جون بول راثبون وجود ويبر
كارلوس سليم يملك مجموعة من أكبر منحوتات رودان في العالم، نحو 400 قطعة – والملاحظات الساخرة الوضيعة في الأوساط الفنية المكسيكية هي أن عملاق الاتصالات يعرف ثمن كل كيلو جرام من كل واحدة منها.
المفضلة لديه هي “المفكّر”. التمثال المصنوع من البرونز معروض في متحف مكسيكو سيتي للفنون، الذي شيده سليم مقابل المقر الرئيسي اللامع لـ “أمريكا موفيل”، شركة الاتصالات التي يسيطر عليها، والتي تشكل حجر الأساس لثروته البالغة 78 مليار دولار.
لقد أطال سليم في الآونة الأخيرة التفكير بشأن أمريكا موفيل، أكبر شركة هاتف في الأمريكيتين بما لديها من 300 مليون مشترك تقريباً. وفيما يشبه إلى حد كبير الحكايات التي ربما تكون منحولة بشأن مجموعته في متحف رودان، فإن ثاني أغنى رجل في العالم يفكّر ملياً الآن في قيمة شركاته وأعماله المختلفة.
السبب في مثل هذا التفكير العميق هو أنه في الأسبوع الماضي، بعد أشهر من التأخير، أقرت الحكومة الإصلاحية في المكسيك أخيراً قانون مكافحة الاحتكار الذي يسعى لفتح سوق الاتصالات ذات الإيرادات البالغة 30 مليار دولار سنوياً في البلاد، لمنافسة أكبر، وبالتالي وضع سليم في مأزق. وينصّ القانون على أنه، طالما أن أمريكا موفيل تسيطر على أكثر من نصف سوق الاتصالات في المكسيك، سيكون عليها دعم المنافسة من خلال مشاركة مجانية في الشبكة، إضافة إلى تدابير أخرى. ويُحظر عليها أيضاً دخول مجال التلفزيون المدفوع. ولعدة أشهر تساءل كثير من الناس عما سيفعله سليم. وهذا السؤال يعتبر ذا أهمية خاصة بالنسبة له. فقد صعد إلى صفوف كبار الأثرياء مع عملية شراء بقيمة 1.75 مليار دولار لشركة تيليمكس – الشركة الرائدة الاحتكارية المملوكة للدولة قبل شركة أمريكا موفيل – التي قادها في عام 1990. علاوة على ذلك، لا تزال المكسيك تمثل نحو 40 في المائة من المبيعات السنوية البالغة 60 مليار دولار لشركة أمريكا موفيل، وهو ما يجعلها جديرة بالحماية.
وفي ليلة الثلاثاء الماضي، عندما كان الكونجرس مستعداً للموافقة على القانون الجديد، أعلن سليم عن مفاجأته المذهلة. فلأعوام عديدة كان قد تجاهل أحكام المنافسة من خلال أوامر المنع القانونية، واستثمر عوائد شركته المكسيكية الهائلة في مشاريع في 20 بلداً، لكنه قال الآن إنه كان سيقوم بتفكيك أمريكا موفيل، من خلال بيع ما نحو خمس أصولها المحلية لمشترين مجهولي الهوية حتى الآن. لقد بدا القرار أنه يعني نهاية حقبة كانت القلة الثرية تسيطر فيها على مساحات من الاقتصاد وبداية واحدة أكثر حداثة وتنافسية: الرئيس الإصلاحي لـ “المكسيك الجديدة” أنريكي بينيا نييتو يريد أن يتقدم بثبات. لكن هل هذا ما يحدث؟ إذا حكمنا من خلال سليم، فمن السابق لأوانه إعلان نهاية “المكسيك القديمة”. يقول مصرفي مقره مكسيكو سيتي ويعرف سليم جيداً: “إن المكسيك لا تزال مملكة سليم، أي روما الخاصة به. سيستمر في الاستثمار هنا ويقوم بحماية استثماره. لكن مزيج الأعمال التي يملكها في البلاد سيصبح مختلفاً، وأكثر تركيزاً على المحتوى، مع أي توسّع تدريجي من المرجح أن يكون في باقي إمبراطوريته”.
يشتهر الرجل – المعروف بالمهندس – الذي ولد في المكسيك قبل 74 عاماً من مهاجرين لبنانيين ثريين، بكونه قُطب الأذواق المعتدلة. كما علّق خورخي كاستانيدا، المفكّر المكسيكي ووزير الخارجية السابق، بأنه “سخي في وقته، ليس دائماً مع أمواله (…) من ملوك المال الممكن الوصول إليهم، والمتحفظ وحسن المحيا بلا منازع”.
ويعيش سليم في المنزل الذي اشتراه قبل 40 عاماً في مكسيكو سيتي، ويتناول وجبة العشاء مع أولاده الستة كل يوم أحد (لم يتزوج مرة أخرى بعد وفاة زوجته عام 1999)، ويقود سيارته الخاصة بنفسه ويرتدي بدلات من محال متوسطة المستوى. كما يقوم بتفويض عمليات الإدارة اليومية للشركات إلى أولاده وزوجاتهم، بينما يفكّر أكثر في الاستراتيجية الشاملة. لكن الملياردير، الذي بدأ متداولا، يراقب التكاليف عن كثب: في اجتماع عُقد أخيرا على مدار اليوم، أدرك أن الجميع كان جائعاً وطلب توصيل طعام، لكن ليس من الطعام المميّز، بل الدجاج المقلي والبطاطا.
أسلوبه في العمل يشبه أنموذج توزيع الأصول الرخيصة للوارن بوفيت منه إلى أسلوب الأعمال الحرة المحمومة لستيف جوبز. مجموعة شركاته الانتقائية تشكل نحو 40 في المائة من قيمة البورصة المكسيكية، وإضافة إلى الاتصالات تتضمن التعدين، والخدمات المالية، والعقارات، والطاقة، وفِرق كرة القدم. ويمتلك سليم أيضاً بعض الأصول الكبيرة لوسائل الإعلام، من ضمنها حصة تبلغ أكثر من 8 في المائة من صحيفة “نيويورك تايمز” وحصة بنسبة 11 في المائة في شازام، وهو تطبيق تحديد الموسيقى لأجهزة الهاتف الذكية. كذلك تهافت العام الماضي على الحقوق الأمريكية اللاتينية لبث أولمبياد عام 2016 في المكسيك. ومثل هذا المحتوى ربما سيشكل الجزء الأهم من العمليات المكسيكية الأقل حجماً لشركة أمريكا موفيل. لقد بدأ تركيزه في مجال الاتصالات مع الهواتف الخليوية الرائدة مسبقة الدفع. ويتحوّل على نحو متزايد إلى الخدمات المتطورة، خصوصا مع انخفاض أسعار الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية الذي يمكّن حتى المستخدمين في الأسواق الناشئة من استهلاك ترفيه رقمي بكميات أكبر من أي وقت مضى. وكما أخبر سليم “فاينانشيال تايمز” قبل 18 شهراً: “المحتوى مهم جداً. نحن نريد أن نقدّم لزبائننا كل ما يرغبون في مشاهدته، في الوقت الذي يرغبون في مشاهدته، وبالسعر الذي يناسبهم”. وهذا الأسبوع كانت شركة أمريكا موفيل صريحة بالمثل حول توجهها الاستراتيجي نحو “اللعب الثلاثي” – حزمة واحدة مكونة من الاتصال الهاتفي، والإنترنت السريع، والتلفزيون المدفوع.
لكن لمن سيبيع سليم أصوله فهذا سؤال مفتوح. من غير المرجح أن يفضل المنافسين المحليين، مثل الفرع المكسيكي لشركة الاتصالات الإسبانية، تليفونيكا، أو مجموعات وسائل الإعلام المكسيكية، تليفيزيا وأزتيكا. إلام تؤول الأمور في النهاية؟ بإمكان الرئيس بينيا نييتو الادّعاء ظاهرياً أنه أجبر سليم على القيام بإجراء من شأنه جلب وافدين جُدد إلى سوق الاتصالات في المكسيك. لكن لا توجد حكومة في الذاكرة الحية تمكنت من ذلك. لكن هذا يُبشر بإمكانية الضغط من أجل تحرير الطاقة أيضاً.
لكن تفكير سليم العميق أدى أيضاً إلى نتيجة جيدة. فحتى قبل أسبوعين كانت قيمة أمريكا موفيل السوقية أقل بواقع 15 مليار دولار عما كانت عليه حين أصبح بينيا نييتو رئيساً للجمهورية في 2012. وبعد الإعلان عن تفكيك الشركة بيوم، قفز سعر السهم 10 في المائة، ما يعني أن المجموعة استعادت تقريباً سبعة مليارات دولار من قيمتها. ولأن أمريكا موفيل مملوكة بنسبة 57 في المائة من قبل عائلة سليم، فهذا يعني أنه حقق عائداً جيدا كذلك.