عدنان حمدان
فيما انتهت فترة الـ15 يوما لتقديم الطعن في قانون الايجارات الجديد، منتصف ليل الجمعة ـ السبت، ما زال القانون يثير السجال بين الأطراف الثلاثة المعنية به:
– المستأجرون بالدرجة الأولى، نظراً للتداعيات السلبية الاجتماعية والمعيشية والاقتصادية التي سيتسبب بها القانون، لحوالي 180 ألف عائلة، أقلها التشريد والتهجير في مرحلة صعبة يمر بها لبنان.
ـ «تجمع المالكين القدامى» الذين وقعوا في شرك كبار المالكين، وبعض الشركات الاستثمارية العقارية، للضغط على النواب بعدم توقيع مراجعة الطعن أمام المجلس الدستوري.
– أما الجهة الثالثة، فهي مجموعة من القانونيين لم تترك سانحة إلا وتكشف مخاطر اعادة نشره في الجريدة الرسمية، لأن القانون «نُشر في تاريخ لم يكن فيه القانون الذي أقرّه مجلس النواب قد أصبح نافذاً حكماً، بموجب الفقرة الأخيرة من المادة 57 من الدستور، وبما أنه يترتب على ذلك عدم توافر عناصر المادة المذكورة، وبالتالي عدم نفاذ القانون، وبما أن هذا الواقع يحول دون النظر في دستورية قانون لم تكتمل عناصر تكوينه في تاريخ نشره، وهو بالتالي قانون غير نافذ».
رأي قانوني
في السياق ذاته هناك رأي قانوني آخر للمحامي الدكتور محمد المغربي يقول لـ«السفير» إن «رئيس الجمهورية بحسب المادة 56 من الدستور هو وحده الذي يمكنه أن يطلب النشر»، سائلاً: ماذا يحصل إذا لم يطلبه كما حصل في حالة قانون الايجارات الجديد؟ فمن هو الذي طلب نشره؟»، مؤكدا أن «الدستور لم ينصّ على مرجع آخر لطلب النشر إذا لم يطلبه رئيس الجمهورية».
وبعدما ثبت أن القانون حشره أحدهم، بضغوطات كبيرة، في ملحق للجريدة الرسمية، يوضح المحامي سليم عيد لـ«السفير» أنه «كان ينبغي حالياً، وقبل إعادة نشر قانون الإيجارات، مناقشة هذا القانون في مجلس الوزراء المنتقلة إليه صلاحيات رئيس الجمهورية بفعل شغور سدة الرئاسة الأولى، تمهيداً لإصداره ضمن مهلة الشهر الدستورية الجديدة أو لطلب إعادة النظر فيه»، مضيفاً «كما كان ينبغي، في حال عدم رغبة مجلس الوزراء في الاصدار أو الإعادة، انتظار توافر شروط المادة 57 من الدستور مجدداً بغية اعتبار القانون المذكور نافذاً حكماً وواجب النشر، وهذا لم يحصل».
ويؤكد عيد أن هذا الأمر «يشكل من جديد مخالفة للأصول الدستورية المبسوطة أعلاه، وسبباً أولياً للطعن تكراراً أمام المجلس الدستوري لجهة شكل هذا القانون، إلى جانب سائر الأسباب». ويستدرك قائلا: «بل إن إعادة النشر بالطريقة التي تمت فيها، تتنافى أيضا مع ما قضى به قرار المجلس الدستوري رقم 5 تاريخ 13/6/2014، المبرم والمتمتع بقوة القضية المحكمة، والملزم لجميع السلطات العامة وللمراجع القضائية والإدارية وفقاً لمنطوق المادة 13 من قانون انشاء المجلس الدستوري والمادة 52 من قانون نظامه الداخلي».
تحذير التجمع
أما «تجمع مالكي الأبنية المؤجرة»، فقد حذر في رسالة إلى النواب من أن «احتمال حصول الطعن في القانون الجديد من عشرة نواب يعني التخلي عن المالك القديم والموافقة على تأميم أملاكه، والإمعان في إذلاله وقهره وتجويعه، ودفعه إلى فقدان الثقة بالدولة والهجرة إلى الخارج».
ويرى التجمع «أن الطعن يعني المشاركة في مؤامرة بيع مباني المالكين القدامى إلى مستثمرين عرب وأجانب ينشطون لتقديم الإغراءات المادية إلى المالك، مستفيدين من واقع الإيجارات القديمة، لدفعه إلى بيع الملك بأرخص الأسعار».
المفاعيل التهجيرية
لا شك أن هناك عيوبا تعتري القانون، تضاف إلى تلك التي يراها القانونيون، تتمثل في المفاعيل التهجيرية للقانون، والأثر على النسيج الاجتماعي. من هنا يصبح التسرع في إقرار القانون من دون مناقشة، وبمادة وحيدة، من باب «الاستلشاق» بالمواطنين المستأجرين من كل الأطياف والطوائف، وتغيير الوضع الديمغرافي الطائفي للمناطق بقوة القانون، الذي يجبر المستأجرين إلى العودة من حيث أتوا، حيث يتجه الشيعة إلى الجنوب والبقاعين الغربي والشمالي وبعلبك، والسنة إلى الشمال والعرقوب وإقليم الخروب وعرمون والبقاع الأوسط، والدروز إلى الجبل وراشيا. أما المسيحيون، فإلى أين سيلجأون، كذلك الأرمن؟ وذلك في ظل الانقسام الطائفي والمذهبي الراهن.
في ظل هذا الوضع يتساءل أمين سر لجان المستأجرين زكي طه عبر «السفير»: هل حلت مشكلات وأزمات البلد، ولم يبق إلا قضية الايجارات؟ وهل القوانين الاستثنائية السابقة استندت إلى الأوضاع الاستثنائية، وزالت مفاعيل اللجوء إليها وتمديدها مرات عدة، وأصبح وضع البلد بألف خير، ولم يعد يحتاج إلا قانون ايجارات يخدم الشركات العقارية وكبار المستثمرين العقاريين على حساب صغار المالكين؟ هل يعلم المسؤولون أن المستأجرين القدامى هم من كبار السن، ومن المتقاعدين الذين لا يكفي راتبهم التقاعدي لبدل ايجار مسكن؟
يطرح طه أزمة أحياء الفقر في بيروت وضواحيها، والأحياء القديمة فيها مثل خندق الغميق، البدوي وحي السلم وغيرها، على اعتبار أن «سكان هذه الأحياء هم من الطبقة الفقيرة، إذا فرضنا أن ساكني هذه الأحياء تركوا مساكنهم إلى قراهم، لعدم قدرتهم على دفع بدلات الايجار التي يفرضها القانون الجديد، فما هي الخطط الانمائية التي نفذتها الحكومات، وهيأت فرص عمل لمحتاجيها، لتقيهم شر العوز في قراهم، وما هي ميادين العمل المتاحة أمامهم؟ وعلى سبيل الافتراض ان نسبة، وهي ضئيلة جدا، تملك مساكن في القرى والأطراف، ومقر عملها في المدينة، فما هي السبل التي أتيحت لهؤلاء، كخطة النقل، مع العلم ان الدول تبني المساكن للعاملين في أي مهنة في منطقة العمل، أو تفسح لهم في المجال لاستئجار مساكن تتناسب مع رواتبهم؟».
جزيرة معزولة
من ناحية أخرى، يرى طه أن «القوانين الاستثنائية كانت استجابة للوضع الاستثنائي، فإن ما يشهده البلد من أزمات على جميع الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية وأخطار خارجية هو أكثر استثنائية، إلا إذا كانت السلطات تدير ظهرها لكل هذه الأزمات، فتحول بيروت وضواحيها إلى جزيرة معزولة لأرباح الاستثمار العقاري بحيث لا يستطيع أصحاب الأملاك الحفاظ على ملكيتهم أمام جشع المستثمرين».
وحول ما يروج له المالكون حول الطعن الجديد بالقانون، يؤكد طه أن «ما يروج له حول التأميم هو عملة باطلة»، مضيفاً «المستأجرون، وبوضوح، يريدون رفع الغبن عن المالك، لكنهم يرفضون إلحاق الغبن بهم، فالقانون العادل، يضاعف بدل الايجار، مثلا، وان يصار إلى تملك البيوت المؤجرة، (علما ان قيمة الأبنية القديمة ارتفعت بشكل كبير خلال السنوات الخمس الماضية)، وبتعويض الخلو»، مؤكدا أن «المستأجرين مستعدون للحوار ليس على قاعدة هذا القانون التهجيري بل على قاعدة حق السكن وحماية الملكية».