Site icon IMLebanon

دور البترول في اقتصاد دول التعاون الخليجي

gulf economy

محمد الصياد

لاريب في أن أربعة عقود ونيف من ضخ مليارات الدولارات في ماكينة الاقتصادات الخليجية، منذ الطفرة النفطية الأولى في عام 1973 ، والتي غطت مساحات واسعة من قواعدها وتفريعاتها الصناعية الأساسية والتحويلية واللوجستية، قد أنتج واقعاً وشكلاً اقتصادياً جديداً لهذه الاقتصادات يتسم بقدر معقول من التنويع الاقتصادي (Economic diversification) . ومع ذلك فما زالت قطاعات النفط والغاز في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية تشكل قطب الرحى في اقتصاداتها، باعتبارها الرافعة الأساسية لدورة نموها المزدهرة، وأنه بفضل الإيرادات النفطية تحقق هذا التنويع، وبفضل تطور وتوسع القطاع البترولي لدول المجلس، أمكن تحقيق الطفرات التي نعرفها والتي نشهدها في مجالات البنية الأساسية واللوجستية والتعليم والصحة والإسكان وغيرها من القطاعات الأخرى .

وبهذا المعنى فإن القطاع البترولي لدول المجلس قد وضع دول مجلس التعاون في مصاف ما تسمى الاقتصادات الصاعدة (Emerging economies)، التي ظهرت إبان الأزمة المالية العالمية في عام 2008 أكثر تماسكاً من سواها من الاقتصادات الكبرى الرئيسية في العالم بفضل ديناميتها وقوة الدفع الثابتة والمستدامة التي تتمتع بها بفضل متانة أداء قطاعاتها البترولية . لقد تغيرت أوجه الاقتصادات الخليجية بصورة جذرية عما كانت عليه خلال عقدي السبعينات والثمانينات من القرن العشرين الماضي، سواء لجهة البنى التحتية والتوسعات الاستثمارية البالغة الضخامة في القطاعات اللوجستية لاسيما النقل والمواصلات من موانئ ومطارات وخدمات نقل جوي وبحري وبري، فضلاً عن قطاع التنمية العمرانية والإسكانية والمرافق الطبية والصحية . ويعود معظم الفضل في هذه النقلة النوعية بطبيعة الحال إلى الاحتياطيات النفطية التي تتوفر في دول التعاون والمقدرة بنحو 8 .486 مليار برميل، أي نحو 7 .35% من إجمالي الاحتياطيات العالمية، والتي وضعت دول التعاون في صدارة قائمة الدول المنتجة والمصدرة للنفط . ويكفي للتدليل على القفزة النوعية التي حققتها الاقتصادات الخليجية أن نشير إلى أن حجم اقتصادات البلدان الست الأعضاء في دول المجلس قد تضاعف ثلاث مرات خلال فترة لا تتعدى 9 سنوات من 2002 إلى 2008 ، حيث بلغ حجمه (وهو مجموع إجمالي النواتج المحلية للدول الست) 1 .1 تريليون دولار . وفي قلب هذه القفزة تتموضع قطاعاتها النفطية والغازية ، من حيث اضطلاعها بنسبة تقارب 73% من عوائد التصدير في عام 2011 (80% في المملكة العربية السعودية والكويت وقطر، و36% و41% على التوالي في كل من مملكة البحرين ودولة الإمارات، ونحو 63% من إيرادات الموازنات الحكومية وأكثر من 40% في المتوسط من إجمالي الناتج المحلي).

وكمؤشر إضافي على الثقل العالمي الذي باتت تتمتع به اقتصادات دول مجلس التعاون، بلوغ إجمالي ناتجها المحلي 56 .1 تريليون دولار (بحسب بيانات مصرفية خليجية)، في عام 2012 وهو ما يشكل 2 .2% من إجمالي الناتج العالمي . وهو ما يضعها في مصاف طليعة الاقتصادات الصاعدة، سواء من حيث وتيرة معدلات النمو وقوة دفعها الداخلية، أو من حيث المستوى الذي بلغه حجم هذه الاقتصادات بالأرقام المطلقة، والذي يضاهي حجم طليعة الاقتصادات الصاعدة مثل الاقتصاد البرازيلي والاقتصاد الهندي والاقتصاد الروسي، وهو ما وجد ترجمته في تمتع المملكة العربية السعودية، صاحبة أكبر اقتصاد في منظومة دول مجلس التعاون، بعضوية مجموعة العشرين (G-20) التي تضم كبريات الاقتصادات العالمية.
وكانت دول مجلس التعاون أكدت ثقلها وريادتها الإقليمية والدولية من خلال حضورها البارز ومبادراتها الفاعلة في الشأن الاقتصادي العالمي، لاسيما النفطي منه . فكان بعض بلدانها (المملكة العربية السعودية ودولة الكويت) من بين الدول المؤسسة لمنظمة الأقطار المصدرة للبترول “أوبك” في عام ،1960 قبل أن تنضم إليها قطر في عام1961 ودولة الإمارات في عام 1967. ولسنا بحاجة لتبيان ثقل “أوبك” في الحياة الاقتصادية الدولية، ودورها الحاسم في صناعة سياسات الطاقة العالمية ومساهمتها الأساسية في التجارة الدولية وتدفقات الاستثمارات المباشرة عبر العالم.
كما أن دولة الكويت والمملكة العربية السعودية كانتا (ومعهما المملكة الليبية آنذاك) وراء مبادرة إنشاء منظمة الدول العربية المصدرة للبترول “أوابك” في عام ،1968 في أعقاب مؤتمر القمة العربي الذي عُقد في الخرطوم في 29 أغسطس/آب عام1967 ، حيث اتُفق على أن تكون دولة الكويت مقراً للمنظمة، قبل أن يتم تعديل الاتفاقية المُنشِئة للمنظمة، كي يفسح المجال أمام دول عربية أخرى للانضمام إلى عضويتها، حيث انضمت إليها فيما بعد كل من مملكة البحرين ودولة الإمارات ودولة قطر في عام ،1970 الى جانب كل من ليبيا (1968)، والجزائر والعراق (1972)، وسوريا (1972) ومصر (1973).
وتسهم بلدان مجلس التعاون الأعضاء في منظمة “أوبك” من خلال صندوق أوبك للتنمية “أوفيد” الذي أنشئ في عام 1976 ومقره فيينا، في تقديم الدعم والمساعدة لتمويل مشاريع التنمية في الدول النامية.