حافظ التضخم العالمي على مستويات متدنية جداً بشكل غير اعتيادي خلال السنوات الخمسة الماضية بسبب عاملين، أولهما ضعف الإقتصاد العالمي، وثانيهما عدم حدوث أية كارثة طبيعية تؤثر على أسعار السلع الغذائية. فمنذ الأزمة المالية في عام 2008، ضاعفت البنوك المركزية في الإقتصاديات الأربعة الكبرى (الولايات المتحدة، والصين، وأوروبا، واليابان) كميات النقد المتوفر في الإقتصاد بثلاث أضعاف. وبحسب النظرية الإقتصادية، عندما يتم ضخ كميات جديدة من الأموال، ينتج عنه ارتفاع في الأسعار حول العالم. ولكن على عكس هذا، لا زال التضخم يحافظ على مستوى متدني. وأظهرتبيانات الصين في آخر شهر يونيو عن تباطؤ إقتصادي، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 2.3% على أساس سنوي في شهر يونيو، مقارنة بارتفاع بلغ 2.5% على أساس سنوي سجلته في شهر مايو. وتعتبر الهيئات الصينية النسبة المناسبة للتضخم هي 3.5%، ومع ذلك، كان هنالك ارتفاع طفيف بنسبة 2.5% في الأسعار خلال فترة عام. ومن ناحيتها، شهدت الهند، التي كان معدل التضخم فيها قوياً بنسبة 10% في عام 2011، نسبة تضخم بلغت 5.5% فقط لهذا اليوم من عام 2014. وتعيش أوروبا التوجه ذاته أيضاً إذ ارتفعت الأسعار بنسبة 0.5% في شهر يونيو في 18 بلداً من الاتحاد الأوروبي، وهي النسبة ذاتها التي ارتفعت بها الأسعار في الشهر الذي سبق، وأدنى نسبة لها في أربع سنوات. ويهدف البنك المركزي الأوروبي إلى الحفاظ على مستوى التضخم دون معدل 2% لمدة معينة، ولكن في العام المنتهي في يونيوومع متوسط التضخم الذي بلغ 0.9% في هذه الفترة، يشهد البنك المركزي الأوروبي مخاطر إنكماش. ودول مجلس التعاون الخليجي تمر بهذه الحالة أيضاً، حيث أظهرت مؤشرات شهر مايو الماضي أن نمو الأسعار خلال فترة عام كان ضعيفاً ويترواح ما بين 2% و 3% (2.1% للإمارات، و2.7% للسعودية، و2.9% للكويت). والعامل الأول الذي يدفع هذا الضعف في التضخم هو ضخف الإقتصاد العالمي. على الرغم من التحاليل والتوقعات التي تشير إلى عودة النمو الإقتصادي خلال السنوات القليلة الماضية، لم ينتعش الإقتصاد العالمي وهو من غير المتوقع أن يحدث قريباً لأن علامات التراجع لا زالت كثيرة، مثل معدلات البطالة العالية التي عدّت نسبة 11% في أوروبا، ومعدل مشاركة القوى العاملة الذي يبقى الأكثر تدنياً في تاريخ الولايات المتحدة، وأيضاً سياسة تضييق الائتمان في الصين التي دفعت العديد من المصانع إلى التشغيل تحت مستوى إمكانياتها. وهذا التوجه يَظهر بشكل واضح في معدلالتضخم الأساسي الذي يقيس مباشرة النشاط المحلي في بلد معيّن، إذ ارتفع معدل التضخم الأساسي في أوروبا بنسبة 0.8% فقط، وبنسبة 1.9% فقط في الولايات المتحدة. أما الصين، التي من المفترض أن تشهد معدل قوي للتضخم الأساسي بما أنها من الإقتصاديات الناشئة، بلغ معدلها للتضخم الأساسي 1.7% فقط. لا تزال الفجوة في الإنتاج كبيرة في هذه الإقتصاديات، كما هنالك موارد كثيرة لا يتم استخدامها (كالعمالة والمصانع والمكائن والرأسمال). أما العامل الثاني الذي يدفع تدني مستوى التضخم، فهي الإحتمالية النادرة التي حصلت في ظل ضعف الإقتصاد العالمي، حيث عادةً ما تخلق أسعار السلع الغذائية والطاقة لولبية تضخمية. كما تكون أيضاً الكوارث الطبيعية كالجفاف والفيضانات في الدول المنتجة للغذاء دافعاً لزيادة التضخم حول العالم وبالأخص في الأسواق الناشئة حيث تشكّل السلع الغذائية الحصة الأكبر في سلّة التضخم. ولكن، الإنتاج الجيد والأجواء الخالية من الكوارث الطبيعية قد ساهمت في إنتاج السلع الغذائية بشكل وفير في الأسواق العالمية، ما أبقى الأسعار متدنية. وخلال الأشهر الاثنى عشر الماضية، ارتفع سعر الأرز بنسبة 5.3%، وانخفض سعر فول الصويا بنسبة 16.5%، وانخفض أيضاً سعر القمح بنسبة 11%، وسعر الذرة انخفض بنسبة 43%. هذه هي أهم المحاصيل الغذائية وهي أيضاً العامل الأساسي في بقاء الأسعار بمستواها المنخفض، وبالأخص في دول مجلس التعاون التي تعتمد كثيراً على استيراد السلع الغذائية. وقد تريد البنوك المركزية أن يعود التضخم، ولكن ليس لكل عنصر في سلّة التضخم، فقط للتضخم “الإيجابي” الذي ينتج عنه مستوى صحي من النشاط الإقتصادي. للأسف، تشير المؤشرات الإقتصادية الشاملة إلى أن احتماليات أن يزيد التضخم “الإيجابي” غير واردة على المدى القصير، وهو ما يدعي إلى النظر إلى التضخم “السلبي” في أمل أن يبقى متدنياً. –