Site icon IMLebanon

ماذا بعد سقوط شركة “أمهز” اللبنانية في “الكماشة” الأميركية؟

Joumhouriya-Leb

أنطوان فرح

لا تواجه المصارف اللبنانية أي إحراج في تنفيذ قرارات العقوبات الأميركية او حتى الاوروبية، التي تصدر في حق أي متهم بتبييض الاموال، بمن فيهم حزب الله، الذي يحتل مرتبة متقدمة في هذه الاتهامات.
هذا الوضوح المصرفي في التعاطي مع هذا الموضوع الحساس، على اعتبار انه يطاول فصيل لبناني له سطوته العسكرية، ونفوذه السياسي في البلد، يعود الى مجموعة ظروف مساعدة، من أهمها:
اولا – ان موضوع حماية اموال المودعين، وحماية القطاع المصرفي الذي يعني عمليا حماية الاقتصاد الوطني، من المسائل الحيوية التي لا يستطيع أي طرف داخلي، مهما علا شأنه، أن يمس بها، من دون المجازفة بردة فعل شعبية في وجهه.
ثانيا – ان ادارات المصارف حسمت هذا الملف منذ فترة طويلة، وقررت حماية القطاع، من دون الأخذ في الاعتبار الحسابات السياسية الداخلية، وهي تعتبر انها تستطيع ان تراعي الخصوصيات اللبنانية في الكثير من الملفات، لكن ليس في هذا الملف المصيري. وهي بذلك تحمي حقوق ومصالح كل الناس، وثروة وطنية قاربت اليوم الـ170 مليار دولار، وهو رقم يدعو الى الثقة، لأنه يتجاوز النسب في معظم دول العالم.
ثالثا – ان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، يؤمّن حماية اضافية للمصارف لكي تتمكّن من اتخاذ قراراتها بغطاء شرعي. وقد جاء التعميم 126 الصادر عن مصرف لبنان ليمنح المصارف السقف الذي تحتاجه لمزيد من الحماية، وهو يُجبر المصارف اللبنانية بأن تلتزم العقوبات التي تلتزم بها المصارف المراسلة العالمية وخصوصا العقوبات الاميركية.
هذه المعطيات تسمح للمصارف بأن تتصرف بحرية مطلقة لحماية القطاع، وحماية الاقتصاد الوطني. وبالتالي، من البديهي ان المصارف سوف تلتزم بوقف التعامل مع اي شخص او شركة يجري ضمه الى لائحة العقوبات الأميركية، وهذا ما سيجري بالنسبة الى كامل وعصام أمهز، وكلٍ من : أيمن ابراهيم (مدير عام شركة ستارز غروب) وعلي زعيتر (في الصين) وحنا الياس خليفة، وشركة «ستارز غروب هولدينغ» وفروعها الخارجية في كل من دبي والصين.
لكن وقف التعامل مع هذه الشركة والاسماء الواردة على اللائحة الاميركية لن يكون سهلا، ذلك ان كامل امهز هو من التجار الناشطين في قطاع الخليوي. وقد تحوّل في السنوات الأخيرة الى ما يشبه المحتكر لهذه التجارة الرائجة، وانتشرت فروع شركته في كل انحاء الضاحية الجنوبية. كما ان أمهز تحول الى شخصية عامة، معروفة الى حد ما، من خلال النشاطات التي كان يقوم بها، ومن خلال الـ Show off.
اذ انه، وعلى سبيل المثال، كان أحد الذين شاركوا في المزاد العلني على الارقام الخليوية المميزة الذي نظمه وزير الاتصالات السابق جبران باسيل، واشترى في حينه رقما مميزا دفع ثمنه 170 الف دولار. وكان المزاد في حينه بمثابة دعم لباسيل، اذ شارك فيه متمولون يدعمون خط باسيل السياسي، واشتروا ارقاما خليوية مميزة بأسعار خيالية.
العنصر الجديد في الاتهام الأميركي لشركة أمهز، ان التهمة لا تقتصر على تبييض الاموال لمصلحة حزب الله، بل تتعداها الى اتهام الشركة بأنها الاداة التي استخدمها الحزب من اجل شراء محركات مختلفة واجهزة اتصالات ومعدات الكترونية واخرى للإبحار، من شركات في الولايات المتحدة ومن دول آسيوية وكندا واوروبا كي يستخدمها في تطوير الطائرات دون طيار وفي غيرها من المشاريع العسكرية.
في النتيجة، لن تكون قضية أمهز هي الأخيرة، وقد قررت الولايات المتحدة متابعة هذا الملف بفعالية، من اجل إسقاط الشركات التي يستخدمها حزب الله من اجل التمويل. وهذا الامر تدركه المصارف اللبنانية، وهي تعرف ان مسؤوليتها كبيرة لأنها مصارف بلد المنشأ للحزب المُستهدف.
ويبدو أن الجهات الأميركية التي بدت راضية عن التجاوب السريع الذي تبديه المصارف اللبنانية في تطبيق قرارات العقوبات الأميركية، وعن الاجراءات التي اتخذها مصرف لبنان للمساعدة في هذا الاتجاه، لن تكتفي بذلك.
وهي اليوم تطالب بخطوات اضافية في هذا الاتجاه، لا تقوم فقط على الالتزام بالعقوبات، بل تتعداها الى لعب دور متقدّم في المساعدة على كشف مثل هذه العمليات.
وهناك قناعة في الدوائر الأميركية التي تتابع هذا الملف، بأن جهاز الرقابة في مصرف لبنان، وأجهزة الرقابة الذاتية في المصارف، تحتاج الى المزيد من الدعم لكي تصبح فاعلة أكثر، وقادرة على المساهمة بفعالية في كشف عمليات التبييض، بدلاً من الاكتفاء بالتزام العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على الاشخاص والمؤسسات التي تكشفها الاجهزة الأميركية.
وهذا هو التحدي الذي سيواجه القطاع في المرحلة المقبلة، مع الأخذ في الحسبان كل الاعتبارات الداخلية التي قد تجعل من هذه المهمة صعبة ومعقدة، في بلد مطلوب من المصارف إنجاز مهمة «تجريد» حزب من مصادر تمويله، في وقت عجزت فيه الدولة عن «تجريد» هذا الحزب من سلاحه.