أقر القضاء الأميركي الغرامة البالغة 8،9 مليارات دولار دولار المفروضة على مصرف «بي ان بي باريبا« الذي اقر، وللمرة الثانية في تسعة ايام، بذنبه بالتآمر لانتهاك عقوبات أميركية، وذلك في اطار تسوية قيمتها نحو 9 مليارات دولار اقر فيها المصرف الفرنسي بانتهاك عقوبات مفروضة على السودان وكوبا وايران.
وكان ممثلو ادعاء قد اتهموا المصرف بتداول مليارات الدولارات من خلال النظام المالي الاميركي نيابة عن سودانيين واخرين تحظر السلطات الاميركية التعامل معهم بسبب انتهاكات لحقوق الانسان ودعم الارهاب وقضايا اخرى تخص الامن القومي.
وقبلت القاضية الاميركية لورنا سكوفيلد الاقرار بالذنب من جانب المصرف الفرنسي اثناء جلسة استماع في محكمة مانهاتن الفيدرالية.
وقبلت القاضية سكوفيلد اقرار المصرف بالذنب وووافقت على ان التسوية عادلة وملائمة. وحددت القاضية 3 تشرين الأول موعدا لاصدار الحكم. وقالت سكوفيلد «ما من مؤسسة مالية محصنة من سيادة القانون«.
وقدم الاقرار جورجي ديراني المستشار العام لمصرف «بي.ان.بي باريبا«. واعترف المصرف بالتآمر خلال الفترة بين عامي 2004 و2012 لانتهاك قانون السلطات الاقتصادية الدولية الطارئة وقانون التعامل مع العدو.
وكشفت وزارة العدل الاميركية في الول من تموز عن التسوية القياسية عندما أقر المصرف بالذنب في محكمة في ولاية نيويورك بتهم تتعلق بتزوير سجلات اعمال والتآمر.
وجاء الاقرار بالذنب من جانب المصرف الفرنسي بينما اسرعت وزارة العدل وتيرة تحقيقات مع مصارف اخرى لاحتمال تورطها في عمليات غسل اموال او انتهاك للعقوبات. ومن بين التي تخضع للتحقيق كريدي اغريكول وسوسيتيه جنرال الفرنسيان وكوميرز بنك ودويتشه بنك الالمانيان بحسب مصادر وافصاحات معلنة.
وفي تقرير لصحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية، ان المؤسسة السياسية الفرنسية وقطاع الأعمال الفرنسي بدأوا ينتقدون بقوة هيمنة الدولار في التعاملات الدولية عقب ما حصل مع مصرفهم.
وطالب وزير المالية الفرنسي ميشال سابين، وفي مقابلة مع الصحيفة، بإعادة التوازن للعملات المستخدمة في المدفوعات العالمية، قائلاً إن قضية بنك باريبا ينبغي أن «تجعلنا ندرك ضرورة استخدام عملات عدة».
وقال على هامش مؤتمر اقتصادي عقد نهاية الأسبوع الماضي: «نحن (الأوروبيون) نبيع لأنفسنا بالدولار، مثلاً حين نبيع الطائرات. هل هذا ضروري؟ لا أعتقد ذلك«. أضاف: «إن إعادة التوازن ممكنة وضرورية، ليس فقط بخصوص اليورو، وإنما كذلك بالنسبة للعملات الكبيرة في البلدان الناشئة، التي تشكل قسماً متزايداً باستمرار من التجارة العالمية«.
وقال كريستوف دو مارجري، الرئيس التنفيذي لـ»توتال«، أكبر شركة فرنسية من حيث الرسملة السوقية، إنه لا يرى سبباً لإتمام مبيعات النفط بالدولار، حتى ولو كان من المرجح بقاء السعر المرجعي بالدولار. وتابع: «يتم إعطاء سعر البرميل بالدولار. تستطيع المصفاة أن تأخذ ذلك السعر وتستخدم سعر صرف اليورو مقابل الدولار في أي يوم معين، وأن تتفق على الدفع باليورو«.
وأعرب رئيس تنفيذي لإحدى الشركات الصناعية المدرجة على مؤشر «كاك 40« عن مساندته لجهود سابين. وقال: «الشركات التي مثل شركتنا في وضع صعب ومحرج، لأننا نبيع كثيراً بالدولار، لكننا لا نريد دائماً التعامل مع جميع القواعد والأنظمة الاميركية«.
وأبرز الغضب حول غرامة « باريبا« في مؤتمر «دائرة الاقتصاديين« الهادئ عادة والذي عقد في مدينة إيكس آن بروفانس، ما أصبح نقطة احتكاك أخرى في العلاقات عبر الأطلسي.
وحاول مسؤولون فرنسيون الضغط بقوة لمصلحة أكبر مصرف فرنسي وجادلوا بأن المصرف لم يخالف أي قواعد أوروبية، وهو ما أثار جدلاً حول ما إذا كان المصرف ضحية للتطاول القضائي الاميركي.
وقال سابين إنه سيثير مسألة الحاجة إلى بديل أثقل للدولار مع زملائه وزراء المالية في منطقة اليورو. وامتنع عن الدخول في التفاصيل حول طبيعة الخطوات العملية التي يمكن اتخاذها.
يشار إلى أن أكثر من نصف القروض والودائع العابرة للحدود تتم بالدولار. وفي آخر استبيان عالمي حول سوق العملات الأجنبية التي تبلغ قيمتها اليومية خمسة تريليونات دولار، كان الدولار يمثل 87 في المئة من جميع التعاملات.
رغم الجهود الأخيرة في سبيل التنويع، تقول مصارف مركزية كثيرة إنها لا تزال لا ترى بديلاً حقيقياً عن أمان وسيولة سوق الخزانة الأميركية، وهي تقتني أكثر من 60 في المائة من احتياطاتها بالدولار.
وقد ألقى أحد كبار المسؤولين الفرنسيين ظلالاً من الشك على قدرة الحكومة على حفز استخدام اليورو بصورة أوسع في التجارة الدولية، وقال: «في النهاية، من الصعب ان نعلم ماذا يستطيعون القيام به فعلاً. السوق هي التي تقرر هذه الأشياء في واقع الأمر«.