يصف الخبير التنموي المصري البارز سمير أمين النهج الاقتصادي والاجتماعي الذي سارت عليه بلاده بين عامي 1970 و2013 بأنه نموذج “نمط التنمية الرثة” قائلا إن الوضع الاحتكاري كان يدعم “رأسمالية المحاسيب” وأحد وجوهها تسهيل القروض المصرفية الكبرى لهم على حساب تمويل صغار ومتوسطي “المنتجين الحقيقيين”.
ويعرف التنمية الرثة بأنها نموذج لأداء اقتصادي تفرضه احتكارات “المراكز الإمبريالية” على الدول الواقعة تحت سيطرتها أو تدور في فلكها دون أن يكون لجموع الشعب نصيب في ثمار التنمية ويرتبط بذلك صعود طبقات تعنى بأنشطة بدائية “البازار” ولا تسهم في التنمية فضلا عن صعود اليمين الديني غير القادر على مواجهة تحديات أبرزها تدهور التعليم وحركة البحث العلمي.
ويقول إن وجود جماعة الإخوان المسلمين في السلطة لمدة عام لم يغير نهج “رأسمالية المحاسيب” مسجلا إحلال الكوادر الإخوانية مكان مثيلاتها بالحزب الوطني الذي كان يرأسه الرئيس الأسبق حسني مبارك حتى اندلاع الاحتجاجات الشعبية في 25 يناير كانون الثاني 2011. وتصاعدت الاحتجاجات في عموم البلاد على مدى عام قضاه الرئيس المنتمي لجماعة الإخوان محمد مرسي في الحكم وبلغت الاحتجاجات ذروتها في 30 يونيو حزيران 2013 وفي الثالث من يوليو تموز عزله الجيش.
ويقول أمين في كتابه (ثورة مصر بعد 30 يونيو) إن الحكومات المتعاقبة منذ 25 يناير 2011 فيما يخص التوجه الاقتصادي “هي تنويعات مختلفة لنفس نظام مبارك… تعبر عن مصالح رأسمالية المحاسيب… وهو ما يفسر رفض الجماهير الثائرة بوعيها التاريخي.. للنخب الحاكمة المعبرة عن مصالح متشابكة لرجال الأعمال والأمريكان ودول الخليج ولن تهدأ ثورة الجماهير إلا إذا جاء في الحكم من يمثلها ويطرح مشروعها هي” في الحرية والعدالة الاجتماعية.
والكتاب الذي يقع في 126 صفحة متوسطة القطع صدر عن دار العين في القاهرة.
وتتصدر الكتاب جملة تلخص أيديولوجية المؤلف ومفهومه للنهضة وتقول “إن مدى النجاح في مشروع نهضوي وصعود اقتصادي ليس بقدر الخضوع للإملاءات الليبرالية. بل على النقيض بقدر صمود المشروع الوطني المستقل لضغوط المشروع الليبرالي.
وأمين الذي فاز عام 2009 بجائزة ابن رشد للفكر الحر من برلين ولد في القاهرة ودرس الاقتصاد في باريس وبعد حصوله على الدكتوراه عمل رئيسا لقسم البحوث في معهد التطوير الاقتصادي في القاهرة ومستشارا اقتصاديا في دول إفريقية منها مالي والكونجو ومدغشقر كما عمل مديرا لمعهد التنمية الاقتصادية والتخطيط التابع للأمم المتحدة في السنغال لمدة عشر سنوات (1970-1980).
ويعمل أمين منذ عام 1980 مديرا لمنتدى العالم الثالث التابع للبرنامج الإنمائى للأمم المتحدة وهو منظمة عالمية غير حكومية للبحوث والمناقشات. وله مؤلفات منها (دراسة في التيارات النقدية والمالية في مصر عام 1957) و(الاقتصاد العربي المعاصر) و(أزمة الامبريالية.. أزمة بنيوية) و(ما بعد الرأسمالية) و(إشكالية القرن.. تأملات حول اشتراكية القرن 21) و(ثورة مصر).
ويقول المؤلف إن كثيرا من الدراسات التي صدرت عقب “ثورة يناير” تجاهلت الإطار العالمي الأوسع وإنه في ظل وجود لاعبين أساسيين على المسرح السياسي العالمي فإن على الثورة -لكي تحقق أهدافها في العدالة الاجتماعية والكرامة الوطنية واحترام حقوق المواطنة- أن تطور استراتيجتها لإنجاز رهاناتها بعيدا عن الإملاءات الخارجية.
ويرى أن مصر أرست في عهد الرئيس الاسبق جمال عبد الناصر نظاما اقتصاديا واجتماعيا “وجهت إليه انتقادات لكنه كان نظاما مستقلا على الأقل. راهن عبد الناصر على التصنيع باعتباره السبيل للخروج من تقسيم العمل الاستعماري الدولي الذي كان يحصر مصر في دور البلد المصدر للقطن” واتسم النظام الناصري بالانحياز للفقراء وزيادة حجم الطبقة الوسطى.
ويرى أن الصعود والنمو ليس مشروعا اقتصاديا فقط ولكنه مشروع سياسي متكامل.
ويستشهد بالتجربة الاقتصادية للصين قائلا إن “صعود الصين الناجح نتيجة لمشروعها المستقل وحده.”