IMLebanon

السعودية: كيف تورطت وزارة العمل وورطت اقتصاد المملكة؟

LaborMinKSA2

عبدالحميد العمري

ما أبرز مشكلات برامج التوطين التي انتهجتها وزارة العمل منذ مطلع 2011، والتي بدأت نتائج فشلها الذريع تتكشف مع نهاية عامها الثالث؟ إنها عديدة ومتشعبة، لعل أهم ما يجمع تلك الثغرات في برامج التوطين غير المدروسة، هو اجتماعها عند:
العامل الأول: عدم مساهمة أي من تلك البرامج في السيطرة على البطالة، وهو الهدف الأول لاستراتيجية التوظيف السعودية في المدى القصير الذي لم يتحقق لا من قريب أو من بعيد. حيث كان معدل البطالة في مطلع تدشين تلك البرامج بداية العام 2011 عند مستوى 23.7 في المائة، ارتفع في نهاية العام نفسه إلى 24.9 في المائة، ومن ثم بدأ بالتراجع الطفيف إلى أن وصل بنهاية 2013 إلى نحو 19.2 في المائة، والذي يضع السعودية ضمن أعلى 10 دول حول العالم على مستوى معدلات البطالة.
العامل الثاني: عدم قدرتها على زيادة معدلات التوظيف الحقيقي، وعوضاً عنه فتحت الأبواب على مصاريعها للتوظيف الوهمي، وهذه كانت نتيجة طبيعية الحدوث، كون وزارة العمل لم تدرس على قدر من الخبرة الأوضاع الحقيقية التي تقف على نشاطات منشآت القطاع الخاص، وأن أغلب تلك المنشآت التي ناهز عددها آنذاك الـ 1.8 مليون منشأة، ليس في حقيقته إلا منشآت هي في الأصل غير إنتاجية، ويعتمد أغلبها على الدعم الحكومي، أغلب دخلها متأتٍ، إما من عقود ومناقصات حكومية، أو من احتكار وكالات تجارية لسلع وخدمات من خارج الحدود، والقيام باستيرادها بالجملة ومن ثم بيعها بالتجزئة في الأسواق المحلية، وكل الخطوط السابقة لا تتطلب موارد بشرية على قدر عالٍ من التعليم والتأهيل، لهذا تجد بين كل 10 عمال وافدين في سوق العمل المحلية، نحو 9 عمال لا تتجاوز مؤهلاتهم التعليمية الشهادة المتوسطة أو الابتدائية فما دون!
هذه النقطة الخطيرة التي غفلت عنها وزارة العمل، ورطتها بالوقوع في فخين خطيرين جداً، ومن هذين الفخّين يبدأ طريق الإنقاذ والعلاج للنجاة مما تسببت فيه تلك البرامج الفوضوية وغير المدروسة، وهو ما سبق أن تم المطالبة به منذ العام الماضي حينما بدأت تتكشف النتائج الفاشلة لها أمام مجلس الشورى، أن يتم تعليق جميع برامج التوطين الراهنة، وأن يبدأ العمل بصورة فورية على معالجة وإصلاح ما أدت إليه من آثار مدمرة للاقتصاد الوطني، وفي الوقت ذاته أن تعود وزارة العمل إلى الالتزام التام بكل ما تضمنته استراتيجية التوظيف السعودية.
تمثل الفخ الأول الذي وقعت فيه وزارة العمل، أنها أسست معدلات تقييم وأداء برامجها المتعددة من صلب التشوهات التي تقف عليها سوق العمل المحلية! كيف؟ حينما أتت على سبيل المثال إلى قطاع التشييد والبناء، وجدت عبر مسوحها أن معدل التوطين فيه لا يتجاوز الـ7 في المائة، حينها قررت أن معدل التوطين للدخول للنطاق الأخضر هو رفعه إلى 10 في المائة! وهكذا دون أي جهد إضافي أعمق تم التعامل مع بقية النشاطات والقطاعات في السوق، دون النظر إلى التحديات والتشوهات التي يعانيها الاقتصاد الوطني، ولا إلى أية اعتبارات أخرى.
ثم أتى الفخ الثاني، المتمثل في اتخاذ مئات الإجراءات والقرارات والتنظيمات بناء على ورطة الفخ الأول! ولهذا كان متوقعاً إما أن تتراجع وزارة العمل عن جزء من تلك القرارات بعد أن تنكشف آثارها السلبية، أو أن تقفز عليها منشآت القطاع الخاص بحكم خبرتها الأكبر في احتواء وزارة العمل والتلاعب عليها، خاصة أنها كشفت عن عدم خبرتها الكافية اقتصادياً وتأهيليا في مجال إدارة سوق العمل وفقاً للمعطيات الراهنة للاقتصاد والمجتمع السعودي، وهو ما سيتبيّن بوضوح للقارئ الكريم في الفقرة التالية.
العامل الثالث: نتيجة لما تقدم ذكره في العاملين السابقين؛ فشلت سوق العمل المحلية “القطاع الخاص” في زيادة معدلات مشاركة المواطنين في القوة العاملة فيها، وما تتحدث عنه تقارير وتصريحات وزارة العمل من زيادة لمعدل التوطين من 10.9 في المائة نهاية 2010 إلى 15.2 في المائة بنهاية 2013، ستفاجأ أنك إذا استبعدت أثر السعودة الوهمية بنتائج مفاجئة لم تكن أبداً في الحسبان! إذ تكشف الإحصاءات نفسها عن أنه لو تم استبعاد الوظائف الوهمية التي شكلت نحو 63.0 في المائة من صافي زيادة وظائف السعوديين والسعوديات في القطاع الخاص خلال الفترة 2013-2011، فإن معدل التوطين الذي تصرح وزارة العمل أنه ارتفع إلى 15.2 في المائة، ستجده بعد نزع التوظيف الوهمي من المعادلة يعود منخفضاً إلى 10.9 في المائة! وهو ذات المعدل الذي كانت عليه قبل تدشين تلك البرامج المفلسة، وقد بينت أعلاه سبب إفلاسها.
الحديث هنا عن الوظائف الوهمية التي صنعت تقريباً بالكامل هذه “الضجة الإعلامية” التي أمسكت بمكبرات أصواتها كل من وزارة العمل وصندوق الموارد البشرية. الوظائف الوهمية التي استحوذت على نحو 63.0 في المائة من توظيف المواطنين خلال الفترة 2013-2011، والمقدر عددها بنحو 464 ألف وظيفة من أصل 742.2 ألف وظيفة، مثلت صافي زيادة توظيف السعوديين والسعوديات في القطاع الخاص خلال الفترة، أؤكد أن تحت هذه الضجة الكبيرة انتشرت دون أن يشعر الأغلبية بما حملته تلك البرامج والقرارات من مؤشرات للفشل الذريع، وكنت وغيري من بعض المهتمين نحاول أن نوقف آثارها قبل أن تبدأ في الظهور، والتحذير من ترك تلك البرامج دون مراجعة لها من أهل الخبرة والدراية! ولكن وقع المحذور، وبدأت مؤشرات الفشل والمخاطر تكشف عن وجهها الحقيقي منذ مطلع هذا العام، ويتوقع إن لم يتم تعليق برامج التوطين كافة عن العمل، والعودة إلى ما نصت عليه استراتيجية التوظيف السعودية، إضافة إلى إصلاح ومعالجة الآثار السلبية التي خلفتها “نطاقات وأخواتها” من البرامج، أؤكد يتوقع أن يتوالى انبعاث بقية الآثار السلبية والضارة جداً في القريب العاجل لتلك البرامج، وحينها قد تكون تكلفة الحلول والمعالجة أكبر بكثير مما قد نتصور بأرقام اليوم، ولا أظن أحداً مهما كانت قدرته سيكون على استعداد لمواجهة تلك الآثار السلبية، وليتحمل مسؤولية معالجتها وإصلاحها.