ريتشارد ميلن
لا يوجد في الأفق دب قطبي، لكن منصة الحفر آيلاند إينوفيتور على مايرام وهي حتماً في القطب الشمالي. تقف هذه الحفارة على بعد 80 كيلو متراً من الشاطئ الشمالي للنرويج، وهو مكان تأمل كثير من الشركات أن يكون منطقة النفط التالية الأكبر، إنها بحر بارينتس.
ومع ذلك عانت شركات النفط أوقاتا عصيبة في القطب الشمالي. فقد تخلت شركات بريتيش بتروليوم وروسنيفت، شركة النفط الروسية الحكومية، عن عمليات استكشاف في عام 2009 بعد أن فشلت في اكتشاف احتياطيات ملموسة قبالة أقصى الشاطئ الشرقي لروسيا.
وشركات أخرى وجدت النفط، لكنها قررت عدم استخراجه بسبب التكاليف العالية – وهو السبب الذي دفع بشركة بريتيش بتروليوم في عام 2012 إلى عدم المضي في مشروع في المنطقة المغمورة في ألاسكا، تبلغ تكلفته 1.5 مليار دولار.
وفي فترة أقرب من ذلك بددت شركتا رويال داتش شل وكيرن إينيرجي خمسة مليارات دولار في ألاسكا ومليار دولار في جرينلاند، على التوالي، وسط صعوبات تقنية وحملات استكشاف واجهت مظاهرات عنيدة وتحديات قانونية من قبل المدافعين عن البيئة. لكن ينظر إلى بحر بارينتس، الذي يقع كلياً داخل الدائرة القطبية، على أنه مشهد مختلف. فقد حدثت هنا أربعة اكتشافات بالفعل قامت بها شركة النفط السويدية، لوندين، منها اكتشافات حقل جوهتا، حيث تقوم الحفارة آيلاند إينوفيتور حالياً بحفر بئر تقييمية.
ويقول توريستاين سانز، مدير العمليات في شركة لوندين في النرويج: “نحن نعتقد أن هذه المنطقة ستكون منطقة النمو الكبرى التالية في النرويج. لديها الحجم والجاذبية اللذان يؤهلانها لذلك”.
يقول آشلي هيبنستول، المدير التنفيذي لشركة لوندين، البريطاني المولد، وهو يقف على الحفارة، إن بحر بارينتس النرويجي شيء “مختلف تماماً” مقارنة بالمناطق الأخرى في القطب الشمالي، مثل ألاسكا أو جرينلاند، وذلك بسبب عدم وجود الجليد فيها طوال العام، على الأقل في الجزء الجنوبي منها، حيث تجري عمليات الاستكشاف الآن. ويضيف أن “النرويج كانت حقل نفط ناجحا للغاية، وأنا أعتقد أن بحر بارينتس سيكون هو الحدود غير المكتشفة التالية”.
واستُقبِل القطب الشمالي بترحيب شديد باعتباره الحقل الكبير التالي لشركات النفط والغاز. وأظهر مسح جغرافي أمريكي في عام 2008 أن منطقة القطب الشمالي يمكن أن تحتوي على 30 في المائة من الغاز غير المكتشف في العالم و13 في المائة من النفط غير المكتشف. ومع ذلك كانت الوعود التي قدمها القطب الشمالي حتى الآن أكثر مما تحقق منها فعلاً.
وحتى في بحر بارينتس، حيث حدث أول استكشاف قبل 30 عاماً، لا يوجد بعد أثر لإنتاج أي نفط، على الرغم من تخطيط شركة إيني الإيطالية لتغيير ذلك في العام المقبل بإنفاق 7.3 مليار دولار على تطوير حقل جوليات القريب من شاطئ هامرفيست. وبحسب كريستيان ييجسيث، المحلل في مؤسسة أركتيك سيكيوريتيز: “لا تزال التكاليف كبيرة جداً في بحر الشمال وحقيقة أنه توجد إمكانات محدودة لتصدير الغاز تجعل التطوير من الأمور المعقدة والمكلفة. ويضيف البعد مزيدا من التكاليف”. وأنفقت شركة لوندين حتى الآن 200 مليون دولار على الاستكشاف في بحر بارينتس، وتكلف البئر الواحدة التي يستغرق العمل فيها 50 يوماً من 65 إلى 70 مليون دولار.
ويبدو هيبنستول متفائلا بشأن بحر بارينتس ككل، لكنه يحذر في الوقت نفسه من عقد آمال على حقل جوهتا الذي يُقدر أنه يحتوي على ما بين 111 و232 مليون برميل، منها ما يكافئ 141 مليون برميل من النفط (والباقي من الغاز). ويقول: “هذا اكتشاف مهم جداً، لكننا لا نعرف ما إذا كان هذا يعد اكتشافاً اقتصادياً”. ويقول عن بحر بارينتس: “هذه منطقة غير مكتشفة، إنها غير مطورة بعد”.
وحماس الشركات ملموس جداً. مثلا، شركة لوندين لديها 13 رخصة في بحر بارينتس وهي تحفر بئرين في هذه السنة، مع توقعات بأن تحفر بئرين غيرهما على الأقل في عام 2015. وتقول إيرين روميلهوف، رئيسة الاستكشاف في الجرف القاري في شركة شتات أويل، التي حفرت 99 بئراً من بين 109 آبار تم حفرها حتى الآن في بحر بارينتس: “تعتبر هذه المنطقة الأقل تطوراً من بين المناطق الأخرى، ولهذا لدينا متسع كبير للقيام باكتشافات واسعة”. وتضيف: “إذا كنت تبحث عن حجوم كبيرة، فإن بحر بارينتس هو ما يقدم لك ذلك، لكن علينا دائماً أن نوازن بين القيمة والحجم، وهذا ليس سهلاً من الناحية التجارية”.
ويلاحظ ييجسيث أن من بين ثلاث موجات استكشاف جرت في بحر بارينتس، كانت الأخيرة فقط هي المثمرة بسبب التجارب الزلزالية المحسنة التي أجريت، وبسبب الدروس المستفادة من محاولات الفشل السابقة. ويقول: “أعتقد أن هناك إمكانات هائلة للتقدم للأمام بسبب تزايد نضوج المنطقة”.
وظهر ذلك بوضوح في نهاية حزيران (يونيو) عندما أخرت شركة شتات أويل التي تمتلك أغلبها الحكومة النرويجية، خططها لتطوير حقل يوهان كاستبيرج للمرة الثانية، وهو حقل تشير التقديرات إلى أنه يحوي ما بين 400 و600 مليون برميل من النفط ويقع إلى الشمال من حقل جوهتا التابع لشركة لوندين. ويصر مديرو شركة شتات أويل على ترجيح بلوغ مرحلة الإنتاج، لكن لا تزال توجد شكوك حول ما إذا كان يجب عليها اللجوء إلى حل القوارب العائمة في الإنتاج، كما تفعل إيني في حقل جوليات، أو استخدام نظام الأنابيب الأكثر تكلفة. وقالت شتات أويل سابقاً إن خططها لبناء مركز للنفط ستكلف ما بين 80 و90 مليار كورون نرويجي، لكن الشركة تقول الآن إن حل التعويم سيكون أرخص بواقع عشرة مليارات كورون.
وأضافت أنها ترغب في التحدث للشركات الأخرى العاملة في المنطقة نفسها، لكن هيبينشتال، المدير التنفيذي لشركة لوندين، يقول إنه لم يجر أي محادثات. غير أنه يعتقد أن خط الأنابيب سيتم بناؤه. ويقول في هذا الصدد: “ذلك يعني أنه سيكون لدينا خيار للتصدير الفوري لأي نوع من الهيدروكربونات المكتشفة، ووجهة نظري الشخصية حيال ذلك هي أن المسألة تجاوزت مجرد الإمكانية وأصبحت تتعلق الآن بالوقت الذي سيتم فيه ذلك”.
والحماس يمتد إلى أبعد من منطقة بحر بارينتس التي تقوم كل من لوندين وشتات أويل بعمليات الاستكشاف فيها. وبدأت النرويج بفتح أبواب أولى مناطقها الجديدة لاستكشاف النفط بعد عقدين من الزمن، في جزء من بحر بارينتس الواقع إلى الشرق من منطقة كانت سابقاً موضع خلاف بينها وبين روسيا. وتقدم ما لا يقل عن 34 شركة، من بينها كل شركات النفط الرئيسة تقريباً، للمشاركة في تجارب زلزالية.
ومنطقة القطب الشمالي ليست حيوية فقط بالنسبة لشركات النفط، ولكن بالنسبة للنرويج أيضاً. فقد انخفض إنتاجها من النفط في العقد الماضي إلى النصف. ويقول تورد لين، وزير النفط النرويجي: “إذا أردنا الاستمرار في أن نكون على المدى البعيد مصدرين للطاقة إلى أوروبا وبقية العالم، عندها ستزداد أهمية بحر بارينتس”.
ويعيش واحداً من كل عشرة نرويجيين في شمال البلاد، وتعتبر صناعة النفط أهم جهة توظيف في بلدات مثل هامرفيست وألتا وكيركينز. وتقول ماريان بريمنيس، عمدة هارشتاد، التي توجد فيها القاعدة الشمالية لشركة لوندين: “إن وجود صناعة النفط والغاز يعني أن لدينا المزيد من أماكن العمل، وأن المجتمع يتطور بالطريقة التي نريدها”.
وتظل المخاوف البيئية موجودة، إلى جانب المخاوف حول التكاليف العامة على النرويج. لكن لوندين التي تعيش وضعا جيدا منذ تحقيق واحد من أكبر الاكتشافات النفطية على الإطلاق في النرويج، في حقل يوهان سفيردروب في بحر الشمال في 2010، لا تزال تبذل جهوداً كبيرة.
ويقول هيبينشتال: لدينا آمال كبيرة في بحر بارينتس. أعتقد أن المنطقة التي نعمل فيها الآن أشبه ببحر الشمال”. ويضيف: “يفكر الناس في الدببة القطبية أو الثلج. لا يوجدان هنا. الوضع هنا أكثر ظلاماً بكثير في الشتاء وأكثر ضوءاً في الصيف. هذا كل شيء”.