رامح حمية
ساهمت التغيرات المناخية مع مشاكل تصريف إنتاج البطاطا البقاعية في جعل الأكلاف أعلى من الأسعار، ولا سيما في هذا الموسم الذي يعوّل عليه المزارعون على امتداد سهل البقاع. تدني أسعار البطاطا نتيجة كسادها ينبئ بخسائر فادحة ما لم تتحرك الدولة لتوفير سبل التصريف وتسهيلها.
«يبدو إنو ما إلنا نصيب نشم ريحة تعبنا… الخسائر تطاول مواسمنا دائماً لأن الدولة لا تقف إلى جانبنا ولا تؤمّن لنا أسواقاً لتصريف إنتاجنا». هكذا يعبّر مزارع البطاطا حسين شومان عن حسرته على خسارة الموسم الذي كان يعوّل عليه. هو وغيره من مزارعي البطاطا على امتداد سهل البقاع يعيشون الحالة نفسها. يضرب الرجل كفاً بكف وهو يراقب العمال يقلعون حبات البطاطا من الحقل، وهو مدرك أن الإنتاج وفير ونوعيته جيدة هذا الموسم، لكن الكميات المنتجة «لن تذهب إلى سوق التصريف مباشرة، وإنما إلى البرادات للتخزين لأن الأسعار أدنى من كلفة الإنتاج».
إذاً، هي انتكاسة جديدة من ضمن سلسلة انتكاسات متتالية ألمّت بمزارعي البطاطا البقاعية في المواسم الماضية. يأتي هذا الموسم بعد «سلسلة وعود من المسؤولين ترمي إلى توسيع سوق البطاطا وحمايته وتشجيعه… إلا أنها ظلت وعوداً سرابية» على ما يقول رئيس تجمّع مزارعي وفلاحي البقاع ابراهيم الترشيشي. وقد أضيفت هذه الوعود إلى أعباء الأكلاف الإضافية التي فرضتها التغيرات المناخية من ندرة أمطار وشحّ المياه، ما يجعل الموسم مكشوفاً على مخاطر كبيرة، ولا سيما أن أسعار المبيع للمستهلك تصل إلى 350 ليرة للكيلوغرم الواحد، في مقابل ارتفاع كلفة الإنتاج إلى 400 ليرة.
ويشير المزارع فياض الترشيشي إلى أن كلفة زراعة البطاطا تعدّ الأغلى بين باقي الزراعات، إذ تراوحت كلفة الدونم الواحد بين 1000 دولار و1200$، وذلك نظراً إلى أزمة المياه وارتفاع أسعار المحروقات. ويعتقد أن هذين العنصرين وضعا المزارعين أمام خيارين صعبين: «إما عدم قلع الموسم ومواصلة تبريده من خلال توفير مياه الري مهما تكن كلفتها، وإما قلع الإنتاج وتحمّل كلفة تخزينه في البرادات حتى يفرجها ربك» يقول هذا المزارع.
بعض مزارعي البطاطا يرون أن هذا الموسم «هو موسم نكد ونحس من أولو». ففيما كان يفترض أن تمتدّ فترة إنتاج موسم البطاطا في البقاع، ما بين «البكيرة واللقيسة»، فترة ستة أشهر من الإنتاج (من حزيران حتى نهاية العام)، ساهمت التغيرات المناخية بين موجة الصقيع التي ضربت المزروعات في مطلع الموسم، وموجة الحرّ خلال الأسبوعين الماضيين، في أوان الإنتاج الوفير في فترة زمنية واحدة.
ويقول المزارع أحمد حمية إن «موجة الصقيع أدّت إلى تأخير في إنتاج البطاطا «البكيرة»، أي التي تصبح جاهزة للقلع مبكراً. كان يفترض أن تنضج هذه البطاطا وتصرّف الى الأسواق ابتداءً من أول حزيران الفائت. كذلك، فإن موجة الحر التي ضربت لبنان منذ أسبوعين أدّت إلى «تقريب إنتاج البطاطا اللقيسة إلى تموز بدلاً من آب وأيلول». وعليه، وبدلاً من «الهامش الذي كان بالإمكان أن يتحرك فيه المزارع على مدى ستة أشهر، بين إنتاج «البكيرة» في قرى كفرزبد وعين كفرزبد ولوسي ورياق وسرعين، و«اللقيسة» في سهول حزين وطليا وطاريا، ومن ثم في سهول بعلبك ومقنة ويونين، بات المزارعون محكومين بقلع الإنتاج الوفير في سهول البقاع بأكملها» كما يقول حمية.
وبنتيجة هذا الوضع، امتلأت برادات التخزين في البقاع ولم تعد قادرة على استيعاب كميات إضافية، رغم أن المزارعين لم يعد بمقدورهم تأخير قلع مواسمهم أكثر، وإلا تعرضت للتلف. غير أن الإنتاج الوفير لم يكن السبب الوحيد في تدني سعر البطاطا عن كلفة إنتاجها والتسبب بخسائر كبيرة للمزارعين، فقد أوضح ابراهيم الترشيشي أن أكثر من 250 ألف طن من البطاطا البقاعية كانت تصدر في مثل هذا الوقت، لكن «لم يصدر منذ شهر إلى اليوم سوى 20 ألف طن، أي ما يساوي واحد على عشرة». السبب في ذلك، يعزوه الترشيشي إلى «قرار وزارة الزراعة باعتماد فحص عينة للترسبات من كل شحنة تصدير (35 طناً) والحصول على شهادة من مختبر كفرشيما الذي لا يستوعب كل العينات، ويعطي في اليوم الواحد عشر عينات، فيما عدد طلبات الفحص يتجاوز 35 عينة يومياً». وبحسب الترشيشي، فإن مطالب مزارعي البطاطا باعتماد عيّنة واحدة من حقل المزارع عوضاً عن عيّنة من كل شحنة تصدير للمزارع لم تلق صدى لدى وزارة الزراعة.
في موازاة ذلك، فإن تصدير البطاطا اللبنانية تأثّر بالأحداث في سوريا والعراق، وخصوصاً مع ارتفاع كلفة النقل البري بين لبنان وسوريا حيث تدفع «ضرائب طريق» ولو كانت البضائع ذاهبة من سوريا إلى العراق ودول الخليج العربي، وقد أصبح الأمر عبارة عن بورصة أسعار يومية تتفاعل مع سياسات الدول المعنية وعلاقاتها الخارجية، سواء مع دول الخليج أو الدول المجاورة، «فالسعودي لا يريد أن تمر بضاعته في سوريا، والأمر نفسه بالنسبة إلى الأردني، وكذلك بالنسبة إلى السوري الذي لا يرضى بمرور بضاعة اللبناني في أراضيه» يقول ابراهيم الترشيشي.