كريستيان أوليفر
رئيس وزراء بولندا، دونالد تاسك، لديه معركة بين يديه. في شهر نيسان (أبريل) اقترح إنشاء اتحاد أوروبي للطاقة لمعالجة واحدة من نقاط الضعف الاستراتيجية الأكثر وضوحاً في قارة تقوم باستيراد أكثر من نصف حاجتها من الطاقة، لكنه سيحتاج إلى كافة قواته الاحتياطية لتحقيق الهدف.
كان توقيته الأولّي مثالياً لأسباب سياسية واقتصادية على حد سواء: الأزمة في أوكرانيا وطفرة النفط الصخري في الولايات المتحدة تجبران بلدان الاتحاد الأوروبي على تقييم أوجه القصور في شبكات الطاقة المجزأة الخاصة بها كما لم يحدث من قبل.
إذا كانت هذه الأنظمة متكاملة بالكامل، تقدّر الشركة الاستشارية، استراتيجي& (سابقاً بوز آند كومبني)، أن بإمكان أوروبا بحلول عام 2030، توفير ما يصل إلى 40 مليار يورو سنويا.
لقد أطلق تاسك جولة دبلوماسية لإقناع الاتحاد الأوروبي بالفكرة، لكنه تلقّى رداً حذراً. وهو يتذمر من أن بعض الزعماء الوطنيين يوافقون على المبدأ لكنهم يردون “بقلق وخوف” عند مناقشة التفاصيل.
ويقوم تاسك الآن بحثّ نظرائه لإظهار التفاني لسياسة طاقة مشتركة بنفس الطريقة التي قاموا بها (في نهاية المطاف) لإنقاذ اليورو. ويشتكي قائلاً: “إن الاتحاد المصرفي يبدو أيضاً شبه مستحيل لكن الأزمة المالية جرجرت أذيالها تحديداً بسبب انعدام الإيمان هذا. كلما طال تأجيلنا للموضوع، أصبحت التكاليف أعلى”.
لقد قام تاسك بإعادة فتح المجال أمام نزاع طال أمده. وبرنامج عمله يدخل بقوة في واحد من أحلام أوروبا الأصعب تحقيقاً: سوق طاقة داخلية موحدة للغاز والكهرباء.
هناك بعض العناصر الجديدة في برنامجه، لا سيما الاقتراح الخاص بأن دول ومؤسسات الاتحاد الأوروبي ينبغي لها إظهار قوتها من خلال العمل معاً للتفاوض بشأن صفقات توريد الغاز مع جازبروم، شركة الإنتاج التي تُسيطر عليها الحكومة الروسية.
وتبيّن أن هذا الأمر مثير للجدل، خاصة عندما يتعلق بشركة جازبروم. ويقول ألكسندر ميدفيديف، نائب رئيس مجلس إدارة جازبروم: “إن تاسك رجل سياسي قام بالكثير من أجل تطوير علاقاتنا. لكن فجأة ولسبب ما، كما يقولون، ضل سبيله. بإمكاني قول الكثير عن السبب في كون هذه فكرة غبية”.
لكن برلين والمفوضية الأوروبية تشعران بالقلق أيضاً لأسباب مختلفة، ذلك أن الاقتراح يمكن أن يتحدى قانون المنافسة الدولية. جونتر أوتينجر، مفوض الطاقة في الاتحاد الأوروبي، حذر من أن المفاوضات المشتركة مع شركة جازبروم قد تكون بمثابة تغيير “جوهري” في الممارسة. وقال: “مراجعتها مع قوانين منظمة التجارة العالمية، وقواعد سوقنا الداخلية، هي الآن من أولوياتي”.
إن رؤية تاسك لسوق متصلة بشكل أفضل ستعمل على الحد من الحاجة إلى الواردات الروسية لكن تقدّم الاتحاد الأوروبي في هذا المجال كان بطيئاً للغاية، لأن العديد من البلدان متورطة في نزاعات بشأن الطاقة مع جيرانها.
تلك الرؤية مغرية لأن دول الاتحاد الأوروبي في كثير من الأحيان عبارة عن “جُزر طاقة” غير فعالة. بالتالي بإمكان سوق داخلية ربطها معاً في بنية تحتية مثل خطوط الربط عبر الحدود للغاز والكهرباء. من الناحية النظرية، هذا من شأنه تشجيع المزيد من المنافسة والتقارب في الأسعار.
وأولوية تاسك هي أن الدول الأوروبية الشرقية ينبغي أن تتوقف عن التفاوض سراً بشأن صفقات ثنائية مع شركة جازبروم. بدلاً من ذلك، سيتم تحديد الأسعار القائمة على السوق في المحاور التجارية في كافة أنحاء القارة. وقد تستخدم العقود هذه الأسعار باعتبارها مرجعاً يتصف بالشفافية. كما أن سوقاً أكثر تنافسية تعني أيضاً استيراد مصادر غاز جديدة من أذربيجان وشرق البحر الأبيض المتوسط، فضلاً عن بناء محطات للغاز الطبيعي المُسال.
في سوق الكهرباء، بإمكان تلك الخطوط أيضاً مكافحة عدم الكفاءة الاقتصادية في أوروبا، ولا سيما عن طريق تسخير الطاقة المتجددة. فشبكة إسبانيا بالكاد متصلة مع فرنسا، ولذلك مزارع توربينات الرياح فيها لا يمكنها تصدير إنتاجها عندما يتجاوز الطلب المحلي. وبالمثل، الطاقة الشمسية وطاقة الرياح من جنوب إيطاليا مهدورة لأنها غير متربطة بشكل فعال مع منطقة الشمال الصناعية.
لربط شبكات الطاقة المفككة في القارة وفتح الاختناقات، قامت المفوضية الأوروبية بتحديد 248 مشروعاً محورياً للبنية التحتية.
عقبات محلية
وتعتبر إسبانيا مثالاً رئيسياً في صعوبة بناء سوق موحدة. وفكرة خطوط ربط جديدة مع فرنسا قد تبين أنها مثيرة للجدل منذ آخر عملية ربط تم بناؤها في بداية الثمانينيات. كذلك خطط بناء أبراج أسلاك في كافة أنحاء جبال البيرينيه أغضبت المحتجين الذين قالوا إنها ستكون ذات منظر قبيح. وكانت صناعة الطاقة النووية في فرنسا أيضاً متحفظة بشأن الطاقة المتجددة الرخيصة التي تتدفق داخل الشبكة الفرنسية ضمن جدول زمني غير مؤكد.
وبعد أعوام من المعارك السياسية والاحتجاجات العامة، سيتم فتح خطوط الربط في جبال البيرينيه العام المقبل، لكن مع تسوية بقيمة 700 مليون يورو: اثنتان من آلات الحفر بحجم 780 طناً كان عليها حفر نفق عبر الجبال لإخفاء الكيبلات. ولا تزال إسبانيا تحتاج إلى المزيد من خطوط الربط وهي الآن تدرس خطوط ربط تحت سطح البحر طولها 895 كيلومتراً مع بريطانيا يمكن أن تكلف ما يصل إلى 2.5 مليار يورو.
وكان من المفترض أن يتم تعزيز مشاريع سوق الطاقة الموحدة هذا العام من صناديق تمويل الاتحاد الأوروبي. لكن حتى المفوضية كانت تشعر بالحرج بسبب المبالغ المتواضعة المتوافرة، وقد أشارت الشهر الماضي إلى أن المبلغ المتوافر، البالغ 5.8 مليار يورو للأعوام 2014 – 2020 بالكاد يُمثل 3 في المائة من المبلغ اللازم.
التقارب الكامل للطاقة يحتاج إلى ما هو أكثر من خطوط الربط. أسعار الكهرباء المتباينة على نطاق واسع غالباً ما تُحددها معدلات الضريبة الوطنية. والشبكات التي تستطيع تلبية الطلب أبعد من ذلك في “شبكة كبيرة” على مستوى القارة سوف تحتاج إلى بنية تحتية تعتمد على المزيد من التيار المباشر (بدلاً من التيار المتردد). ومع أن بناء خطوط ربط بمسافة 64.5 كيلومتر في إسبانيا وفرنسا استغرق أكثر من ثلاثة عقود، لا يزال يلزم بناء أو تحديث نحو 52 ألف كيلومتر من الخطوط في كافة أنحاء القارة.
البنية التحتية للغاز تعتبر مسببة للخلاف السياسي أكثر بكثير. بلغاريا تخضع للضغط من روسيا لاستضافة جزء من خط أنابيب ساوث ستريم، في حين أن مسؤولين في الاتحاد الأوروبي يعترضون على أنها تخالف قوانين التنافسية. بالمثل، قامت برلين بإغضاب وارسو بسبب خط أنابيب نورد ستريم الذي يقوم بإرسال الغاز الروسي إلى ألمانيا، عبر بولندا.
ويجادل تيم بويرسما، خبير الطاقة في معهد بروكينجز في الولايات المتحدة، بأن التخلص من اعتماد الاتحاد الأوروبي على روسيا لن يكون سريعاً. وكتب أخيرا: “الأزمة المستمرة في أوكرانيا أكدت أمرين: تواصل أوروبا انقسامها بسبب قضايا أمن الطاقة، وأهمية المسائل المتعلقة بالطاقة تعتبر متواضعة مقارنة بالمخاوف إزاء التباعد بين أحزاب اليمين واليسار في السياسة الأوروبية”.
وبالنسبة لتاسك، ذلك هو سبب ضرورة قيام الاتحاد الأوروبي الآن بالعمل معاً. ويقول: “الأزمة الأوكرانية واتحاد الطاقة اختباران لسبب وجود الاتحاد الأوروبي. إنها معركة لتحديد ما هو الأهم: العلاقات الثنائية مع روسيا أم العلاقات الداخلية داخل الاتحاد الأوروبي”.
الدعم السياسي
الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، لا يوجد لديه أي وازع يمنع اختطاف خطة تاسك الخاصة باتحاد أوروبي للطاقة. فبعد أيام فقط من إطلاق تاسك للفكرة قال هولاند: “سأعتبر اليوم أن هذا الاقتراح فرنسي بولندي”.
لكن لم يكن كل طرف من الأطراف متحمساً جداً. فقد وافقت أنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية، من حيث المبدأ لكنها تريد أن تتعمق أكثر في التفاصيل. كذلك هناك شك من المجموعات البيئية لأن الخطة تؤكد تطوير الوقود الأحفوري المحلي. وبالنسبة لبولندا هذا يعني الفحم والغاز الصخري.
والعنصر الأكثر إثارة للجدل هو أنه ينبغي على الاتحاد الأوروبي تشكيل هيئة مشتركة لشراء الغاز تتفاوض مع جازبروم. وتقول بولندا إن الهيئة قد تشبه يوراتوم، التي تتولى شراء اليورانيوم في أوروبا، لكن الاتحاد الأوروبي قلل من أهمية أوجه التشابه المحتملة.
وتجادل بولندا بأن جازبروم تملك بيانات سرية عن كل بلاد تتعامل معها، تتيح لها معرفة أسعار الغاز فيها ونقاط الضعف في البنية التحتية. وبإمكانها بعد ذلك استخدام هذه البيانات لمصلحتها، من خلال دفع بعض البلدان نحو عقود أكثر إرهاقاً من غيرها.
وترغب وارسو في هيئة تفاوض تتبع للاتحاد الأوروبي تكون لها إمكانية وصول إلى بيانات تجارية مشتركة حتى تتمكن من المساومة للحصول على أسعار موحدة أكثر. كما ينبغي على الهيئة أيضاً أن تكون قادرة على مراجعة قانونية الصفقات، وذلك بشطب أية بنود مسيئة.
ويقول مسؤولون في الاتحاد الأوروبي إن عليهم تقييم ما إذا كان وجود مثل هذه الهيئة المركزية يتعارض مع قوانين المنافسة. لكن تاسك يرد بغضب قائلاً إنهم أظهروا مخاوف أقل بشأن الوصول إلى معلومات مؤسسية خلال الأزمة المالية عند إنشاء اتحاد مصرفي.
ويتساءل: “هل أسرار الغاز تستحق حماية أكبر من الأسرار المصرفية؟”.
محاور الغاز
بلدان أوروبا الشرقية تنظر إلى محاور توزيع الغاز على أنها وسيلة خلاصها. وبدلاً من أن تقوم جازبروم بتحديد أسعار الغاز ضمن صيغة غامضة ترتبط بتكلفة النفط، سيتم تحديد الأسعار بشفافية في المحاور التجارية. لكن ذلك لن يحدث بسهولة، لأن مفتاح المحاور الناجحة هو السيولة العالية، ويفضل مع العديد من المصادر المختلفة للغاز.
وحتى الآن، الأسواق الأوروبية الشرقية غير متطورة والحصول على العمق اللازم قد يستغرق ما يصل إلى عشرة أعوام، وذلك وفقاً لباتريك هيذر، المستشار وزميل الأبحاث بارز في معهد أكسفورد لدراسات الطاقة. ويضيف: “لا توجد سيولة في الشرق”.
وفي أسواق جنوب ووسط أوروبا الخالية من السيولة على وجه الخصوص، المحاور التجارية لن تساعد على الفور، لأن شركة جازبروم ستكون المورد المهيمن ولا يزال بإمكانها الاحتفاظ بالسيطرة على الأسعار.
إن ميزة المحور ستصبح أكثر وضوحاً عندما يتم دمج إمدادات جديدة من أذربيجان وشرق البحر الأبيض المتوسط في السوق عبر ما يسمى طريق ممر التوريد الجنوبي.
والرقم الذي يستشهد به الخبراء في أغلب الأحيان لتحديد ما إذا كان محور الغاز يقوم ببناء سيولة هو “معدل التداول” الذي يقيس عدد المرات التي يتم فيها تداول الغاز قبل أن يتم توصيله بالفعل. ومعدل أعلى من 10 يعتبر السمة المميزة لسوق فعالة.
في عام 2013، قام هيذر بحساب صافي معدل تداول في بريطانيا يبلغ 18.7 وفي هولندا 19.3. وكانت الأرقام في باقي أوروبا أقل من ذلك بكثير. في النمسا كان معدل التداول 2.6، في حين بلغ 0.4 فقط في إيطاليا.
توصيلات كهربائية
خطوط الربط الكهربائية الإسبانية مع فرنسا بالكاد تعتبر فريدة في تأخيرها بسبب الاحتجاجات والسياسات. ويعتبر المتظاهرون القلقون إزاء إلحاق الضرر بالسياحة والبيئة سمة مشتركة في مشاريع خطوط الربط. ووفقا لجيفري فيزي، من جمعية مشغلي الشبكة الأوروبية لأنظمة نقل الكهرباء، ثُلث معظم المشاريع الحيوية لربط أوروبا يتم تعطيلها بسبب “التراخيص والقبول العام”.
وهذا تحدٍ كبير بالنسبة لبروكسل التي ترغب في توسيع هدف الترابط في الاتحاد الأوروبي. ففي عام 2002 أشارت إلى أن البلدان ينبغي أن تكون قادرة على تصدير 10 في المائة من طاقتها الخاصة من التوليد. ويبلغ المتوسط الحالي 8 في المائة وهناك بلدان مثل إسبانيا وبريطانيا مرتبطة بشكل سيئ للغاية. وتقترح المفوضية الآن رفع الهدف إلى 15 في المائة بحلول عام 2030.
الوكالة الأوروبية لمنظمي الطاقة تقول إن طاقة النقل عبر الحدود ازدادت بنسبة “متواضعة” تبلغ 9 في المائة بين عامي 2008 و2012. ونصف هذه الزيادة كانت بسبب الربط بين هولندا وبريطانيا. وأساس الربط المتزايد للاتحاد الأوروبي سيكون ألمانيا، لأن منطقة الجنوب الصناعية مربوطة بشكل سيئ مع الشمال، حيث يوجد المزيد من مصادر الطاقة المتجددة. والكهرباء المتولدة من مصادر الطاقة المتجددة، التي ستصبح أكثر أهمية في الوقت الذي تتخلص فيه ألمانيا من محطات الطاقة النووية، تندفع عبر حلقة داخل البلدان المجاورة. ومثل هذه التدفقات الكبيرة المتقطعة تعتبر معضلة فنية بالنسبة للجيران الأصغر.
وتستجيب بولندا للمشكلة بمحولات تقوم بتغيير الأطوار، من أجل الحؤول دون ازدياد الحمل على الشبكة. وتجادل مجموعات البيئة بأن بولندا تحمي محطات توليد الكهرباء بالفحم الحجري داخلها بجدار ناري بدلاً من تبني مصادر الطاقة المتجددة.