Site icon IMLebanon

المصارف المركزية بحاجة إلى مراجعة أدواتها لتنفيس الفقاعات المالية

FinancialTimes

فولفجانج مونشاو

أجرى العالم تجربتين محكمتين حول كيفية محاربة الفقاعات المالية في العقد الماضي. وكان مصيرهما الفشل. كانت أولاهما تجاهل الفقاعة بهدف تنظيف آثارها في وقت لاحق. في ذلك الحين بدت وكأنها فكرة معقولة لكثير من الناس، لكنها كانت مبنية على فرضية كاذبة بأن تكاليف اجتثاثها سيكون بالإمكان احتمالها.
التجربة الثانية التي اختتمت لتوها في السويد، لها أيضاً نتائج كارثية. هناك فعل المصرف المركزي العكس تماماً. رفع أسعار الفائدة لكبح جماح فقاعة إسكان محلية. وبعمله هذا، ولّد الانكماش وزاد البطالة. وقام أخيرا بتصحيح ذلك الخطأ في السياسة النقدية عن طريق خفض سعر الفائدة إلى 0.25 في المائة. تعكس هاتان التجربتان طرفي نقيض في تفكيرنا: إما تجاهل الفقاعات، وإما تجاهل أي شيء آخر. إذن، ما الذي ينبغي أن تفعله المصارف المركزية؟
وجهة نظر الإجماع هي أنها يجب أن تعتمد على القوانين التنظيمية للحصافة الكلية. سلطة النقد في هونج كونج، مثلا، فرضت قيوداً على نسبة القرض إلى قيمة المسكن بالنسبة للقروض العقارية. ووضع بنك إنجلترا أخيرا سقفاً على القروض العقارية بمضاعفات كبيرة على الدخل.
محافظو المصارف المركزية يحبون الأدوات التحوطية الكلية لأنهم عبيد لفكرة قديمة تعتبر صحيحة وغير مجدية في وقت واحد. قاعدة تنبرجن، التي سميت باسم خبير اقتصادي هولندي، تنص على أنك تحتاج إلى أداة سياسة واحدة لكل هدف في السياسة. إذا كان لديك هدفان ــ استقرار الأسعار والاستقرار المالي ــ تحتاج إلى أداتين. والسياسة النقدية تتعامل مع الأسعار، والقوانين التنظيمية للحصافة الكلية تعتني بالفقاعات. وبالتالي تكون المشكلة قد حُلت.
لكن هل حُلت فعلاً؟ بداية أقول إن الأداتين ليستا منفصلتين تماماً. السياسة النقدية لا تؤثر في أسعار التجزئة فحسب، بل أيضاً في أسعار الأصول المالية. إذا قام المصرف المركزي بإبقاء أسعار الفائدة عند مستوى الصفر في المستقبل المنظور، فإنه يضع معياراً لأسعار الأوراق المالية خالية من المخاطر مباشرة وللأوراق المالية الأخرى بشكل غير مباشر.
هناك أيضاً مشكلة جوهرية أكثر من ذلك. انظر في فقاعة الإسكان في إسبانيا. البلاد لديها حصة أعلى من المتوسط من الاقتصاديين والمصرفيين الرائعين الذين لا يكاد أي أحد منهم حتى الآن يعرب عن قلقه إزاء أسعار المنازل في مرحلة ما قبل عام 2007. لذلك ما الذي كان يمكن أن يتحقق فعليا من إشراف الحصافة الكلية في تلك السنوات؟ حتى لو كانت أجهزتنا التنظيمية الافتراضية للحصافة الكلية قد قامت بتحديد المخاطر بشكل صحيح، فإنهم كانوا سيواصلون التركيز على القطاع المصرفي. لكن المأساة الحقيقية لما بعد الفقاعة وقعت في قطاع الإسكان الإسباني. فقواعد الإفلاس المحافظة في البلاد تعني أن العديد من أصحاب القروض العقارية تم إثقالهم بديون ضخمة لبقية حياتهم. القوانين التنظيمية للحصافة الكلية أنقذت المصارف، لكنها لم تنقذ إسبانيا.
محافظو المصارف المركزية يخادعون أنفسهم إذا كانوا يعتقدون أن القوانين التنظيمية للحصافة الكلية تعتبر أداة السياسة النقدية القوية المستقلة. الواقع أنها أداة تكميلية مفيدة، لا أكثر ولا أقل. أفضل أمل لدينا يكمن في إطار موحد. للأسف، النماذج المستخدمة في العمود الفقري للاتجاه السائد في الاقتصاد لم يكن لديها مفهوم التمويل. فالعجز لا يمكن أن يحدث في هذه النماذج لأن لبنتها الأساسية هي تعبير “الوكيل التمثيلي”، الذي يشير إلى الإنسان العادي في المتوسط. لكن الإنسان العادي في المتوسط لا يمكن في وقت واحد أن يصاب بالإعسار وأن يُعسِر الآخرون بسببه. من أجل ذلك أنت تحتاج إلى اثنين من البشر المتوسط، ولا أحد منهما في المتوسط. على وجه التحديد، أنت في حاجة إلى قطاع مالي في تلك النماذج، واحد يتضمن ما رأيناه في العقد الماضي ــ العجز وأزمة الائتمان والتكسب من التأجير للغير، وابتزاز الحكومات، والسلوك المعادي للمجتمع، والسلوك غير الأخلاقي، والسلوك الإجرامي ــ على سبيل المثال لا الحصر.
أنتج الاقتصادي العظيم جيمس توبين، وهو اقتصادي آخر حائز على جائزة نوبل، أنموذجاً له دور واضح في أسواق الأصول منذ فترة طويلة في عام 1969. لكن بدلا من البناء على عمله، سلك التيار الاقتصادي العام اتجاهاً مختلفاً. وأدت الأزمة المالية إلى نشوء مناهج جديدة لكنها لا تزال غير سائدة، لأن المصارف المركزية لا تستخدمها بشكل فعلي.
لقد فتنت ببعض العمل الريادي من قبل ماركوس برونرماير ويولي سانيكوف، من جامعة برينستون، اللذين شيدا أنموذجاً تكون فيه للعالم حالتان: إحداهما فيها المصارف التي تقرض بحرية وأخرى التي لا تفعل فيها المصارف ذلك. وصفات السياسة لهذا الأنموذج لا تختلف جوهرياً عما فعلت المصارف المركزية أخيرا. لكن مع احتمال حدوث أزمة انقباض ائتماني في المستقبل مدمجة في الأنموذج، فإن سياسة أسعار الفائدة لا يمكن أن تكون عمياء عن تطورات أسعار الأصول. إن مثل هذا الأنموذج يشير إلى ارتفاع في أسعار الفائدة في وقت سابق في المملكة المتحدة، مثلا، مقارنة بالنماذج القياسية. بالنسبة لمنطقة اليورو، فإن الأنموذج قد يبرر تخفيف السياسة النشطة لأن الانخفاض في معدل التضخم أو الانكماش الصريح سيضر بالميزانيات العمومية المالية ويضيف إلى ذلك عدم الاستقرار.
هناك العديد من المناهج المتنافسة. يركز خبراء النقد الحديث على المال، بدلاً من الائتمان، باعتباره القوة الدافعة، لكن على الرغم من خلافاتهم الضخمة، سواء الأيديولوجية أو العملية، لا يوجد أي أنموذج منها يدعم التجربة التي فشلت للتو في السويد، أو تلك التي فشلت قبل عشرة أعوام. كما أن كل واحد منها ليس مهتماً بشكل خاص بالقوانين التنظيمية للحصافة الكلية.