IMLebanon

سباق بين نمو أزمات الكهرباء والمياه وتراجع القطاعات المالية الاقتصادية

Safir

عدنان الحاج

يمكن ببساطة كلية، من خلال التطورات الاقتصادية والاجتماعية والأزمات الحياتية، القائمة والمتزايدة، على صعيد التراجع المتواصل الذي يطاول كل القطاعات، تعداد عشرات السلبيات للدولة، من دون التوصل إلى إيجابية واحدة كاملة، أو إنجاز واحد يخص الناس وهمومهم الحياتية والمعيشية.
يكفي التوقف عند موجة التضخم والعجز المالي المتواصل في خدمات الكهرباء، مضافة اليها أزمات المياه والخدمات وأوضاع النقل والطرق وحوادث السير التي تذهب بعشرات الضحايا أسبوعياً.
أما التقديمات الصحية والاجتماعية، وتضارب نظم التقاعد والتضخم الذي يأكل الأجر والتقديمات، قبل أن يقضي على التعويضات للعاملين والمضمونين، فما من مستقبل يذكر لتقديماتهم الصحية، بعد نهاية الخدمة، والفوارق الكبيرة في أنظمة التقاعد والتعويضات، بين موظفي القطاع العام اولاً، ومن ثم بين موظفي القطاع الخاص وموظفي الدولة. هذه الفوارق أحد أهم أسباب عرقلة مناقشة السلسلة بموضوعية، بعيداً عن المزايدات في دولة متهالكة في أكثر أجهزتها الدستورية والإدارية، باستثناء ما تبقى من أجهزة أمنية ونقدية، تحافظ على الحد الأدنى من الاستقرارين النقدي والأمني، وأعني مصرف لبنان وبعض الأجهزة التي تعنى بالوضع الأمني.

مشكلات بالجملة ومعالجات غائبة

المشكلات والأزمات بالجملة، والمعالجات لا وجود لها حتى بالمفرق، بدليل التنوع في النمو السريع للمشكلات، والتراجع الكبير في القدرة على القرارات، التي تهم كل مكوّنات المجتمع اللبناني، من أشخاص وقطاعات ومؤسسات، الأمر الذي بات ينذر بكوارث على الصعيد الوطني، انطلاقا من تعميم نظرية الفراغ والعجز عن مقاربة القضايا الأساسية.

الكهرباء أزمة مثلثة الرؤوس
بالنسبة الى أزمة الكهرباء، فهي تتحول بسرعة إلى كارثة وطنية، كونها أزمة مثلثة الرؤوس، أولها مالي، نظراً الى العجز السنوي الكبير، الذي وصل في العامين الماضيين إلى أكثر من ملياري دولار سنوياً، وبات يأكل وحده 54 في المئة من عجز الميزانية العامة، بينما الإنفاق على الخطط الواعدة بكهرباء خلال العام 2015 أكلت النفقات والوعود معها من دون تحسن يذكر. ثاني الرؤوس إنتاجي، لا يتواءم مع حاجة الاستهلاك، حيث تنتج المعامل كلها حوالي 1500 ميغاوات، بما فيها البواخر التركية، بينما الحاجة هي الى أكثر من 2900 ميغاوات. من هنا يمكن القول ان البواخر التركية، التي كانت حاجة مساعدة، باتت حاجة واجبة، كونها تؤمن اليوم 25 في المئة من الطاقة الإنتاجية. أما الرأس الثالث فهو إداري وسياسي ومالي، نتيجة عجز الدولة عن قمع المخالفات والتعديات على الشبكات، من جهة، وهي تصل إلى حوالي 56 في المئة من الطاقة في بعض المناطق، ومن شأنها، في حال المكافحة، تأمين عائدات بأكثر من 450 مليون دولار. هذا من دون تعديل التعرفة التي من شأن زيادتها حوالي 30 في المئة، ان توافر أكثر من 1000 مليار ليرة. لكن التجارة السياسية والمصالح الخاصة يهمها استمرار الهدر، ومنافع المولدات الخاصة وضرب كل عملية إصلاحية. الدليل هنا ان شركات الخدمات التي تعاونت مع قوى الأمر الواقع في بعض المناطق، استطاعت تحسين الجباية حوالي 6.5 في المئة، من دون القدرة على إزالة التعديات المدعومة من غير جهة.
وتنسحب أزمة الكهرباء على أزمة المياه التي تداخل فيها عنصر الإهمال الرسمي لمصالح المياه والادارات المعنية، مع العناصر والعوامل الطبيعية لقلة الأمطار والشح الذي عاشته البلاد خلال فصل الشتاء، لتضيف كارثة على الأزمة وتحمل المواطن الأعباء الكبيرة لشراء المياه، ناهيك عن الغياب الكلي لتحديد مدى صلاحية المياه المستعملة، وسط انتشار السوق السوداء والمتاجرة تحت عيون الدولة، التي لم تسأل حتى عن صلاحية المياه ومصادرها، بينما البحث جار عن تجارة وصفقات جديدة تتحدث عن شراء المياه من تركيا.

من المؤشرات الحياتية إلى القطاعات الاقتصادية
باستثناء النشاط المحدود والنمو البطيء للقطاع المصرفي، والذي يسجل دخول ودائع بحدود المليار دولار شهرياً، ضـمن تسابـق المصارف على إحضار بعض الودائع من الخارج، لتعزيز ميزانياتها المجمعة خلال الفصل الثاني من العام الحالي، وبالتالي إظهار بعض التحسن في ميزان المدفوعات، فإن كل القطاعات الاساسية تشهد تراجعاً بشكل يشابه الأزمات المالية للدولة، من الصادرات الى السياحة والاستثمارات الجديدة، التي تراجعت في كل المجالات، حتى في القطاع العقاري، الذي يحافظ على حركته، من دون نمو كبير، ومع عدم هبوط الأسعار.
ويمكن ببساطة التوقف عند بعض القطاعات الاقتصادية التي تأثر أكثرها بتطورات أزمة المنطقة، وخصوصاً أزمة سوريا وصعوبة تسويق وتصديرالمنتجات اللبنانية. يذكر في هذا المجال ان الودائع المصرفية زادت خلال شهر أيار حوالي المليار دولار، بينما ارتفعت خلال شهر حزيران حوالي 1.7 مليار دولار ضمن تعزيز ميزانيات نصف السنة، عبر عمليات «وندودريسنغ».
1 ـ بالنسبة للصادرات اللبنانية، فقد تراجعت خلال الأشهر الخمسة الاولى من السنة الحالية حوالي 550 مليون دولار، بما نسبته حوالي 29.5 في المئة، مقارنة مع الفترة ذاتها من العام 2013، وهو كان عاماً سيئاً على صعيد النتائج الاقتصادية والتجارية، مقارنة بالسنوات السابقة. فقد بلغت قيمة الصادرات حوالي 1387 مليون دولار مقابل حوالي 1965 مليون دولار في الفترة ذاتها من العام 2013.
إشارة إلى ان الصادرات الزراعية تراجعت حوالي 10.1 في المئة، فيما تراجعت الصادرات الصناعية حوالي 30.6 في المئة، وهي النسبة الأعلى منذ سنوات نتيجة الوضع في سوريا والمنطقة، لكن الاستهلاك الداخلي للنازحين عوّض بعض الشيء ولكن من دون انعكاسات ملحوظة على القطاع. حتى المستوردات تراجعت من 9.1 مليارات دولار إلى 8.7 مليارات بما نسبته حوالي 5 في المئة خلال خمسة أشهر.
2 ـ الدين العام الإجمالي، نتيجة غياب الإحصاءات الجديدة، وصل حتى نهاية الثلث الأول من العام الحالي إلى حوالي 64.8 مليار دولار بزيادة حوالي 5.7 مليارات دولار، مقارنة مع الفترة ذاتها من العام 2013، أي بنمو سنوي قدره 9.6 في المئة، وهو نمو يعتبر بين المعدلات الأعلى. وفي حال احتساب عجز موازنة العام 2014، المقدر بحوالي 5.2 مليارت دولار (حوالي 7650 مليار ليرة، حسب مشروع وزارة المالية الأخير) فإن الدين العام سيتخطى حوالي 69 مليار دولار لما تبقى من العام 2014. مع الإشارة إلى أن الدولة تواجه تأمين مصادر التمويل، سواء بالنسبة لموضوع الموازنة وتغطية العجز، أو بالنسبة لموضوع تمويل سلسلة الرتب والرواتب، إذا أقرها المجلس النيابي، ما سيصعِب مهمة تحسين العائدات في ظل التردي في المؤشرات العامة.

حركة الاستثمارات الخارجية مضروبة
3 ـ بالنسبة لموضوع حركة الاستثمارات الخارجية وعناصر النمو الأساسية فإنها مضروبة، انطلاقاً من حال عدم الاستقرار وغياب المشاريع الجديدة، التي يمكن ان تخلق فرص العمل، حيث ارتفعت معدلات البطالة كثيرا، نتيجة عنصرين أساسيين: الأول حركة النزوح السوري المتزايدة، والأعباء الاقتصادية على قطاعات الخدمات، والكلفة التي تعجز الدولة عن تحملها من موضوع الكهرباء الذي يصل عجزه الى أكثر من 3500 مليار ليرة سنوياً، مع تزايد التقنين، ومن ثم تشغيل كل المعامل. بمعنى آخر ان مصلحة مؤسسة الكهرباء والدولة حاليا هي تقليص الانتاج لتخفيف العجز، الذي سيتخطى المبالغ الملحوظة في الموازنة العامة، بناء على قرار مجلس الوزراء الذي حدد حوالي 3057 مليار ليرة.
4 ـ سجل ميزان المدفوعات خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام 2014 فائضاً قدره حوالي 776 مليون دولار، مقابل عجز للفترة ذاتها من السنة الماضية قدره حوالي 149 مليون دولار. ويعود الفائض إلى نمو حركة الرساميل والتحويلات الوافدة في الاشهر الخمسة الأولى، حيث بلغت حوالي 6221 مليون دولار مقابل حوالي 5760 مليون دولار للفترة ذاتها من السنة الماضية. كما يعود الأمر إلى تراجع المستوردات إلى لبنان بحوالي 325 مليون دولار بما نسبته 4.4 في المئة. وعلى الرغم من ارتفاع عجز الميزان التجاري حوالي 3.6 في المئة بما قيمته حوالي 205 ملايين دولار.
5 ـ على صعيد المالية العامة، فقد زادت النفقات حوالي 2.4 في المئة، وبلغت حوالي 3816 مليار ليرة خدمة الدين العام التي ارتفعت حوالي 4.3 في المئة. فيما استقرت العائدات من دون تغيير يذكر عن السنة الماضية.
6 ـ تراجع النشاط السياحي كثيرا، خلال الثلث الأول 12 في المئة، مقارنة مع الفترة ذاتها من السنة الماضية، على الرغم من انتظار تحسن الحركة السياحية خلال هذه السنة، استناداً الى ترقب بعض القطاعات التي ضربت، نتيجة تزايد فرص استمرار الفراغ الرئاسي بفعل الانقسامات الداخلية وتردي الظروف في سوريا ودول المنطقة.