Site icon IMLebanon

دفاع المصارف الإرهابية المستميت عن مستشاريها

BNPParisBas3

زياد محمد الغامدي،

لا يمكن فهم دفاع “بي إن بي باريبا” عن أحد مستشاريه المتورطين في قضية التغطية المالية على الدول الإرهابية، سوى أنه تغطية على قضايا أخرى لم يكشف النقاب عنها بعد. فعلى الرغم من أن هذا الاستشاري لعب دورا مهما في الاختراقات القانونية التي قام بها البنك، التي استهدفت الأمن والسلم الدوليين في الصميم، إلا أن البنك ظل متمسكا به إلى النهاية، ما دفع سلطات المال في نيويورك إلى أن تشترط التخلص منه مقابل الإبقاء على رخصة البنك المصرفية للعمل داخل الولايات المتحدة. وتأتي هذه الحادثة لتسلط الضوء على الدور الخطير الذي تقوم به مكاتب الاستشارات والمستشارين في إيجاد الثغرات في القوانين الدولية التي يمكن التكسب منها، ضاربين بعرض الحائط الروح القانونية التي من أجلها وضعت القوانين. فالقوانين ينبغي ألا تؤخذ كنصوص فقط، لأنه بالإمكان دائما التغلب على النص بفلسفة نصية أخرى، ولكن القوانين روح وجوهر، ولتطبيقها لا بد من فهم سبب وغاية وضع النص. و”بي إن بي باريبا” ليس المصرف الأول الذي يستخدم المستشارين والمكاتب القانونية للالتفاف على القوانين، فقبله “باركليز” سيئ السمعة والصيت قام بالعمل نفسه.

فرئيس مجلس إدارة “باركليز”، الذي ارتكب المصرف جريمة التزوير والتدليس والتلاعب في أسعار الفائدة (اللايبور) في عهده، التي أثرت سلبا في المقترضين في العالم كافة، والذي مول المستثمرين الذين ساهموا في عملية رفع رأس مال البنك، وغيرها من الجرائم الكثير، استقال من منصبه كنتيجة مباشرة لهذه الفضائح، إلا أنه عاد للعمل في البنك نفسه مستشارا، في عملية بهلوانية سخيفة ومثيرة للاشمئزاز. ولا يمكن القبول بحسن نية مثل هذا التصرف أبدا، ولا يمكن أخذه سوى أنه إصرار على الاستمرار في النهج المخزي نفسه، الذي سبب من الكوارث المالية ما هز الاقتصاد العالمي كله.

إن الهدف من وجود المكاتب الاستشارية والمستشارين، هو توفير ذوي التخصص الفني البحت ممن يندر وجود مهاراتهم بكثرة نتيجة لندرتها. لم توجد المكاتب والوظائف الاستشارية لتوظيف (الفلتات) الذين يمضون جل وقتهم في محاولة فهم القوانين للالتفاف عليها واختراقها بحجج سخيفة. والحقيقة أن الالتفاف على القوانين جريمة يعاقب عليها القانون، كما توضح ذلك التحقيقات التي تقوم بها سلطات المال في نيويورك، والتي على أثرها أقر “بي إن بي باريبا” بالجريمة، ووافق على دفع أكبر غرامة مالية في التاريخ. ورغم ذلك ما زال يدافع عن مستشاريه ويقاوم التخلص منهم. وهذا هو الآخر دليل على أن البنك السيئ الذكر هذا لم يقع ضحية تضليل من مستشاريه، بل دليل على أن هذه الاستشارات أتت بإيعاز مباشر من البنك لتمرير ما ينمي أعماله وأرباحه حتى ولو أتت من الإرهابيين والمجرمين.

إن دفاع المصارف المستميت عمن قدم لهم التبريرات على ممارسة الجريمة والإرهاب، مؤشر خطير على تمسكهم بنهجهم السابق القائم على جمع الأموال بأي طريقة وكيفية، حتى عن طريق القتلة والإرهابيين. والحقيقة أنه من النادر أن نجد مجرما يقر بأن الفساد والرذيلة هما ما دفعاه للجريمة، فعادة ما يغلف المجرم دوافعه بمبررات جميلة، تسهل على نفسه القيام بالفساد، حتى أن بعض المجرمين يدعون أن سبب ما يقومون به من فساد إعلاء لراية الله (تعالى الله عما يقومون به)، وبعضهم يبقى على تبريره حتى يلقى حتفه المستحق. إن التحقيقات المالية التي تقوم بها سلطات المال في نيويورك أماطت اللثام عن ممارسات لم يكن يخطر على البال أن تقوم بها المصارف، ولا بد للمتضررين والمستهدفين في أمنهم من هذه الممارسات أن يحذوا حذو الولايات المتحدة. فهذه المصارف لا تفهم إلا لغة القوة والحزم.