محمد وهبة
«سننافس في السوق بشراسة. من حقنا أن ننافس». هذه العبارة التي قالها الرئيس التنفيذي للعمليات توماس برامنج في شركة «العوجان كوكا كولا للمرطبات»، أمس في مؤتمر صحافي، تحمل رسالة واضحة إلى «الشركة العصرية اللبنانية للتجارة المساهمة» التي تنتج «بيبسي كولا» في لبنان. مفاد الرسالة أن التنافس في السوق المحلية سيكون مختلفاً عن المرحلة السابقة، سواء في إنتاج المشروبات الغازية، أو في العصائر.
ثمة أسئلة كثيرة عن أثر هذا التنافس في الأسعار للمستهلك؛ فهل تعيد الشركتان توزيع سوق المشروبات الغازية بينهما كما كان سائداً خلال السنوات الأخيرة، وبالتالي تُبقيان الأسعار ضمن مستوياتها الحالية وربما أعلى؟ أم أن المالك الجديد سيحفّز المنافسة في سوق العصائر فقط، وربما يكون التنافس في الأسواق الخارجية؟ ما هي أهداف الاستثمار في السوق المحليّة الضيّقة نسبياً؟
لم تكشف شركة «العوجان كوكا كولا للمرطبات» الكثير عن مخططاتها في السوق اللبنانية. مؤتمرها الصحافي الذي عقدته أمس، كان مخصصاً لإعلان الاستحواذ على غالبية الأسهم في «شركة المرطبات الوطنية»، التي تنتج وتوزّع منتجات «كوكا كولا» وعصير «بامبا». برغم ذلك، رفض الرئيس التنفيذي لشركة العوجان نيكولاس نيوزماير الإفصاح عن قيمة الصفقة. غير أن مصادر تجارية مطلعة على الصفقة، قالت إن «العوجان» دفعت 33 مليون دولار ثمناً لحصّة الغالبية في شركة المرطبات الوطنية، مشيرة إلى أن الاتفاق في الأساس، يتضمن موافقة الفريقين على سداد العوجان 35 مليون دولار، لكن بعد جرد أصول ومخزون الشركة، تبيّن أن هناك فرقاً كبيراً في تقديرات الأصول يستوجب خفضاً في السعر المعروض من قبل العوجان بقيمة تتجاوز مليوني دولار، لكنهما اتفقا على سداد 33 مليوناً فقط. ويلفت نيوزماير إلى أن هذه الصفقة «ستوفّر لنا فرصة النمو والتوسّع الذي نسعى إليه منذ سنوات. نتوقع أن نستثمر في الإنتاج والتوزيع بما يفوق المبلغ المستثمر حالياً في المصنع أو في الشبكة الحالية». ويضيف نيوزماير إن هذا الاستثمار «مفيد لمنتجات راني، ومفيد أيضا لباقي السلع التي تنتجها شركة العوجان كوكاكولا، وهو يمثّل فرصة لمنح المستهلك خيارات أوسع».
ويضيف برامنج أن لبنان يمثل بالنسبة إلى هذا الاستثمار فرصة «للانطلاق منه كمركز تسويق من أجل تصدير المنتجات إلى الخارج، لكن سيجري التركيز حالياً على السوق المحلية، ومتى توافرت القدرات فسنوسّع العمل».
العوجان اشترت حصّة الغالبية في كوكا كولا ــ لبنان بـ33 مليون دولار
إذاً، كلام برامنج ونيوزماير يترك المجال أمام الكثير من التفسيرات، وخصوصاً أن استثمار شركة عابرة للقارات مثل «العوجان» (التي تملك فيها شركة «كوكا كولا العالمية» 49%) في السوق المحلية التي تعدّ صغيرة نسبياً سواء في سوق المشروبات الغازية أو في سوق العصائر، أمر مستغرب من قبل رجال الأعمال والمطلعين على أوضاع السوق. فالمبيعات الإجمالية في هذه السوق تقدّر بنحو 300 مليون دولار، منها نحو 60 مليوناً من مبيعات العصائر، والباقي يمثّل مبيعات المشروبات الغازية. وبالنسبة إلى هذه الأخيرة، فإن «بيبسي كولا» وحدها تسيطر على 83% من هذه المبيعات مقابل 11% لكوكا كولا التي كانت مملوكة من شركة ترانسميد، والباقي هو من حصّة «آر سي كولا» الذي تنتجه شركة «انتربراند».
أما بالنسبة إلى سوق العصائر، فإن «بامبا»، الذي تنتجه الشركة الوطنية للمرطبات، ليس لديه حصّة سوقية كبيرة وسط منافسين أشداء. مبيعات بامبا في السوق تقدّر، وفق مصادر مطلعة، بنحو 9 ملايين دولار، أو ما يوازي 15% من السوق، أما منافسوه فهم على النحو الآتي: شركة عصير لبنان تنتج «ماكاو» و«أونو»، اللذين يستحوذان على 35% من المبيعات الإجمالية للعصير في لبنان، وتليهما شركة انتربراند، التي تنتج «ليبيز» و«اكسترا» بحصّة سوقية تقدّر بنحو 25%، ثم تأتي «تروبيكانا» التي تنتجها شركة الشركة العصرية للتجارة، والتي تملك حقوق إنتاج وتوزيع «بيبسي كولا» في لبنان، بحصّة سوقية تبلغ 23%.
هذا المشهد في سوقي العصير والمشروبات الغازية يظهر استثمار «العوجان» في السوق المحلية مثيراً لإشكاليات عديدة؛ ففي السنوات الـ14 الماضية، كان السوق هادئاً بين «بيبسي كولا» و«كوكا كولا» ولم تتحرّك الحصص السوقية إلا قليلاً، إذ إن الشركتين أبقتا منافسة هادئة لا خفض فيها للأسعار على المستهلك بعدما تعاركتا لسنوات في منافسة طاحنة امتدت من عام 1994 إلى عام 2000. في ذلك الوقت، لم تكن أسعار عبوات «بيبسي كولا» و«كوكا كولا» تتوقف عن الانخفاض، فيما تواصلت العروض والجوائز للمستهلك… أما بعد عام2000، فقد أصبح السوق مقسماً وفق معادلة إقليمية تقضي بألا يدخل أي فريق على مناطق الفريق الثاني لا في لبنان، وفي أي بلد في العالم… لكن دخول العوجان ليس واضحاً ما إذا كان سيشعل هذه المنافسة أم سيحافظ على الهدوء، وخصوصاً أن شركة كوكا كولا العالمية تملك 49% منها، إذ إن هذا الهدوء لا يتناسب مع الحديث عن توسيع الاستثمارات في مصنع كوكا كولا ومبيعاته المقدّرة بنحو 26 مليون دولار.
أما الإشكالية الثانية، فهي في سوق العصير. في الواقع، فإن حجم السوق البالغة 60 مليون دولار صغير مقارنة بأحجام الأسواق في منطقة الشرق الأوسط، حيث هناك أعداد كبيرة من المستهلكين وقدرات شرائية مرتفعة وإمكانية لفرض أسعار تنافسية فيها. وبالتالي، فإن الاستثمار في منتجات بامبا قد يكون الغرض منه تحسين نوعية المنتج بهدف زيادة الصادرات إلى دول الخليج، التي تعاني أكلاف إنتاج مرتفعة في مجال العصير، حيث المياه تمثّل العنصر الأكثر كلفة، وهي متوافرة في لبنان وأرخص مما هي عليه في دول الخليج، وقد يكون استغلالا لشبكة التوزيع من أجل إنتاج وتسويق «راني» و«باربيكان» في لبنان.
وفي المقابل، ثمة من يقول إن المنافسة لن تشتد لا في لبنان ولا في الخارج بسبب شراء «العوجان» للشركة الوطنية للمرطبات، بل إن هذه العملية تأتي في إطار استراتيجية شركة كوكا كولا العالمية، التي تريد أن يكون وجودها في السوق اللبنانية أفضل مما هو عليه، من دون أن يثير الأمر ضجّة مع منافسها «بيبسي كولا»، وهذا الأمر انطلاقة لتوسّع العوجان في الأسواق الكبيرة مثل مصر وافغانستان وباكستان.