جون بلندر
الزيادة البهيجة بنسبة 3.6 في المائة في سهم بنك بي إن بي باريبا على خلفية تقارير فرض السلطات الأمريكية غرامة بنحو تسعة مليارات دولار على البنك، بسبب مخالفات منهجية واسعة النطاق لقوانين العقوبات الاقتصادية الأمريكية، تبدو مخالفة للإحساس الفطري، بالنظر إلى أن السلطات الأمريكية تعد النظام البنكي العالمي، كنزاً جاهزاً للسلب والنهب.
أوافق معكم على أن تصوير الموضوع بهذه الطريقة يعد نوعاً من التحريض، لكن هذا التصوير لا يخلو تماماً من المنطق، حين أثرتُ الموضوع مع الرئيس التنفيذي لبنك عالمي آخر، وسألته إلى أين سيؤدي كل ذلك، كان جوابه الكئيب: صحيح، إلى أين؟
علينا أن نعترف أن هناك حجة لا تثير القلق وتشير إلى أن الحجم الضخم للعقوبة، هو علامة على الظروف غير العادية والسلوك الشنيع بصورة خاصة في أكبر بنك فرنسي. حين خاطبت سلطاتُ فرض القانون الأمريكي بنكَ باريبا، اختار البنك ألا يتعاون معها بشكل تام.
قالت السلطات: إن البنك، على مدى ثمانية أعوام، كان “يعلم وبشكل متعمد عن تحويل أكثر من 8.8 مليار دولار خلال النظام المالي الأمريكي، نيابة عن هيئات خاضعة للعقوبات”. وانخرط البنك في سلوك إجرامي من خلال برامج معقدة لإخفاء طبيعة التعاملات غير المشروعة.
العقوبة هي علامة على مشاعر الغضب
من الممكن أن تشعر بالسخط مما وصفه الفرنسيون بأنه “امتياز فاحش” تتمتع به الولايات المتحدة، بفضل الدور المهيمن للدولار في التجارة العالمية، باعتباره عملة الاحتياط العالمية المهيمنة، على أن هذا هو الواقع، كما أن القواعد واضحة بما فيه الكفاية.
إذا قدّم مصرف، سواءً كان أمريكياً أو أجنبياً، خدمات المقاصة بالدولار إلى أشخاص مرتبطين ببلدان خاضعة للعقوبات – وهي في هذه الحالة السودان وإيران وكوبا – فمن الطبيعي أن نتوقع عقوبة رادعة.
مع ذلك هناك حجة مضادة قوية تشير إلى أن هذا هو أبعد ما يكون عن كونه إجراءً يتخذ لمرة واحدة. هناك تصاعد في الاستياء الشعبي من استجابة الأجهزة التنظيمية للأزمة المالية، على ضوء مجموعة أشياء من بينها إخفاق الحكومة في حبس المصرفيين، الذين تلاعبوا في القروض العقارية لضعاف الملاءة وعرَّضوا الاقتصاد للخطر.
لقد أدى ذلك إلى تفاقم هذا الشعور هو القلق العام من الجمهور من الأجهزة التنظيمية، التي تشير إلى المصارف على أنها “أكبر من أن تفشل”. إلى أن يهدأ هذا الغضب، من المرجح أن تظل الغرامات عند مستوى أعلى مما لو كانت الحال السائدة خلافاً لذلك. هناك سبب آخر يدفعنا إلى الاعتقاد بأنه كان هناك تغير لا يستهان به، وهو على علاقة بازدياد الاعتماد في الولايات المتحدة على العقوبات المالية في السياسة الخارجية.
في أعقاب العراق وأفغانستان، أصبح إسقاط القوة العسكرية الأمريكية مليئاً بالإشكاليات. وبالتالي فإن العقوبات تسد الفجوة.
من الواضح أن المسؤولين عن القانون مدركون لما يعنيه هذا من حيث فرض القانون: خذ مثلاً البيان الصادر عقب الإعلان عن الغرامة من “سايروس فانس”، النائب العام عن منطقة مانهاتن، في أن “أهم القيم للمجتمع الدولي – هي احترام حقوق الإنسان، والتعايش السلمي، والعالم الذي يخلو من الإرهاب – تعتمد إلى حد لا يستهان به على فعالية العقوبات الدولية”.
على خلفية التدخلات الروسية في أوكرانيا، والتي استجاب لها الغرب بصورة رئيسة من خلال العقوبات الاقتصادية والمالية، من المنطقي أن يشعر ممثلو النائب العام بالحساسية تجاه هذه القضايا الأرحب.
العقوبة استهدفت مساهمي البنك الفرنسي، ومنهم 30 في المائة من الأجانب – لا شك أن بينهم كثيراً من المؤسسات الأمريكية. كذلك أمنوا تقاعداً قبل الأوان بفترة يسيرة لكبير الإداريين التشغيليين، البالغ من العمر 64 عاماً، إلى جانب عدد من الإداريين الأقل شأناً، وفي الوقت نفسه فرضوا قيوداً على جزء يسير من تعاملات بنك باريبا بالدولار.
تكلفة الأعمال
لم يكن هناك مطلب تنظيمي بتغيير هياكل الحوافز التي شجعت التنفيذيين في البنك على وضع الأرباح قبل الالتزام بالقانون. ولم يرسل أي شخص إلى السجن. بالتالي تم تشجيع المصارف العالمية على الاستمرار في اعتبار العقوبات، على أنها تكلفة تشغيلية لأداء الأعمال، تماماً مثلما كانت تفعل الشركات الأمريكية لإدارة النفايات التي تسيطر عليها المافيا. لذلك فإن هذا العامل الرادع ليس صارماً بمثل ما يدل ظاهره.
تحديد ما يعنيه هذا بالنسبة لتقييم المصارف هو أمر يتطلب حذقاً ومهارة، خصوصاً لأن رد الفعل البهيج في سعر السهم على الغرامة المفروضة على بنك باريبا، إلى جانب إعلان الرئيس التنفيذي بأن الغرامة “لا تشكل أثراً بالغاً على الأعمال” يجب أن يثير التساؤل لدى الأجهزة التنظيمية الأمريكية.
بالنسبة للمساهمين، هذا يؤكد الانطباع بأن المصارف الكبيرة التي ترتكب أفعالاً خطيرة، سواء الاستهانة بالعقوبات أو الإفراط في اتخاذ المخاطر في أسواق معقدة ومعتمة، تعد رائعة بالنسبة للموظفين، ولكن ليس بالنسبة للمساهمين.
وحيث إن قضية بنك باريبا، من حيث الأساس، هي حول المخاطر التنظيمية التي لا يمكن التنبؤ بها مقابل المخاطر الجغرافية السياسية التي لا يمكن التنبؤ بها، فإن فن تقييم المصارف يتحول إلى كابوس.
على الجبهة التنظيمية، هناك إمكانية أن الغرامات الضخمة ستصبح أضخم لأنها خيار أسهل بالنسبة للنائب العام من بين جميع الخيارات. وحيث إن المصارف تتعامل بدرجة عالية من الرفع المالي، فإن أي غرامة لها تأثير فعلي كبير على أحد المصارف العالمية الكبيرة، يمكن أن تكون لها مضامين تؤثر على سلامة النظام المالي.
إنها لعبة خطرة، مليئة بعوامل اللبس، خصوصاً بالنسبة للبنوك الأوروبية، التي تظل غير مرسملة جيداً من حيث الأرقام المطلقة، ومن حيث مقارنتها بنظيرتها في الولايات المتحدة.