سلوى بعلبكي
بعد أقل من سنة على اصدار مصرف لبنان التعميم 331، أبصرت الشراكة بين “بنك الموارد” وPresella النور، لتكون أول تجربة يقوم بها مصرف تجاري في مجال الاستثمار في شركة ناشئة، على ان يكون الى جانبها في السراء والضراء. فأين اصبح هذا التعميم؟ وهل من مصارف أخرى متحمسة للخوض في التجربة الجديدة للقطاع المصرفي؟
ينظر مصرف لبنان الى التعميم باعتباره “محطة انتقالية في عالم اقتصاد المعرفة في لبنان عبر تأمينه للمرة الأولى، قاعدة مالية ضخمة يمكن أن تفيد منها كل الشركات الناشئة وكذلك صناديق الاستثمار. كما ان ثقته بالعناصر البشرية المبدعة الموجودة في هذا البلد، ويقينه بقدرتها على النجاح في حقل التواصل والتكنولوجيا، جعلاه يخلق الآلية لتحفيز قطاع جديد في لبنان هو قطاع “اقتصاد المعرفة”، وفق المديرة التنفيذية لدى حاكمية مصرف لبنان ماريان حويك. ويسمح التعميم للمصارف اللبنانية بأن تشارك كمساهم فعلي في شركات ناشئة وصناديق استثمار حتى نسبة 3% من أموالها الخاصة وبحدّ أقصى 10% للمساهمة الواحدة، ويقوم مصرف لبنان بضمان 75% من هذه المشاركة.
وبما أن التجربة جديدة، فمن البديهي أن تستغرق وقتا لكي تنطلق على النحو المطلوب. وهذا ما يؤكده رئيس جمعية المصارف فرنسوا باسيل الذي يشير الى ان الفكرة رغم حداثتها لم تتبلور بعد بالنسبة الى المصارف وخصوصا انهم غير متحمسين للدخول في صناديق استثمارية، بل يفضلون الدخول مباشرة في رأسمال الشركات. ولكن المشكلة في رأيه أن الاقبال من الشباب اللبناني لا يزال خجولا، وتاليا على المصارف ان تقوم بالنشاط اللازم لتسويق هذا التعميم.
ولكن حويك التي تشاطر باسيل الرأي في أن الفكرة جديدة عالميا وبحاجة الى مزيد من الوقت لكي يتم استيعابها، خصوصا أن ثقافة الدخول كمساهمين في الشركات ثقافة جديدة بالنسبة الى المصارف المعتادة القروض والاعتمادات، تشير الى أن التجربة الاولى كانت مع بنك الموارد ولكن منذ الاعلان عن هذا الاستثمار بدأت الطلبات تنهال على المصارف.
وإذ تشير الى ان مصرف لبنان يدرس حاليا طلبات لمصارف تناهز قيمتها الـ 100 مليون دولار، تؤكد الحرص على تطبيق التعميم بنجاح ودقة وذلك بمتابعة شخصية من الحاكم عبر اجتماعات دورية مع رؤساء المصارف من جهة ومؤسسي الصناديق والـ Entrepreneurs من جهة أخرى.
ممّا لا شك فيه أن مسيرة بناء أي قطاع هي مسيرة طويلة ينظر إليها دائماً على المدى البعيد، ولكن الأهم أن هذه المسيرة قد بدأت مع هذا التعميم، من هنا تعتبر حويك أن المشاريع التي يعمل عليها حالياً في مصرف لبنان قد تخطّت الـ100 مليون دولار مما يدلّ على أن رؤيتنا أن المستقبل هو لاقتصاد المعرفة هي في محلّها.
“الموارد” اول بنك يستثمر في شركة
يبدو أن رئيس مجلس ادارة بنك الموارد ومديره العام مروان خير الدين متحمس جدا لمبادرة مصرف لبنان التي ستساهم بالحد من هجرة الطاقات اللبنانية في مجال قطاع المعرفة. فالجامعات اللبنانية وفق ما يقول “تخرج اهم الطاقات البشرية التي يبقى منها القليل في البلد فيما النسبة الاكبر تهاجر بحثا عن فرص عمل. لذا علينا أن نجد الآلية لتأطير هذه الافكار بشركات ليتم تطويرها في السوق اللبنانية، تساهم في توفير فرص عمل وبتنمية الاقتصاد”. من هنا يرى خير الدين أهمية التعميم 331 الذي “يسمح للمرة الاولى بتاريخ لبنان للمصارف أن تكون مساهمة برأسمال الشركات الناشئة بإقتصاد المعرفة، بدل أن تبحث عن فرص لإقراض شركات ناجحة”.
لا يخفي خير الدين تردد المصارف في الاقبال على تنفيذ التعميم رغم اقتناعها بجدواه، وهذا في رأيه أمر طبيعي، فالمسألة لا يمكن ان تحصل بكبسة زر، لأننا هنا نغير ثقافة معينة وتوجه معين ويجب ان يأخذ حقه من الوقت لكي نحصل على نتيجة”. ولكنه يأمل خيرا في المستقبل القريب، خصوصا بعد نجاح تجربة “الموارد” مع Presella. إذ بعد الاعلان عن دخولنا مساهمين بنحو 20% من رأسمال الشركة التي تقدر قيمتها بمليون دولار، انهالت علينا الطلبات وندرس حاليا 10 طلبات، وهذا يعني اننا اذا استمررنا على هذا النمط فإنه يمكن ان يتقدم نحو 500 شركة سنويا، وهنا يتحدث عن مصرف واحد فما بالك بأكثر من 60 مصرفاً لبنانياً. فالمصارف مجتمعة لديها من خلال هذا التعميم ما يناهز الـ 400 مليون دولار، يمكن استثمارهم بالشركات الناشئة بقطاع المعرفة، وتاليا يبقى كيف أن نحمس الشركات ان تعرض أفكارها على المصارف، خصوصا وانها تبحث عن اماكن لتوظيف اموالها”.
قرار اختيار بنك الموارد على شركة “Presella” التي استخدمت التكنولوجيا في عملية بيع التذاكر، كان مبنيا على دراسة التدفق النقدي المستقبلي وعلى “اعجاب المعنيين في البنك بفريق العمل الديناميكي الذي قام بانشاء هذه الشركة في ايلول 2012، والذي استطاع خلال الاشهر الثلاثة من بدء العمل الدؤوب استقطاب ما يزيد على 120 حدثا وبيع اكثر من 10 الاف تذكرة دخول، مشيرا الى انها ساهمت في توفير نحو 30 فرصة عمل بالمرحلة الاولى.
ويأمل خير الدين من خلال هذا التعميم، ليس فقط الحد من هجرة الادمغة، بل اعادة استقطاب بعض الادمغة التي هاجرت، مشيرا الى أن بعض الشباب اللبناني في الخارج تلقف الفكرة بحماسة شديدة، مما استدعى التفكير بجدية في اقفال شركاتهم في اوروبا والعودة الى لبنان لتأسيس شركاتهم فيه”.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه أنه في حال كان الاقبال كبيرا على تأسيس شركات في قطاع المعرفة، ألن يصبح السوق مشبعا؟ يشرح خير الدين بأنه صحيح ان لبنان سيكون مركز الابداع والتوظيف وتأسيس الشركات، إلا ان السوق العالمية هي السوق الرئيسية التي ستشتري الخدمات والبضائع التي سننتجها، اضافة الى السوق المحلية”.