أكد آخر تقرير لمنظمة الأمم المتحدة حول النازحين السوريين فى لبنان أن عدد النازحين فى لبنان ارتفع منذ بداية الحرب فى سوريا فى 2012وحتى الآن إلى نحو 1.5مليون نازح سورى ينتشرون فى كل المناطق اللبنانية،بما يعادل ثلث سكان لبنان ،ويمثل ضغطا كبيرا على الاقتصاد اللبنانى من حيث المسكن والطعام والعلاج والتعليم،فى ظل تراخى الدول المانحة للمساعدات الإنسانية للسوريين النازحين.
وعلى الجانب الحكومى ترفض السلطات اللبنانية إقامة مخيمات للنازحين خوفا من تكرار السيناريو الفلسطينى منذ نكبة فلسطين عام 1948 وحتى الآن ،حيث ينتشر فى لبنان 12 مخيما فلسطينيا يعيش فيها نحو 400ألف فلسطينى ،وتضم هذه المخيمات بين سكانها أعتى المتشددين الإسلاميين من كتائب عبد الله عزام وتنظيم فتح الإسلام.
وترفض لبنان كذلك إقامة المخيمات للسوريين حتى لا تكون سببا للتوطين وعدم العودة إلى ديارهم فى سوريا مع انعدام الأمل فى عودة قريبة فى ظل استمرار المعارك داخل سوريا بين جيش النظام وبين التنظيمات المسلحة من الجيش السورى الحر وجبهة النصرة ودولة الإسلام فى العراق والشام “داعش”والتى تسيطر على الشمال السورى وتفرض هيمنتها على حقول النفط فى الشمال ،كما تمددت عراقيا ،وهو ما يجعل عودة النازحين إلى سوريا مستحيلة فى المستقبل القريب.
وقد اتخذت الحكومة اللبنانية منذ بداية الأزمة السورية موقف النأى بالنفس عما يحدث؛ فلا هى مع أو ضد أى من المتصارعين،ولكن واقع الحال بالشارع اللبنانى يختلف عما اتخذته الحكومة اللبنانية ،حيث يؤيد فريق 14آذار(السنة بزعامة الحريرى والكتائب بزعامة أمين الجميل والقوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع- ومعهم وليد جنبلاط رئيس الحزب الاشتراكى التقدمى وزعيم الدروز فى لبنان وهؤلاء يؤيدون المعارضة السورية ) إقامة مخيمات للنازحين السوريين ما دام لبنان وافق على مواثيق الأمم المتحدة الخاصة بالنازحين ،و من ثم فعليه استقبالهم وتوفير سبل المعيشة والأمن لهم؛ هـذا فيما يذهب الفريق الآخر 8 آذار (حزب الله بزعامة السيد حسن نصر الله والتيار الوطنى الحر بزعامة ميشال عون وحركة أمل بزعامة نبيه برى رئيس مجلس النواب وتيار المردة – وهؤلاء يؤيدون بشار الأسد فى حربه ضد المعارضة المسلحة) إلى رفض مبدأ إقامة المخيمات. ومع تباين المواقف السياسية بين الفريقين وإصرار الحكومة على النأى بالنفس يضيع النازحون السوريون الذين ينتشرون فى كل مكان من المناطق المأهولة بالسكان فى العاصمة ومدن وقرى لبنان ،ليعمل الرجال منهم فى أعمال متدنية الأجور، ويمارس الأطفال والنساء ظاهرة التسول أمام المساجد والأسواق.
ومع تزايد وتيرة المعارك فى سوريا ومشاركة حزب الله فى الحرب إلى جانب الأسد،وانقسام التنظيمات المسلحة داخل سوريا بل والتعارك فيما بينها ،ظهر التعاطف مع النازحين ، فى مدينة طرابلس كبرى مدن الشمال اللبنانى ومعقل السنة فى الشمال لتنشط السلفية الجهادية بقيادة مؤسسها الشيخ داعى الإسلام الشهال وتقوم حرب متقطعة منذ سنتين بين السنة فى باب التبانة والعلويين الشيعة فى جبل محسن، ليقابله فى مدينة صيدا كبرى مدن الجنوب ومعقل سنة الجنوب وآل الحريرى ممثلو السنة فى لبنان،نشاط سنى متشدد ومماثل لما يحدث فى طرابلس، كان يتزعمه الشيخ السلفى المتشدد أحمد الأسير الذى أعلن جهرا مناهضته لحزب الله ومناصرة المقاتلين فى سوريا لدرجة تكوين كتيبة باسم الأسير داخل الجيش السورى الحر .
ومع تمدد تنظيم داعش عراقيا وفى ظل سوء الحياة التى يعيشها النازحون السوريون فى لبنان،اكتشف الأمن العام اللبنانى أكثر من مخطط لتفجير مناطق شيعية على أيدى إنتحاريين سوريين.
ومع تزايد التهديدات من تفجيرات محتملة من انتحاريين سوريين أو عرب داخل لبنان لزعزعة استقراره الهش،طالب وزير خارجية لبنان جبران باسيل ووزير الداخلية نهاد المشنوق بوضع حد للنزوح السورى الذى يهدد الوحدة الوطنية بين السنة والشيعة وبين المسلمين والمسيحيين فى لبنان،مطالبين فى نفس الوقت بضرورة إعادة النازحين إلى ديارهم بالتنسيق بين لبنان وسوريا والأمم المتحدة التى تعجز عن مساعدة النازحين معيشيا.
فيما اعتبر وزير الشئون الاجتماعية اللبناني، رشيد درباس، أن قضية النازحين السوريين إلى لبنان، ارتقت إلى مستوى النكبة، مشيرا إلى أن “85 فى المائة من النازحين السوريين يعيشون على حساب 76 فى المائة من فقراء لبنان،وهذا النزوح تمزيق فظيع للجسم العربي، وخصوصا لبنان. يشار إلى أن لبنان وضع، مؤخرا، مقاربة للحد من تدفق النازحين، وذلك عبر خطة من ثلاثة محاور تتمثل فى وقف استقبال أى نازح مزعوم من مناطق غير ملتهبة عسكريا وقريبة من الحدود جغرافيا، وإنقاص أعداد النازحين الموجودين من خلال إسقاط صفة النازح عمن لا تتوفر فيه الشروط والمواصفات المتعارف عليها (بدأ تنفيذ هذا القرار أول يونيو الماضي)، والسعى لإنشاء تجمعات سكنية داخل سوريا أو فى المناطق العازلة بين حدود لبنان وسوريا تكون آمنة ومخصصة للنازحين الذين لا يمكنهم العودة فورا إلى بلادهم.
ومع مطالبة الحكومة بعودة النازحين السوريين الذين يضربون الاقتصاد والأمن اللبنانيين فى مقتل ،ظهر على السطح ما يعرف بلواء أحرار السنة فى بعلبك شمال لبنان وأعلن صراحة عن استهدافه للشيعة فى لبنان طالما أن حزب الله مستمر فى قتاله داخل سوريا بجانب الأسد.
ومع تزايد أعداد النازحين الذين بلغوا1.5مليون نازح، ومع ظهور إنتحاريين سوريين يهددون أمن لبنان وقد يكونون سببا لاندلاع فتنة مذهبية بين السنة والشيعة،ومع تراخى المانحين فى مساعدة لبنان لإعالة النازحين،يظل ملف النزوح السورى إلى لبنان خطرا قائما اقتصاديا وسياسيا وأمنيا، فى ظل الاستقرار الهش والفراغ الرئاسى وعدم التوافق على انتخاب رئيس للجمهورية بعد خلو المنصب بانتهاء ولاية الرئيس اللبنانى ميشال سليمان.