لبنان على مشارفِ أزمة مياه حقيقية تستهدف مواطنيه في جميعِ المناطق بلا استثناء، فالأرقام المخيفة للعجز المائي يمكنُ الكشفُ عليها حسيَّاً، من خلال زيارة أيّ منطقة ورؤية التصحر أو الجفاف خصوصاً في المناطق الزراعية أو المائية، على أنَّ الخطر في الأمر أنه لم يعد محصوراً في المناطق البعيدة عن مجاري المياه، بل المفارقة العجيبة ان تكون مناطق العرقوب وحاصبيا ومرجعيون، قد بدأت تعاني من أزمة في تأمين مياه الإستهلاك المنزلي ومياه ري المزروعات، إذ انها محاطة بثلاثة أنهر وهي الحاصباني والوزاني والليطاني، ناهيك عن الينابيع وعيون المياه المنتشرة في مختلف القرى والبلدات، التي بدأ الجفاف يضربها لا سيما نهر الحاصباني الذي جفت مياهه على بعد كيلومتر واحد من نبعه أي الجفاف يبدأ من عند جسر الشقعة، والمفاجأة مثلاً أن يكون نهر الجوز في الشمال قد جفَّ نهائياً..
وإذا كان العام الحالي، قد قلت فيه نسبة الأمطار، وقد باتت الينابيع تذرفُ دمعاً بدلاً من المياه، فإنَّه لا مفرَّ من أن المصارحة بأن الدولة لم تدخر في السنوات السمان المياه للسنوات العجاف، سواء من خلال خطط علمية، من خلال اقامة سدود وبرك اصطناعية لتجميع مياه الأمطار والأنهر تكون زاداً لأيام الشح والجفاف، بدل الوقوف موقف المتفرج على ما يعانيه المواطن من ازمة مياه في بلد الثلج والأنهر.
7 ملايين لبناني عليهم أن يواجهوا بدءاً من العام الجاري أزمة الشح في بلد المياه، وربما يكونُ الرقم أكبر إذا احتسب أعداد السكان الفعليين من نازحيين سوريين وغيرهم، وإذا كان المتضرر الاكبر هو المواطن اللبناني الذي عليه أن يواجه الأزمة من جيبه في ظل تراجع قدراته مع استنزافها مع كل أزمة تبرز وفي ظل حركة بلدٍ مشلولة اقتصادياً تتلازم مع تراجع القدرة المعيشية، فالمواطن بين فكي كماشة اصحاب الصهاريج ومالكي الابار الارتوازية الخاصة، الذين رفعوا التسعيرة بنسبة تجاوزت 40 في المئة، فارتفع سعر الصهريج بنسبة تجاوزت 45 في المئة، فبات سعر الصهريج الصغير 20 برميلاً أكثر من 45 ألف ليرة، بينما كان العام الفائت لا يتجاوز 25 ألف ليرة، وتحولت المياه الى سوق سوداء.
أمّا المتضرر الآخر، فهو القطاع الزراعي، فطن القمح مثلاً يستهلك نحو 2000 متر مكعب من المياه، وبالتالي فهو يستنزف كميات هائلة من المياه لريه، فما هو الحال مثلاً بالنسبة للمزروعات الخضرية التي تطلب كميات أكبر، وهذا يعني أن ارتفاع الطلب على المياه من أجل ري المزروعات سيعني ازدياد التكاليف الزراعية، وبالتالي على المواطن أن يواجه التكاليف الجديدة بقدرته الشرائية المتراجعة أصلاً. وفي ظل شبحِ الأزمة المخيم على المناطق، وفي ظل تراجع أي حلول آنية للدولة فإن أهالي المناطق، يطالبون بأن تسمح لهم دولتهم بحفر الآبار في هذه الظروف الاستثنائية الصعبة، لكن هل هذا حلٌ سيكلف الدولة عاجلاً المزيد من العطش واجتراح حلول بالاستيراد؟.
على الدولةِ الآن، أن تعيد رسم سياستها المائية قبل فوات الأوان، وقبل أن يبتدع الناس حلولاً، لا تزيد الأزمة إلا عمقاً، وبانتظار تشكيل مجلس وطني للمياه، على الدولة الآن تنظيم سوق صهاريج المياه التي تحولت الى سوقٍ سوداء، وضبط الهدر المائي الفني وغير الفني…
كيف بدأت المناطق تتعامل مع الأزمة؟ عكار تطالب بحفر آبار ارتوازية
الزراعة الى تراجع، المياه الى تناقص، الكهرباء منعدمة، والكوارث تزداد، ولا قدرة للعكاري (زياد منصور) على تحمل هذه النتائج، في ظل ضغط رسمي بالكاد يسمح بتعميق الآبار أو حفر أخرى لمواجهة سنة هي الأجف في تاريخ المنطقة، وبالتالي تعلو الأصوات المنادية بالسماح بحفر الآبار الارتوازية للتمكن من العودة الى الزراعة وارواء العطشى سواء أكانوا لبنانيين أم سوريين.
وفيما تبين بعض الدراسات أن معدل استهلاك المياه في عكار يبلغ نحو ثلاثمئة ليتر في اليوم للفرد الواحد، إلا أنه لا توجدُ احصاءات حول كمية المياه المتجددة في العام في الأمتار المكعبة، نظراً لتناقص الموارد المائية، كما لا يوجد احصاء دقيق للآبار المحلية، وينعدم المسح الهيدرولوجي للموارد المائية لغياب الامكانات.
وبسبب الأزمة وتلوث الأنهر والينابيع، فإن الاعتماد الكلي يتم على المياه الجوفية القابلة للتجديد، وهي مياه الآبار التي يجري حفرها على أعماق 100 متر أو أقل، وهي مياه جوفية غير عميقة وقابلة للتجدد من مياه الأمطار، وهذه المياه تحديداً ترتفع المطالبة اليوم للسماح باستغلالها عبر حفر ردائف لها بدل المحفورة بسبب الشح الكبير في المياه والتي تواجه عملية ضبط وتشدد من قبل قوى الأمن الداخلي.
وفي جانب استخدامات المياه فإن القطاع الزراعي في عكار، هو المستخدم الأكبر للمياه، وبالتالي تواجه الزراعة موسماً من الجفاف بسبب تقلص الكميات، وهذا ما ألحق اضراراً كبيرة في القطاع الزراعي ومن المنتظر أن ينعكس على زراعتي الليمون والحمضيات والأشجار المثمرة والزراعة الخضرية.
وفيما تنعدم الدراسات حول نسبة العجز المائي بالمليون متر مكعب في السنة، فإن بعض الأرقام من دراسات يستند اليها مزارعون في عكار، وتدل على أن طن القمح مثلاً يستهلك نحو 2000 متر مكعب من المياه، وبالتالي فهو يستنزف كميات هائلة من المياه لريه، وهي غير متوفرة وبالتالي فإن هناك تحولاً نحو زراعات لا تستدعي استهلاكاً كبيراً، وكذا الليمون الذي يحتاج الى ري وسقاية شبه يومية، وهنا يضرب المزارعون أخماسهم بأسداسهم عن الحل، الذي ليس باستطاعتهم اجتراحه بمفردهم من دون خطط وادارة استراتيجية للمياه واستهلاكه.
الأمر عينه يسنسحب على الاستهلاك المنزلي للمياه، فوفق تقدير المهندس نزار قاسم فإن بعض الدراسات تشير على سبيل المثال الى أن معدل الاستهلاك اليومي من المياه للفرد الواحد هي على الشكل التالي: المراحيض 95 ليتراً ، ما معدله 39 في المئة، الاستحمام 76 ليتراً أي 31 في المئة، غسيل الملابس 38 ليتراً أي 15 في المئة، الحنفيات 11 ليتراً أي 5 في المئة،أعمال الطبخ 11 ليتراً أي 5 في المئة، الشرب والأكل 11 ليتراً أيضاً 5 في المئة، المعدل الاجمال يساوي 242 ليتراً للوصول الى نسبة 100 في المئة.
ويلفت قاسم الى أن هناك خللاً واضحاً وخطيراً بين الطلب على المياه والكميات المتاحة من المياه السطحية والجوفية ومياه الصرف الصحي المعالجة، الأمر الذي أدى الى زيادة السحب من المخزون المائي الاستراتيجي، ويعزى السبب في ذلك إلى أن القطاع الزراعي هو أكبر القطاعات استهلاكاً للمياه الجوفية، وهناك تبديد للمياه في مغاسل السيارات مثلاً المصانع والحرفيات الصغيرة، وكلها غير مراقبة، هذا عدا التسرب المائي من الشبكات المهترئة.كما يعتبر التلوث الناشئ عن استخدام الأسمدة الكيماوية والمبيدات وتصريف مياه المجاري في بطون الأودية من أهم العوامل التي تزيد من ندرة المياه ، مما يجعل بعضها غير صالح للاستخدام الزراعي.
ما هو الحل برأي بعض الفعاليات؟ يؤكد رئيس بلدية حلبا سعيد الحلبي بأن المشكلة باتت معروفة حيث تنعدم المياه بالفعل الملوثة أو الصالحة للشرب، وهناك تراجع في القطاع الزراعي، نستطيع استيراد خضار ولكن هل نستطيع استيراد مياه فهذا غير منطقي. نسأل ما هي آلية عمل وزارة الطاقة لإراحة الناس في هذا الوضع الاستثنائي، لماذا يمنع حفر الآبار الارتوازية، مع العلم أن الحفر يتم على اعماق قليلة من خمسين الى ستين متراً ، ولا يشكل خطراً على الموارد الجوفية كما يشاع. الناس عطشى ونحن كبلدية شغلنا الشغل يومياً هو المياه والشكوى من قلة المياه، وناشد باسم البلديات وزير الطاقة بوضع حلٍ للبلديات والناس، فلا مياه الشفة نحصل عليها من مصلحة المياه، وإذا ضخت في الأسبوع فلساعة واحدة، والآبار محظور حفرها وقوى الأمن الداخلي تلاحق من يحفر، ضعوا لنا حلولاً.
وطالب وزير الطاقة بأن يرسل كتاباً لوزير الداخلية، يسمح بموجبه للناس بحفر الآبار في هذه الظروف الاستثنائية الصعبة، فهناك تقصير فاضح من الدولة، وهي لا تقدم حلولاً، والمطلوب اجتراح معجزات، ليتساعدوا لحل المشكلة وتقديم الحلول، وإلا فالناس ستحفر آبارأ ولو كلفها ذلك السجن.
واعتبر رئيس اتحاد بلديات السهل خالد الخالد، أنه يتوجب على الحكومة تقديم مختلف أنواع الدعم من خلال تشجيع الاستثمار في البحوث والتكنولوجيا والابتكار وتطوير القدرات في هذا المجال للتصدي لشح المياه، بتنفيذ السدود في عكار والبحيرات الجبلية، وأيضاً محطات التنقية والتي تؤدي إلى استدامة إدارة احتياطات المياه والمحافظة على جودتها.
ويلفت الى أن من أهم اسباب نقص المياه في عكار وخصوصاُ في فصل الصيف الذي يعاني منه معظم المواطنين ويستاؤون منه هو ضعف إدارة المياه، وضعف دفع ضخ المياه إلى المنازل وانقطاع الكهرباء، مما يعني عدم إمكان صعودها إلى سطوح المباني العالية، وبالتالي عدم تعبئة الخزانات المتواجدة عليها لمختلف الشقق ويترتب على ذلك توجه المواطنين للتزود بالمياه من خلال شرائها من الصهاريج بأثمان مرتفعة مما يشكل عبئاً مالياً إضافيا عليهم.
ويلفت الأهالي عناية المسؤولين، إلى أنه وحتى تحقيق مشاريع السدود التي قد لا تنفذ أبداً، وعدم قدرة الدولة والوزارة على حل مشكلة شح المياه، لا بد من حلين أولهما السماح بحفر الآبار الرديفة، وثانيهما، تنظيم قطاع بيع المياه عبر الصهاريج التي تؤمن للمواطنين من آبار عامة وبلدية لغايات ربحية، على طريقة مولدات الكهرباء.فمن هو المستفيد؟.
راشيا تقنين قاسٍ للمياه
تتجه قرى قضاء راشيا إلى إعلان حالة طوارئ مائية (عارف مغامس)، بعد أن لمس أهاليها ومسؤولوها المحليون، أن ما يحكى عن كارثة مياه مرتقبة، اضحى أمرا جديا لا يمكن التغاضي عنه والتنصل من المسؤولية التي تطال الجميع دون استثناء، حيث ان تدني معدل مياه الامطار هذا العام كشف عورة سبل مواجهة الازمات خاصة تلك المائية في منطقة تعتمد زراعاتها البعلية على امطار السماء بشكل رئيس، وترتكز ينابيعها الكثيرة المنتشرة في القرى على غزارة الامطار شتاء لتتفجر ربيعا، ويعتمدها الاهالي صيفا في وقت الذروة، حين تصير عيون الماء والينابيع مقصدا لكل ذي حاجة، وملاذا للعائلات التي لا تقوى على تحمل كلفة المياه المعدنية.
هذه العيون ودعت محبيها باكرا هذا العام، فلم تذرف لهم سوى دموع الانتظار طويلا لتعبئة بضعة ليترات لا تستحق البقاء تحت اشعة الشمس، فهجرها روادها باستثناء بعض عابري السبيل للتزود بالقليل منها، فيتقاسمون الماء مع الحشرات المقيمة التي لم تجد من يضيق بها ذرعاً هذا العام.
أزمة المياه فرضت حصاراً قاسياً على أهالي قرى راشيا، في ظل تقنين قاس لتوزيع مياه البقاع التي تغذي القرى من محطة لوسي البقاعية، بالتزامن مع قيام ورش فنية بأعمال تمديد شبكة جديدة لتغذية المنطقة من مياه عين الزرقاء مع الابقاء على مصادر المياه من لوسي ومن بعض الابار التي تغذي القرى، فيما تشير معلومات الاهالي الى أن التقنين القاسي لمياه البقاع هو نتيجة الضغوط التي تمارس للتخفيف من ساعة التغذية، في وقت يتلاعب بعض موظفي المؤسسة بالادوار، ويلجأون الى بيعها اما لمشاريع زراعية أو لاحياء يجمع المقيمون فيها خوات تدفع لبعض العاملين في توزيع المياه.
إزاء هذا الواقع المرير لم يبق أمام الأهالي إلا الوقوع بين فكي كماشة اصحاب الصهاريج ومالكي الابار الارتوازية الخاصة، الذين رفعوا التسعيرة بنسبة تجاوزت 40 في المئة، فارتفع سعر الصهريج بنسبة تجاوزت 45 في المئة، فبات سعر الصهريج الصغير 20 برميلا أكثر من 45 ألف ليرة، بينما كان العام الفائت لا يتجاوز ال 25 ألف ليرة، وتحول الى سوق سوداء، منذ ايام مع ارتفاع الطلب على المياه لتخزينها في آبار الجمع في المنازل مع ارتفاع منسوب الخوف عند المواطنين، من جراء الحديث عن تفاقم الازمة وانخفاض مستوى الابار الجوفية.
وأشار رئيس اتحاد بلديات جبل الشيخ العميد مروان زاكي، الى أن أزمة مياه حقيقية تهدد عشرات الالاف من سكان قرى راشيا ومن النازحين السوريين الى المنطقة، وهذا يحتاج الى خطة طوارئ مائية لمواجهة الجفاف ومنها احياء العيون القديمة وانشاء برك اصطناعية في اكثر من بلدة في مناطق ملائمة جغرافيا، حيث بدأنا كاتحاد بلديات بوضع الدراسات التي من شأنها معالجة بعض جوانب ازمة المياه، ولفت ان مياه الشفة تصل الى كل بيت في راشيا من بئر اليابسة شرق البلدة ولكن علينا ان نقدم حلولا مستقبلية لازمة قد تتفاقم بشكل اكبر في المستقبل.
من جهته لفت رئيس بلدية بكا ياسر خليل، الى وجود بئرين ارتوازيين في البلدة يؤمنان مياه الشرب للاهالي، حيث لا وجود على الاطلاق لشبكة مياه البقاع، مؤكدا أن منسوب أحد البئرين انخفض منذ مطلع الصيف ولكننا نعوض بالبئر الاخر الذي لا يزال على مستواه ، وهو مجهز بشكل كامل ويروي احياء البلدة، وأشار الى ان المعاناة تكمن في الحقول والبساتين الزراعية حيث نبحث عن استملاكات لانشاء برك لتشجيع الزراعة وتثبيت المزارعين في حقولهم، معربا عن قلقه إزاء استمرار شح الامطار الامر الذي يهدد الثروة المائية اي حياة الناس لكننا سنسعى الى اعادة تأهيل البئر القديم وتعميق مجراه خدمة للمواطنين وتفاديا لشبح العطش.
واعتبر رئيس بلدية كوكبا وليد مغامس، ان مواجهة ازمة المياه تحتاج الى رفع منسوب الوعي لدى مواطني البلدة، حيث ننتظر ان تقوم وزارة الطاقة بتركيب محطة كهرباء للبئر الجديد، الذي من المتوقع ان يغذي البلدة فور تركيبها، بعد ان انجزت كل الاعمال، خصوصاً ان البئر القديمة انخفض مستواها ولكننا نؤمن قسما من احتياجات الناس عبر صهريج خاص بالبلدية بسعر معقول للتخفيف من معاناة الناس ومن الاكلاف الباهضة قدر المستطاع، آملا الاسراع في تأمين الكهرباء للبئر لتجنيب البلدة شبح العطش، داعيا الاهالي الى الاقتصاد في استخدام المياه وتقنين الاستهلاك سيما أن بركة زراعية كبيرة كانت تروي البساتين والحقول الزراعية جفت منذ اكثر من شهرين.
اصحاب الصهاريج لا يهدأون فيما إطفاء العطش يكوي جيوب المواطنين، بحسب أبو محمد علي نجم الذي اعتبر ان ازمة المياه تتفاقم ومياه الينابيع نضبت واسعار صهاريج المياه الى ارتفاع فيما يتزامن ذلك مع تقنين في الكهرباء وغلاء في السلع، والصيف حار جدا في وقت اشار فيه عدد من النازحين السوريين الى وجود معاناة حقيقية في الحصول على مياه الشرب ومياه الاستهلاك اليومي، الامر الذي يهدد عائلاتهم بالامراض من جهة والعطش من جهة ثانية.
اقليم الخروب: المواطن مرهون للصهاريج
استفحلت ازمة المياه في مختلف قرى وبلدات اقليم الخروب (خديجة الحجار)، لتغيب عن المنازل لايام واسابيع متواصلة يقطعها بعض الساعات القليلة من تواجد المياه في المنازل لا تكفي لتعبئة خزان متواجد على السطوح، في حين بدأت المزروعات تتلف، واصحاب البساتين امام مشكلات اقتصادية تتمثل بتلف مواسمهم التي يأكلون منها عيشهم.
في اقليم الخروب اكثر من 16 الف مشترك في مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان يلزمهم بحدود 20 ألف متر مكعب يوميا. هذه الكمية يجري تأمين قسم منها بواسطة بعض الآبار في بعض قرى الاقليم اي بحدود 4 آلاف متر مكعب، والقسم الآخر يجري تأمينه من مياه نبع القاع الذي لا يتعدى 10 الاف متر مكعب في موسم الوفرة اي في فصل الشتاء.
هاجس يعيشه ابناء اقليم الخروب بعد ان اصبح معدل ضخ المياه الى المنطقة من الباروك والصفا لا يتجاوز عشر ساعات في الاسبوع الواحد، وسط اجواء من الخوف والقلق من تزايد هذه الازمة مع اقبالنا على ايام الصيف الحارة وغياب اي تخطيط او حلول تقدمها الدولة لهذه المشكلة المتفاقمة على مستوى الوطن كله.
وانقطاع التيار الكهربائي له دور كبير في تفاقم هذه المشكلة اذ ان مضخات المياه تعمل على الكهرباء، وهو ما يشكل نقطة سلبية اخرى على هذه المشكلة التي بدأت مفاعيلها الاقتصادية والاجتماعية تطغى على كل الواقع الذي يعيشه الناس الذين يعمدون الى تفضيل السكن في العاصمة والمدن حيث الكهرباء والمياه افضل من المنطقة التي كانت تعتبر مصدر توافر للمياه العذبة.
اصحاب الصهاريج الذين يعملون ليل نهار لتأمين حاجات الناس من المياه يؤكدون ان طلب الناس متزايد جدا على المياه والسبب الاساسي لذلك هو الانقطاع المستمر لها عن المنطقة، ويعتبر احمد بيه احد اصحاب صهاريج المياه، انه لا يستطيع تلبية جميع متطلبات الناس التي تتصل كل دقيقة، وهو يعمد الى محاولة التوفيق بين الجميع لكي يحصلوا على حاجاتهم التي على الارجح لا تكفي ليوم واحد، مؤكدا ان كل برميل مياه بالف ليرة لبنانية وهي تسعيرة موحدة لدى جميع اصحاب الصهاريج.
ويقول احمد الحجار من بلدة شحيم ان العائلة كبيرة والساعات التي تتوافر فيها المياه لا تكفي لتعبئة خزان على السطح، معتبرا انه يملك بئرا تحت منزله وهو اصبح شبه خال، مؤكدا ان قلة المتساقطات في فصل الشتاء لا تستدعي هذا الانقطاع للمياه لأن الابار الارتوازية وباطن الارض ما زالا جيدين الى حد ما وهو ما اكده بعض المهندسين في احدى المقابلات التلفزويونية، داعيا الدولة الى ايجاد حلول جدية ومتسارعة لهذه الازمة.
من جهتها، سألت احدى ربات البيوت عن السبب الاساسي وراء انقطاع المياه كل عام مع بداية فصل الصيف، داعية مصلحة مياه بيروت وجبل لبنان الى توزيع عادل للمياه بين جميع المناطق، مؤكدة انه الا تكفي المشكلات الاقتصادية وغلاء المعيشة وانقطاع الكهرباء لتزيد المشكلات مشكلة كبيرة وهي انقطاع المياه؟. وبانتظار حل مشاكل المياه في اقليم الخروب يبقى المواطن رهن شراء المزيد من صهاريج المياه لتأمين حاجاته، لتضاف هذه الحاجة الى حياة المواطن المعذب في هذا الوطن.
حاصبيا والعرقوب ومرجعيون: جفاف أنهر!!
صحيح ان هناك جفافاً وشحاً في المياه في مختلف المناطق اللبنانية، إلا ان المفارقة العجيبة ان تكون مناطق العرقوب وحاصبيا ومرجعيون (عمر يحيى)، قد بدأت تعاني من أزمة في تأمين مياه الإستهلاك المنزلي ومياه ري المزروعات، إذ انها محاطة بثلاثة أنهر وهي الحاصباني والوزاني والليطاني، ناهيك عن الينابيع وعيون المياه المنتشرة في مختلف القرى والبلدات والتي بدأ الجفاف يضربها لا سيما نهر الحاصباني الذي جفت مياهه على بعد كيلومتر واحد من نبعه أي الجفاف يبدأ من عند جسر الشقعة، في ظل غياب خطط علمية لتجنب السنوات العجاف من خلال اقامة سدود وبرك اصطناعية لتجميع مياه الأمطار والأنهر تكون زادا لأيام الشح والجفاف، بدل الوقوف موقف المتفرج على ما يعانيه المواطن من ازمة مياه في بلد الثلج والأنهر.
يضاف الى ذلك زيادة الطلب على مياه الإستهلاك المنزلي حيث يوجد في هذه المناطق اكثر من 25 الف نازح سوري خصوصا في قرى العرقوب ومنطقة مرجعيون، ما يزيد الطين بلة، فباتت الآبار الإرتوازية وصهاريج المياه المتنقلة تفعل فعلها بتزويد المواطنين بالمياه.
إذ يشير رئيس بلدية شبعا واتحاد بلديات العرقوب محمد صعب الى ان نبع الجوز في شبعا، والذي يغذي عدداً من قرى وبلدات العرقوب السبع بالمياه المنزلية ويروي عدداً من البساتين والحقول الزراعية في شبعا خصوصاً، «بدأ منسوب المياه فيه يتراجع بشكل لم يسبق له مثيل ومن غير المعروف إذا ما كان يكفي حتى نهاية الصيف الذي يكثر فيه الطلب على المياه للإستعمال المنزلي ولري الحقول»، مضيفا، «وما يزيد الأمر صعوبة هو الأعباء المادية والتكاليف الباهظة التي تتكبدها البلدية، خصوصا والإتحاد عموما كونها تؤمن مياه الإستهلاك المنزلي لأكثر من 10 آلاف نازح سوري الى قرى العرقوب، في ظل غياب تام للجهات المانحة المحلية والدولية المكلفة مساعدة النازحين». وطالب «اقله تأمين صهاريج لنقل المياه وتوزيعها على النازحين، كون الصهاريج التي نوزع فيها المياه على النازحين نقوم باستئجارها على حساب البلدية والإتحاد».
ولفت صعب الى انه كان قد تلقى وعدا «من مجلس الإنماء والإعمار بإنشاء بئرين إرتوازيين في شبعا لتغطية حاجات البلدة من المياه، وحتى اليوم لم نلق اية نتيجة ملموسة على الأرض»، راجيا من المجلس «الإسراع في حفر هذين البئرين لنتجنب الوقوع في أزمة مياه أكبر مما نحن عليه اليوم».
ويحذر مسؤول الجمعية التعاونية لإدارة مياه نبع الدردارة جهاد الشيخ علي، من جفاف هذا النبع الذي يروي أكثر من 600 هكتار من الحقول الزراعية في سهل مرجعيون الخيام، «والسبب الأساسي وراء ذلك هو تراجع نسبة المتساقطات هذا العام بشكل غير مسبوق اضافة الى الآبار الإرتوازية العشوائية المحيطة بالنبع، لافتا الى ان «هناك قانوناً في وزارة الطاقة والمياه يمنع فيه حفر آبار ارتوازية في محيط أي نبع من الينابيع خاصة اذا كانت هذه الآبار تسحب المياه الجوفية التي تغذي تلك الينابيع».
واشار الشيخ علي الى وجود المئات من العائلات السورية التي تقطن في هذه المنطقة وتؤمن حاجتها من المياه من خلال قساطل شبكة الري الممددة من نبع الدردارة الى الأراضي الزراعية في السهل والتي تستفيد بحق الري من النبع، وهذا الأمر اضاف مشكلة فوق المشاكل المحدقة بنبع الدردارة». وأكد ان «هناك لقاءً سيعقد مع قائمقام مرجعيون وسام الحايك سيضم فعاليات ورؤساء بلديات منطقة مرجعيون لوضع خطة للحد من التعديات على مصادر المياه ووضع حد لهدر المياه وترشيد استهلاك المياه، وهذا اللقاء يأتي في اطار إنشاء خطة استباقية لتجنب الوقوع باي أزمة أو كارثة مائية في المنطقة».
اليوم وقعت الواقعة وبات لبنان يرزح تحت وطأة الجفاف وشح المياه، ويبقى السؤال هل هناك من خطط وبرامج مستقبلية تجنب البلاد والعباد أزمة من بين الكثير من الأزمات التي يعانيها المواطن اللبناني.
البترون…ندفعُ ثمن الأزمة
اجتاحت أزمة انقطاع المياه ومع حلول فصل الصيف قرى وبلدات منطقة البترون (ماغي كرم)، لا بل سبقته لترهق المواطنين بعد أن أطلت عليهم بشراسة في ساحل البترون والوسط والجرد. هذه الأزمة بدأت تتفاقم مع انقطاع كبير للمياه وبدأت صرخة البترون ترتفع للتعبير عن معاناة موجعة تضيف أعباء جديدة على كاهل البترونيين الذين يدفعون ثمن الحصول على المياه للاستخدام المنزلي وللشرب أيضا.
العوامل الطبيعية كانت سبباً اساسياً لهذه الأزمة الا أن مشاريع المياه ومد شبكات جديدة وربطها بالآبار ومصادر المياه ضاعفت المشكلة ما انعكس سلباً على حياة الأهالي خصوصا أن أعداد النازحين السوريين تجاوزت عشرة آلاف في منطقة البترون، وهؤلاء باتوا يتقاسمون كل مصادر المياه مع أهالي القرى والبلدات.
منذ شهرين جفت مياه نهر الجوز نهائيا، واليوم يتم إجراء عملية تقنين مشددة لمياه نبع دله والغواويط الذي يغذي محطة الضخ في كفرحلدا والتي تروي منطقة البترون، وتتوقع مصادر معنية جفاف مياه هذا النبع بعد حوالى الاسبوعين بشكل كامل وهناك عملية عصر لمياهه كما يقول عضو لجنة البيئة في مجلس بلدية كفرحلدا نجيب الاهمجاني، «الأزمة كبيرة والمشكلة ستكبر وتتفاقم اذا لم يتم تدارك الموضوع وإيجاد الحلول لها من خلال استخدام الآبار الارتوازية وسحب مياهها. ففي العقار رقم 1305 في منطقة كفرحلدا العقارية والذي أملكه شخصياً تم حفر بئر ارتوازي بعمق 120 متراً بموجب قرار رقم 203 /1966 أي منذ اكثر من 45 عاماً ولم يتم استثمار مياه التي خرجت بقوة تراوح بين 6 و8 إنشات، هذه الكمية من المياه قد تحل الأزمة في المنطقة».
ويشكو المزارعون في سهل بساتين العاصي الزراعي من انقطاع المياه الذي ينعكس على زراعاتهم مصادر رزقهم ويعربون عن خشيتهم من تفاقم الأمور في حال طالت الأزمة وعندها ستذهب مواسمهم للتلف واليباس. الشكوى عارمة واستنكارات تعم القرى والبلدات، والصهاريج في حركة كرّ وفرّ على الطرقات العامة لتأمين المياه الى المنازل بمبلغ 40 ألف ليرة لصهريج بسعة 400 تنكة. ويقول المواطن حنا الياس «كل عام تطل علينا أزمة تعودنا أن تزورنا في فصل الصيف، الا أن المعاناة هذا العام كبيرة وكبيرة جدا وموجعة، فنحن نتكبد الخسائر وندفع ثمن المياه مرتين علماً أن منطقة البترون هي من الأغنى بمصادر المياه والأفقر بالمياه. والسؤال المطروح هو أين الحل لهذه الأزمة التي ترهقنا وتكبدنا المصاريف وكأن ما نعيشه من أزمات اقتصادية ومعيشية لا يكفي لإحباطنا وإلحاق الأذى بنا؟ نحن اليوم نشتري كل 3 أيام صهريج مياه ب25 ألف ليرة لا يكفي حاجتنا للمياه، خصوصا أن أولادي يحلون ضيوفاً علينا قادمين من الخارج ما يزيد الحاجة للمياه بوجهتي استخدامها للشرب والاستعمال المنزلي. نحن بانتظار الفرج نتمنى أن يكون قريباً والا ما علينا الا أن نلعن الصيف بحياته وصعوباته».