IMLebanon

هدوء الأسواق ليس بالضرورة مقدمة لعاصفة هوجاء

FinancialTimes
تيم هارتفورد
لأعوام عديدة كانت هذه الصحيفة تقوم بتقديم الأسواق المالية على أنها شديدة التقلب. بعد ذلك، بالتالي كان من المنعش أن تجد فصل الصيف يبدأ بسلسلة من المواضيع حول مدى الانخفاض الذي أصبحت عليه التقلبات في أوائل حزيران (يونيو). لكن الأسلوب العام في الصحافة المالية كان بعيداً عن كونه مريحاً. “إنها هادئة (…) هادئة جداً”، هكذا تقول اللازمة، تتبعها الملاحظة المقصودة بأن آخر مرة كانت فيها التقلبّات بطيئة جداً، كان ذلك تماماً قبل أن تبدأ الأزمة المالية.
هناك بديل منطقي للفكرة بأن هذا لا بد أن يكون الهدوء الذي يسبق العاصفة: عدم وجود أخبار أمر جيد. إذن، أي الرأيين هو الصحيح؟ هل ينبغي لنا معاملة التقلبات المنخفضة باعتبارها نذيراً غريباً لكارثة في طور النشوء، أم إشارة إلى أن اقتصاد العالم أخيراً هو على المسار الصحيح؟
الجواب عن هذا السؤال يعتمد على ما إذا كنا ننظر إلى الإنتاج والاستثمار في الأسواق المالية، أو إلى الاقتصاد الفعلي للسلع والخدمات.
من وجهة نظر مالية، التقلبات المنخفضة ينبغي أن تجعلنا نصاب بالتوتر. هذا هو الدرس المستفاد من الراحل هايمان مينسكي. كان قد تم تجاهُل مينسكي فيما مضى لكن، منذ الأزمة المالية، جميعنا الآن نؤمن بنظريات مينسكي. دليلك الوهمي بالنسبة لمينسكي هو أنه إذا كانت الأمور تسير على ما يرام، يشعر الناس بالرضى عن النفس ويتخذون الكثير من المخاطر – خاصة مخاطر الرفع المالي الكلاسيكي للاقتراض من أجل الاستثمار. الهدوء يولّد الرضا عن النفس. والاستقرار يقوم بزعزعة الاستقرار.
إذا كان كل هذا يبدو هستيرياً الآن، ربما هو كذلك – لكن هناك الكثير من الأسباب للشعور بالقلق. لقد كان نمو الاقتصاد الأمريكي في الربع الأول مخيباً للآمال، وسوق العقارات في الصين تعاني مشاكل، والعوامل الجيوسياسية من العراق إلى شبه جزيرة القرم تبدو صادمة، والتقلبات المالية المنخفضة بشكل هادئ في مطلع حزيران (يونيو) تبدو سيريالية.
لكن ماذا يحدث لباقي الاقتصاد عندما يكون كل شيء هادئاً؟ نيك بلوم، الاقتصادي البريطاني الذي يعمل في جامعة ستانفورد، كتب ورقة بحث حديثة مفيدة عن “التقلبات في عدم اليقين” يحاول من خلالها فصل العلاقة بين الاضطراب الاقتصادي والمتاعب الاقتصادية.

في عام 1921، قام الاقتصادي فرانك نايت بشكل مؤثر بتعريف المخاطر بأنها النتيجة غير المعروفة لتوزيع معروف للاحتمالات، مثل قذف قطعة نقود أو دوران عجلة الروليت. وفي المقابل، عدم اليقين كان موجوداً حيث الاحتمالات لم تكُن معروفة على الإطلاق. وتعتبر المخاطر مفهوماً مريحاً وقابلاً للحل، لكن عدم اليقين مؤشر أكثر واقعية للتعامل مع معظم المشاكل الاقتصادية.

وينتقل بلوم إلى مجموعة متنوعة من المؤشرات الوسيطة لكل من المخاطر وعدم اليقين: مؤشر فيكس الذي هو مؤشر قائم على السوق المستمدة من رهانات المتداولين على التقلبات على مدى الأيام الـ 30 التالية، أو الخلافات بين المتنبئين الاقتصاديين، أو تعبيرات المتنبئين أنفسهم عن عدم اليقين، أو ذكر الصحيفة لكلمة “غير مؤكد”، أو “عدم اليقين” و”اقتصاد”، أو “عِلم الاقتصاد”. في جميع الحالات هذه المقاييس تكون أعلى خلال فترات الركود، على الرغم من أن الارتفاع المقيس في عدم اليقين يحدث عادةً عندما يكون الركود نفسه قد قطع شوطاً لا بأس به، بالتالي هذه لا تساعد كثيراً كأداة تنبؤ.

ماذا عن مقاييس عدم اليقين الأكثر تفصيلاً؟ ينظر بلوم إلى الفرق في أسعار الفائدة على سندات الشركات الأسرع نمواً والأسرع انكماشاً في كل صناعة، والتشتت بين مصانع التصنيع سريعة التوسّع وسريعة التقلّص في الولايات المتحدة.

وبغض النظر عن المؤشر، فالقصة مماثلة: تقلبات منخفضة، عدم يقين منخفض وتشتت منخفض هو ما يحدث في الأوقات الاقتصادية الجيدة. فترات الركود هي أوقات ذات تقلبات عالية، وعدم يقين مرتفع، وتشتت مرتفع. وقد تولّد المستويات المنخفضة من عدم اليقين الرضا عن النفس، لكنها أيضاً تشكل عنصرا الاقتصاد في حاجة إليه. ويتوقّع بلوم أن عدم اليقين، في حلقة مفرغة، هو سبب ونتيجة فترات الركود على حد سواء.
هناك بعض الأسباب النظرية الجيدة لكون النمو موجوداً مع المستويات المنخفضة من عدم اليقين. لنتأمل شركة تتخذ قراراً غير قابل للعكس، مثل تعيين موظف جديد دائم أو شراء مصنع جديد. إذا كانت الشركة واثقة من النمو المتواضع، ينبغي لها المخاطرة بالاستثمار والتوسّع. لكن إذا كان توقّع النمو المتواضع غير مؤكد تماماً، وقد يكون النمو ساراً أو كارثياً، عندها لماذا لا تنتظر وتراقب؟ إذا تبيّن أن الظروف مناسبة، يمكن دائماً أن يتم بناء المصنع في وقت لاحق، ودائماً يمكن تعيين الموظف في الغد.
هذا يجعل الاستثمار يبدو كأنه عمل عاطفي، لكن المنطق المذكور أعلاه سليم. قد يوصي الكمبيوتر بنهج “الانتظار والمراقبة” كوسيلة لتعظيم الأرباح. بالطبع، عندما يكون الجميع ينتظر، فإن كل ما سيرونه هو مزيد من فترات الركود الاقتصادي. المشاعر مهمة بطبيعة الحال. أندرو إيجرز وألكسندر فويرنايس، وهما من المختصين في العلوم السياسية في كلية لندن للاقتصاد، نشرا في الفترة الأخيرة ورقة عمل بعنوان “أحمر عند الصفر وأزرق عند الصفر”، تناولا فيها ما حدث حين كانت أرقام النمو إما فوق الصفر أو تحت الصفر بصورة يسيرة. ليس للفرق آثار اقتصادية مباشرة بحد ذاته، لكنه يثير مواضيع مختلفة في الإعلام. وقد وجد الباحثان أن الشركات لا تشعر بالقلق حول هذا التمييز، لكن المستهلكلين يفعلون. كل هذا يشير إلى أن التقلب المنخفض هو في الواقع خبر سار. ربما يكون عامل إغراء خطر للأسواق المالية. لكنه هو ما يحتاج إليه المستهلكون والمنتجون من أجل إعادة الأمور إلى نصابها. أرجو أنه لم يعد من الضروري أن أشير إلى أن ما يبعث على القلق بالنسبة لمراقبي الأسواق لن يكون بالضرورة خبراً سيئاً بالنسبة للبقية من الناس من أمثالنا.