قبل أسبوعين أطلق بعض المضاربين على الأسهم إشاعات لا أساس لها من الصحة، ومنها انسحاب شركة «أرابتك» الإماراتية، وهي أهم شركة قيادية في سوقي الإمارات للأسهم بفضل استحواذها على نصف تداولات السوقين، من سوق أبوظبي للأوراق المالية، مع ما يحمل هذا الانسحاب من سلبيات وأخطار مختلفة. هذه الإشاعة التي هدفت إلى خفض سعر أسهم الشركة أدت إلى خسارة الشركة حوالى 60 في المئة من السعر السوقي لسهمها خلال 10 أيام، وساهمت في خسارة أسهم معظم الشركات المدرجة في سوقي الإمارات نسبة مهمة من أسعارها نتيجة تراجع الثقة في السوقين والبيع العشوائي للمضاربين.
ونتيجة سيطرة سيولة المضاربين على تداولات معظم أسواق المنطقة، ومنها سوقا الإمارات، وضعف الاستثمار المؤسسي، فإن الإشاعات هي إحدى الأدوات غير الأخلاقية التي يعتمد عليها بعض كبار المضاربين لتحقيق مكاسب استثنائية في ظل اهتمام صغار المضاربين بهذه الإشاعات ومتابعتها والاعتماد عليها في اتخاذ القرارات الاستثمارية. وكلما أدت الإشاعات دوراً مهماً في حركة الأسواق المالية، ارتفعت أخطار هذه الأسواق وانخفضت كفاءتها، خصوصاً أن الكثير من الأسواق المالية تعاني انخفاض مستوى الإفصاح والشفافية، ما يخلق بيئة خصبة للإشاعات المختلفة التي تهدف إلى التأثير في قناعات المستثمرين في ظل ضعف ثقافة الاستثمار وانخفاض مستوى الوعي الاستثماري.
ومن الأخطار الأخلاقية التي يعانيها الكثير من أسواق المنطقة المتاجرة بالمعلومات الداخلية التي غالباً ما يؤدي تداولها وانتشارها بين المتنفذين، سواء من أعضاء مجالس إدارات الشركات أو المديرين التنفيذيين البارزين وأصدقائهم وأقربائهم، إلى تحقيق مكاسب مالية ضخمة، خصوصاً إذا كانت المعلومات الداخلية المسربة جوهرية ومهمة ولها تأثيرات بارزة في المراكز المالية لهذه الشركات فتؤثر بالتالي في حجم الطلب والعرض على أسهم هذه الشركات وأسعارها السوقية عند نشرها، بينما تفرض البيئة الاستثمارية العادلة التي تساهم في رفع كفاءة الأسواق وانخفاض أخطارها، عدالة الحصول على المعلومات الجوهرية وعدالة توقيت نشرها لكل شرائح المساهمين والمستثمرين المحتملين وعدم احتكارها من أي جهة، فالجميع، ووفق قوانين هيئة الأوراق المالية، يملكون الحق في الاطلاع على المعلومات الاستثمارية والجوهرية، في وقت تبذل فيه الهيئة جهوداً وكبحاً تشريعياً يستهدف عدم استغلال المتنفذين مناصبهم ومواقعهم المهمة في الشركات لتحقيق أرباح بأساليب يحرمها الشرع وتعاقب عليها الأنظمة.
ولا شك في أن استخدام التكنولوجيا الحديثة والتداول الإلكتروني وشبكة الإنترنت ساهمت في التنفيذ الفوري والسريع لطلبات البيع والشراء في أسواق المال ومتابعة التداولات اليومية والأسعار لحظة بلحظة، لكن هذه التكنولوجيا أدت إلى توسيع دائرة المستثمرين والمضاربين في الأسواق المالية وانخراط مئات الآلاف منهم بمختلف ثقافاتهم الاستثمارية ووعيهم الاستثماري في توظيف مدخراتهم بغض النظر عن ضعف خبرتهم وعدم معرفتهم بأسرار المضاربات وفنونها. وعلى رغم أهمية هذه التكنولوجيا وإيجابياتها المختلفة، إلا أنها سهلت الكثير من الممارسات غير الأخلاقية لبعض كبار المضاربين ومن هذه الممارسات الطلبات الوهمية أو عروض البيع الوهمية لرفع أسعار أسهم بعض الشركات من أجل البيع والتصريف أو خفض أسعار أسهم شركات أخرى بهدف الشراء والتجميع من أجل تحقيق مكاسب سريعة من خلال تعطيل آلية العرض والطلب، إضافة إلى لجوء بعض المضاربين إلى تجميع أسهم بعض الشركات بأسعار رخيصة وبيعها بعد ارتفاع أسعارها من خلال تضليل صغار المضاربين والمستثمرين.
هذه الممارسات غير الأخلاقية أدت إلى خلق أسواق مالية غير متوازنة وغير عادلة في مكوناتها الأساسية، ولا شك في أن السلوكيات البشرية الخاطئة وغير الأخلاقية التي يمارسها في أسواق الأسهم أصحاب النفوذ والأموال ويكون ضحاياها صغار المضاربين، ما زالت تأخذ حيزاً من جهد الجهات الرقابية ووقتها بسبب صعوبة الضبط من خلال وسائل مادية مهما كانت فاعلة. وبالتالي لا بد من تفعيل الأخلاق والالتزام بأخلاق المهنة. فأزمة الأخلاقيات وغياب مساءلة الذات ومراقبتها مراقبة ذاتية من أكثر ما تعانيه النظم الاجتماعية.
وبغض النظر عن الممارسات غير الأخلاقية التي يرتكبها وسطاء، خصوصاً عند تحالفهم مع بعض كبار المضاربين، كرفع أسعار أسهم بعض الشركات، أو خفض أسعار البعض الآخر لتحقيق مكاسب سريعة من دون وجود مبررات اقتصادية أو مالية لهذا الارتفاع أو الانخفاض، إضافة إلى التجاوزات التي يقوم بها بعض مديري الشركات المساهمة العامة من خلال التلاعب بالمعلومات المالية بهدف زيادة قيمة أرباحها وبالتالي رفع أسعارها السوقية. ولا شك في أن حلول رمضان المبارك يردع كثيرين عن الممارسات غير الأخلاقية التي تتنافى مع أصول الدين والشريعة الإسلامية وأحكامهما.