازي ٣٥ نقطة. وفي بيانه الإستهلالي قال دراغي: «نحن اليوم أقرّينا مجموعةً من التدابير الإضافية من اجل تسهيل تقديم القروض للإقتصاد الحقيقي…».
وقد شملت هذه المبادرات أيضاً عمليات إعادة تمويل طويلة الأجل «LTROS» والتي من خلالها يقدم المركزي تسهيلاتٍ للمصارف كي تتمكن بدورها من إقراض الأسر والشركات غير المالية.
كذلك أشار دراغي الى انه مستعد اذا ما لزم الأمر الى استخدام مبدأ شراء السندات الذي اتُبع في الولايات المتحدة الأميركية ضمن برنامج استئناف النموّ.
من الطبيعي القول إنّ هذه الخطوات تهدف الى تشجيع المصارف لوضع أموالها في عملية اعادة إعمار منطقة اليورو وكما تهدف الى أضعاف اليورو ما يجعل العائدات الأوروبية اكثر قدرة على المنافسة العالمية.
ورحبت الأسواق بهذه الخطوات وارتفعت الأسهم الأوروبية بوجه عام خصوصاً مؤشر داكس الألماني الذي ارتفع بشكل قياسي وما يزيد عن ١٠،٠٠٠ نقطة ليتراجع بعض الشيء وليقفل بزيادة لا بأس بها.
والسؤال الذي يطرح نفسه ما هي فوائد هكذا خطوات على الإقتصاد؟ ولماذا اسعار فوائد سلبية قد لا يكون لها مفعول يذكر في أوروبا؟
– من المعلوم انّ دور المركزي الأوروبي، وبالتالي أي بنك مركزي، ضمان استقرار الأسعار وذلك بهدف تحقيق معدل تضخم حوالى ٢% على المدى المتوسط، وكمعظم المصارف المركزية الأداةُ الرئيسة لتحقيق ذلك هي بالتدخل والعمل على اسعار الفائدة: وعلى سبيل المثال إذا كان المركزي يودّ محاربة التضخم يتدخل برفع اسعار الفوائد ما يجعل كلفة الإقتراض أكبر وزيادة الإدخار أربح، والعكس صحيح في حال محاولته التصدي لحالات تضخم منخفضة كثيراً فانه يدفع بأسعار الفوائد نحو الأنخفاض فتأتي بنتائج عكسية تماماً.
وللبنك المركزي الأوروبي ثلاثة أسعار فوائد يمكنه التدخل على اساسها في محاولته لجمَ انخفاض الأسعار ومساعدة النموّ في الأقتصاد وهي: الإقراض الهامشي (marginal lending facility)، إعادة التمويل الرئيسي (main refinancing operations) و(deposit facility) أي تسهيلات الودائع. وهذه المعدلات قد خفضت وتدخل ضمن مجموعة من التدابير الرامية الى ضمان استقرار الأسعار على المدى المتوسط والتي هي شرط ضروي للنموّ المستدام في منطقة اليورو.
أما أثر المعدل السلبي على المدخرات فيتلخص بالتالي: اولاً لن يكون لها ايّ تأثير في المدخرات الشخصية انما وعلى العكس قد تساهم في تحفيز الأقتصاد من خلال السماح للمستهلكين والشركات بأن تقترض بسعر أرخص، بحيث يكون تأثيرها المباشر في الأموال المودعة من بعض المصارف في البنك المركزي، لذلك معدلات سلبية من الفوائد قد تساهم وبالمطلق في تحفيز الإقتراض، لكن يبدو من غير الواضح ما اذا كانت هذه الجهود قد تصيب الهدف وعلى المدى الطويل.
فمعدّل فوائد سلبية جديدة بالواقع لم يتم التعامل معها على نطاق واسع، كذلك من الصعب التنبؤ بأثارها والكثير من الاقتصاديين يتساءلون ما اذا كان البنك المركزي الأوروبي قد قام بالفعل بما هو لازم لمواجهة هذه الحال من الإنكماش والبطالة والتراجع في مستويات التضخم ولا سيما أنّ جميع الأساليب والتدابير التقليدية استُنفدت وحسب بعضهم، كما لم يبقَ سوى التيسير الكمي وهذا بالفعل ما قلناه في مقالات سابقة، إذ إنه على ما يبدو اوروبا ولغايته تتهرّب او لنقل تتجاهل هذه التدابير غير التقليدية وربما لأسباب غير واضحة للجميع، لكن يمكن تكهنها لمَن يدرس الوضع الأوروبي وسياساته عن كثب، علماً انّ سياسة التيسير الكمّي شيء دقيق نسبياً وعلى المركزي الأوروبي اتخاذَ قرار سياسي حساس ألا وهو: ما هي الأصول التي سوف يشتريها اعضاء منطقة اليورو الثمانية عشر؟
حسب بعضهم قد يستطيع المركزي الأوروبي شراءَ أصول الوكالات الحكومية والديون المصرفية وسندات الشركات انما الأمر سوف يزداد صعوبة عند شراء سندات الدول كلّ على حدة. كذلك وقبل البدء بعملية التيسير الكمي وجب على دراغي أن يأخذ في الإعتبار توافق الأراء بين أعضاء المجلس الحاكم (governing council) الـ٢٤- كذلك فإنّ أيّ معارضة من البوندس البنك الألماني قد تقوّض عمل البنك المركزي الأوروبي.
وقد تكون الآراء متفاوتة حول أهمية ومنافع هذه الخطوة التي اتخذها المركزي الأوروبي حتى إنّ بعضهم يشكك في انّ ذلك سوف يدفع المصارف الى زيادة قروضها، كذلك لم يتضح بعد ما إذا كانت هذه المصارف سوف تتجاوب مع المركزي ولا سيما أنّ الكثير منها وفي دول عدة ما زال يجاهد مع مشكلة القروض وبشكل جدي وحاد ونتج عن ذلك إغلاق خطوط الإئتمان وركود مؤلم. لذلك قد تكون التدابير التي اتُخذت الخميس الماضي غير
كافية لتنشيط سوق الإئتمان وإطلاق العنان للسيولة اللازمة لإنعاش الإقتصاد ودفع النموّ الى الأمام.
أما التفسيرات الأقتصادية حول آثار معدلات الفوائد السلبية فقد تكون مغايرة الى حدّ ما لما أراده المركزي الأوروبي من هذه الخطوة ولا سيما انّ الاقتصاد يعاني ضغوطاً انكماشية، اذ ان تُفرض فوائد سلبية مباشرة على المصارف التي قد تسعى الى رفع الأسعار على المقترضين وتقليل حجم الإقراض وهذا يعني سياسة انكماشية اكثر منها تحفيزية للنموّ ولسوق الإئتمان.
وهذا ما فعله «سوبر دراغي» من خلال تقييمه الذي لا يمكن أن يعطي أيّ اشارة ايجابية ام سلبية لغاية الآن، وقوله «سوف نفعل كل ما يلزم» الذي أصبح كلاماً غير جدّي في ظل غرق أوروبا في انكماشها رهينة مؤشرات تفاؤلية، علماً انّ هذه المؤشرات جاءت مغايرة تماماً لتوقعات دراغي والمركزي الأوروبي.