لا يبـالـغ أغـلب مزارعـي القـمح حيـن يحمّلون وزارة الاقتصاد كامل المسؤولية عن استـنزافها لأرباحهم من جراء التأخير في إصدار آليات الاستلام والتسعير.
يفترض أن تبصر هذه الآليات النور مع بداية مواسم حصاد حقول «الذهب»، إلا أن ولادتها تأخرت أشهراً على بداية حصاد هذه المواسم، كما جرت العادة منذ سنوات عدة، ولم تنفع صرخات المزارعين في تغيير هذا النمط المدمر لهذه الزراعة الاستراتيجية التي تصنف في خانة الأمن الغذائي.
في هذا الموسم، أضاف مزارعو القمح إلى أجندة مشاكلهم المزمنة التي ترويها آليات الاستلام والتسعير، عقبة الأحوال المناخية وشح الأمطار في أشهر الري المعتادة، ما انعكس سلبا على حقول القمح التي تعاني اليوم من نقص في الانتاجية، إضافة إلى ارتفاع في الكلفة وصلت إلى حدود 100 ألف ليرة لكل دونم من جراء الري الاصطناعي عبر سحب المياه من الآبار الجوفية.
اهراءات روما
لم يعد توصيف «اهراءات روما» كـما كان يطلق الرومان قديما على حقول القمح في البـقاع يتـطابق مع الواقع الحالي لهـذه الحقـول التي يشكو مزارعوها اليوم من عدم وجود اهـراءات لتجمـيع إنتاجهم الذي «يتبـخر» ما بين كلف التجـميع والنقل من الحقول الى المستودعات، وصـولا بعد أشهر الى مراكز الاستلام التي تحددها وزارة الاقتصاد.
من موسم الى آخر ينقل مزارعو القمح في البقاع ما يسمونه «نكبتهم» التي يختصرها المزارع خالد شومان بالاشارة إلى موضوع التأخير في عملية الاستلام، ما يجبر مئات المزارعين على تكبد أكلاف التخزين والنقل مرتين: الأولى من الحقل الى المستودع، والثانية من المستودع إلى مركز الاستلام، ما يؤدي إلى خسارة المزارعين القسم الاكبر من أرباحهم التي تستهلك في تكاليف النقل، وبدلات إيجار المستودعات والتحميل والتنزيل التي تصل إلى حدود 40 ليرة عن كل كيلو قمح.
يتوقع أن يتراوح إنتاج البقاع من القمح لهذه السنة ما بين 35 ألف إلى 40 الف طن، اي بانخفاض مقداره 10 آلاف طن عن السنوات الماضية، على الرغم من استهلاك هذه الزراعة لأكثر من 70 ألف دونم، إلا ان شح الأمطار أدى الى انخفاض كبير في حجم الانتاج لهذه السنة.
كلفة الإنتاج
جرت العادة أن تشكّل وزارة الاقتصاد لجان الاستلام والتسعير، وحتى اليوم لم تبصر هذه الآليات النور، وكان يحدد سعر كيلو القمح بـ590 ليرة، ويحسم منه ضريبة لمصلحة الوزارة فيصبح 580 ليرة، فيما تبلغ كلفة إنتـاج الدونـم حـوالي 300 دولار مـن زراعة وحصـاد وبذار، وتتراوح إنتاجية الدونم الواحد ما بين 500 إلى 600 كيلو، أي يبلغ المردود حوالي 300 ألف ليرة، ويضاف ربح الى المزارعين ما ينتجه دونم القمح من «تبن» يصل الى حدود قنطارين ونصف القنطار، ويبلغ سعر مبيعهم 225 ألف ليرة، فيتبقى للمزارع ربح يصل إلى 75 ألف ليرة في كل كيلو، فيما يحسم منهم كلفة النقل والتجميع التي تصل الى حدود 40 ليرة على كل كيلو، ما يعني أن الربح لا يزيد عن 35 ليرة في كل كيلو قمح.
من هنا يطالب رئيس بلدية تربل وأحد مزارعي الحبوب في البقاع المهندس فادي الخوري وزارة الاقتصاد بالإسراع في تلزيم إنشاء خزانات لتجميع القمح جرى التوافق على بنائها في بلدة تربل التي تبرعت بتقديم أراضٍ لهذا الخصوص. علما ان الدراسات الانشائية أنجزت، ولا تنتظر هذه الخزانات سوى إقرار التلزيم.
يوضح الخوري لـ«السفير» أن خطوة إنشاء هذه الاهراءات أو الخزانات، ستؤدي الى استلام مباشر للقمح من الحقل إلى الخزانات من دون الدخول في متاهة شراء الأكياس والتعبئة والتخزين والتجميع، ما يجعل هذه الزراعة مربحة، وليست زراعة خاسرة. والأهم ان هذا الاستلام السريع يوقف الكثير من الشوائب التي ترافق هذه الزراعة.
الري الاصطناعي
اعتاد مزارعو القمح في السنوات الماضية على ري حقولهم بالمرشات مرة أو مرتين في الموسم في الحد الأقصى، وفق ما يقول كابي فرج من تربل لـ«السفير»، مؤكدا تضاعف اعداد الري الاصطناعي لهذه السنة، حتى ان بعض المزارعين أجبر على ري حقله أكثر من أربع مرات بواسطة المرشات.
ويشير المزارع عمر الميس إلى تكبد المزارعين أكثر من 100 ألف ليرة بدل كلفة إضافية عن الري لهذا الموسم، علما ان هذه الكلفة لم تكن ملحوظة في المواسم الماضية.
على الرغم من زيادة اعداد الري إلا ان حقول القمح تأثرت سلبا بالانتاجية، حسبما يؤكد الميس لـ«السفير»، الذي يطالب بالاسراع في تشكيل لجان الاستلام والتسعير، ودفع مستحقات المزارعين بالسرعة الممكنة بهدف تخفيف الأكلاف المالية، والأهم ضرورة إقرار تعويض مالي على مزارعي القمح الذين عانوا من كارثة شح الأمطار التي تصنف في إطار الكوارث الطبيعية.