Site icon IMLebanon

تضحيات لإصلاح سوق العقارات المختلة في بريطانيا

Real-estate-predictions-in-European-market

وطنتُ نفسي على أن أكره التحالفات التي كان يهيمن عليها المحافظون في فترة ما بين الحربين، وذلك لثلاثة أسباب. الأول، لأنها استرضت هتلر. والثاني، لأنها تحملت معدلات عالية من البطالة، أناس عاطلون عن العمل في مقابل حاجات ناقصة. والثالث، لأنها سمحت بتطوير شريط عمراني غير مخطط عمل على إفساد معظم الريف.

حين أفكر في الموضوع بتعقل، علي أن أدرك أن الموقف تجاه هتلر كان يمثل جزئياً رد فعل على فظائع الحرب العالمية الأولى. حسب طريقة تفكير بعض الناس، ربما اختلط هذا بالرجاء بأن هتلر سينقلب على الاتحاد السوفياتي المكروه – لكن لا حاجة الآن للتركيز على هذه النقطة. بالنسبة للنقطة الثانية، أود أن أقول إنه عند الأخذ في الحسبان التغيرات في السكان والتعريفات الإحصائية، نكون قد قطعنا تقريباً نصف الطريق بين مستويات الركود لما قبل الحرب في معدلات البطالة، وبين المستويات التي كنا نرجو أنها كانت موجودة في السنوات التي كان يسودها التفاؤل بعد الحرب العالمية الثانية.

لكن النقطة الثالثة هي التي تغير رأيي بشأنها. نحن الآن فقط عند بداية انتعاش اقتصادي، ومع ذلك ارتفعت أسعار المساكن إلى مستويات شاهدناها هذه المرة في السنة الماضية بنسبة 10 في المائة في بريطانيا ككل، وأكثر من 18 في المائة في منطقة لندن، وفقاً لمكتب الإحصاءات الوطنية. والسؤال هو: لماذا لم يؤد ذلك إلى تحفيز حفلة من بناء المساكن؟ لم تكن هناك أي حفلة من جانب العرض. كانت هناك بعض الاستجابة، لكنها لا تكاد تصل إلى المستوى المطلوب. وهناك مخاوف أخذت منذ الآن تشعر بالقلق من أن طفرة العقارات يمكن أن تؤدي إلى سياسات حصرية في الاقتصاد الكلي قبل فترة طويلة من بلوغ الانتعاش التام. الرد الطبيعي على ارتفاع في الأسعار النسبية هو زيادة في العرض. وهذا هو المقصود بتعبير “آلية الأسعار”، وهو مفهوم يتعرض على غير وجه حق للازدراء من قبل كثير من الاشتراكيين، رغم أن هذا موقف لا يتخذه الاقتصاديون المنطقيون من يسار الوسط، مثل البروفيسور الراحل جيمس ميد.

من الواضح إلى حد كبير أن نظام التطوير هو نوع من التثبيط – ليس فقط من خلال الإصدار الفعلي لقرارات رفض أذون التخطيط لمشاريع البنايات، وإنما كذلك من خلال الآثار الرادعة للخوف من إمكانية الرفض. نشأتُ على تعلُّق قوي بالمناطق الخضراء التي كانت توضع حول البلدات والمدن لإيقاف ما يدعى الآن تحويل جنوب شرق إنجلترا إلى مبان من الخرسانة. مع ذلك هالني الافتقار إلى المساحات الخضراء عبر جنوب شرق إنجلترا. وهالني الافتقار إلى المساحات الخضراء على الساحل الشرقي للولايات المتحدة بين بوسطن ونيويورك وواشنطن. وأعترف بأن جزءاً من موقفي ينبع من التباين بين الخرائط عتيقة الطراز التي تبين البلدات على شكل نقاط أو دوائر صغيرة مع فراغات فيما بينها. مثلا، ظهرت واتفورد على الخرائط على شكل بلدة مستقلة شمال غرب لندن. لكن لم تكن هناك مناطق ريفية تذكر يمكن مشاهدتها في رحلة بالحافلة بين لندن وواتفورد سوى مساحة صغيرة حول بوشي. كانت هناك فظائع مماثلة على أطراف بلدات كبيرة أخرى. جزء من هذا الاستياء يعود إلى أسباب جمالية. لكن هناك كثير من الحجج الاقتصادية التي تستند إلى تكاليف النقل والازدحام بصورة عامة لدعم ذلك. إن كامل مفهوم العوامل الخارجية – أي تكاليف التطوير الاقتصادي التي يتكبدها الآخرون – ينطبق بصورة شاملة تماماً على البناء. بالتالي أنا لا أطالب بشيء مجاني للجميع، وإنما أسعى في الواقع إلى أعطاء معنى إلى تفضيل التطوير الذي أعلنت عنه حكومة الائتلاف البريطانية في مطلع عهدها. حين وضعت المناطق الخضراء بعد الحرب العالمية الثانية، كان عدد سكان بريطانيا يزيد قليلاً على 50 مليونا، وكانت هناك خشية من تراجع عدد السكان. أما الآن فمن المتوقع أن يصل العدد إلى 70 مليون نسمة أو أكثر خلال عقدين.

كانت مدن الحدائق ظاهرة من النصف الأول للقرن العشرين. وأنا أرجو بكل الوسائل أن يكون لدينا مزيد منها. لكن لا يمكن إنشاؤها على مستوى – سواء من حيث الجغرافيا أو الزمن – كاف للحؤول دون نشوء فقاعة في الإسكان من التدخل في الانتعاش الاقتصادي الحالي.

وكما يشير البروفيسور بول تشيشاير في مجلة “سنتربيس” Centrepiece التي تنشرها كلية لندن للاقتصاد، فإن مساحات من منطقة سوري Surrey مخصصة لملاعب الجولف أكثر مما هي مخصصة للمساكن. وتغطي العقارات فقط نحو 10 في المائة من إنجلترا، كما أن الحدائق تغطي تقريباً نصف هذه المساحة. وفي هذه الأثناء لا يستفيد الطفل الذي يعيش في وسط لندن من وجود منطقة الحزام الأخضر على بعد بضعة أميال. أفضل طريقة للمحافظة على الأوضاع الحالية هي تحديد مناطق قيمة للمحافظة عليها، مثل المناطق الباقية التي لم تفسدها يد الإنسان في منطقة نورث وساوث داونز في جنوب شرق إنجلترا، لتكون خارج نطاق معظم مشاريع التطوير العقاري، مع الاعتماد على السلطات المحلية في السماح بمشاريع تطوير معقولة في مناطق أخرى.