«لقد تسلمنا التقرير الذي يظهر أننا شهدنا أسرع نمو للوظائف في الولايات المتحدة في النصف الأول من السنة منذ العام 1999 (…). إنها المرة الأولى التي نرى فيها خمسة أشهر متواصلة من نمو الوظائف بأكثر من 200 ألف وظيفة شهرياً منذ العام 1999، وسجلنا أسرع انخفاض لمعدل البطالة منذ ثلاثين سنة». هذا ما قاله الرئيس باراك أوباما في إحدى اللقاءات في واشنطن، على وقع التصفيق الحار للحاضرين.
انه شعور بالزهو لدى أوباما وغالبية الأميركيين حول وضعهم الاقتصادي، خصوصاً إثر صدور تقرير الوظائف الذي ورد فيه أن الاقتصاد الأميركي أضاف 288 ألف وظيفة الشهر الماضي متفوقاً على التوقعات، ما ساهم في خفض البطالة إلى 6.1 في المئة وهو الأدنى منذ «الركود الأكبر» في أيلول (سبتمبر) 2008، خسرت البلاد بسببه أكثر من ثمانية ملايين وظيفة.
وعلى رغم أن التقرير ذاته أشار إلى أن نسبة «المشاركة في العمل»، أي نسبة مشاركة الأميركيين القادرين على الانخراط في سوق العمل، لا تزال عند أدنى مستوياتها منذ نهاية سبعينات القرن الماضي بواقع 62.1 في المئة، وعلى رغم أن أحدث التقارير حول التباطؤ الاقتصادي الأميركي في الربع الأول من السنة لفت إلى أن نسبة التقلّص بلغت 2.9 في المئة، بدلاً من 0.1 في المئة، إلا أن التفاؤل لا يزال يسود الأوساط الاقتصادية الأميركية، مدفوعاً بزيادة في الوظائف ونمو القطاع الصناعي والصادرات.
وفي وقت قدمت وزارة العمل صورة إيجابية عن نمو الوظائف، أصدرت وزارة التجارة تقريراً عزز التفاؤل الأميركي، وأعلنت فيه «تراجع العجز التجاري في أيار (مايو) الماضي إلى 44.4 بليون دولار أي بنسبة 5.6 في المئة عن نيسان (إبريل) الماضي، الذي راجعته الوزارة وخفضته إلى 47 بليوناً.
وكان التقلص التجاري الأميركي في الربع الأول من هذه السنة، والذي عزاه خبراء إلى شتاء قارس فرض أياماً كثيرة من الوقف القسري للأعمال في معظم الولايات المتحدة، أدى إلى تباطؤ الناتج المحلي للفترة ذاتها بواقع 1.5 في المئة، بحسب تقارير وزارة التجارة. وتظهر التقارير ذاتها أن صادرات أميركا في أيار ارتفعت بنسبة واحد في المئة مسجلة رقماً قياسياً بلغ 195.5 بليون دولار، معززة بارتفاع في صادرات السيارات وقطع غيارها محققة أرقاماً قياسية أيضاً، كما هي حال معظم المنتجات الاستهلاكية التي صدرتها البلاد.
وتراجعت الواردات الأميركية 0.3 في المئة لتبلغ 239.8 بليون دولار بسبب الانخفاض في واردات أميركا من النفط ومشتقاته، والتي بلغت أدنى مستوياتها منذ تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2010، في وقت سجلت الواردات الأخرى أعلى المستويات.
ويقول خبراء إن زيادة الإنتاج النفطي الأميركي لا تساهم في تقليص العجز التجاري الأميركي فحسب، بل أيضاً في ما صار يطلق عليه الأميركيون تسمية reshoring، أو عودة الصناعات وتالياً الوظائف الأميركية، بعد عقود على هجرتها إلى دول آسيا حيث اليد العاملة أرخص والتكاليف أقل.
وتشيــــر تقديرات محلية إلى أن أميركا خســـرت 150 ألف وظيفة لمصلحة دول أخرى عـــام 2003، وكسبت ألفين فقط. أما العــــام الماضي، فتكاد عملية شحن الوظـــائف إلـــى الخارج تتوقف، في وقت عاد نحـــو 40 ألف وظيفة إلى داخل أميركا.
في السياق ذاته، أشار تقرير وزارة التجارة إلى نمو العجز التجاري مع الصين من 27.3 بليون دولار في نيسان إلى 28.8 بليون في أيار. وهذا العجز هو مصدر نقاش سياسي معقد يدفع كثراً إلى اتهام الصين بالتلاعب ودعم صناعاتها، كما يدفعهم إلى المطالبة بفرض حماية جمركية على الصناعات التي يعتقدون أن الصين تتلاعب بها.
وكانت الولايات المتحدة خسرت مركزها الأول في لائحة الدول المصدرة للصين عام 2010، فيما بلغت قيمة صادرات الصين 2.1 تريليون دولار عام 2013، في مقابل 1.6 ترليون للولايات المتحدة.
إلا أن أصواتاً أميركية كثيرة تطعن بكيفية احتساب قيمة الصادرات، وتضرب مثالاً على ذلك هاتف «آي فون» الذي تصنع أميركا الأجزاء الأكثر قيمة فيه وترسله إلى الصين التي تضيف إليه الأجزاء الأقل قيمة. لكن الصين هي التي تشحن المنتج النهائي مع علامة «صنع في الصين»، ما يعني أن قيمة الهاتف بأكملها تُحتسب على أنها من الصادرات الصينية.
وفي دراسة لـ «احتياط ولاية تكساس» وكتبها مايكل سبوسي وجانيت كويك، قال المؤلفان إن الطريقة الأفضل لاحتساب قيمة صادرات أي دولة هي بملصق يحدد نسبة مشاركة كل دولة في صناعة منتج ما، ويكتب عليه مثلاً: «صنع 15 في المئة في كندا، و20 في المئة في كوريا، و25 في المئة في اليابان، و30 في المئة في الولايات المتحدة و10 في المئة في الصين». ومن شأن احتساب كهذا أن يظهر القيمة الحقيقية لصادرات كل دولة، وأن يعكس مردود الأرباح على الاستثمارات في كل منها، ويعتقد كثر انه لا يزال الأعلى في أميركا.
وتظهر الدراسة أن «القيمة المضافة» التي تدخلها الولايات المتحدة على المنتجات التي تساهم في صناعتها تبلغ 55 في المئة من قيمتها، فيما تساهم الصين بـ35 في المئة. أما المعدل العالمي، وبحسب سبوسي وكويك، فهو 45 في المئة.
وهكذا يرى الاقتصادي دان إيكينسون، أن «القيمة المضافة» الإجمالية للصناعة الأميركية على المنتجات بلغت 2.1 تريليون (مقارنة بالصادرات الإجمالية، وبحسب تقارير المرافئ والبالغ 1.6 تريليون دولار) عام 2013، وأن الاستثمارات الخارجية في أميركا بلغت تريليون دولار للعام ذاته.