IMLebanon

البتكوين وبداية طريق التشريعات

Bitcoin2

زياد محمد الغامدي

لا يتولد عن الفوضى إلا الدمار، ولا يقاوم الإصلاح إلا الجهلة وأصحاب المصالح المشبوهة. ولا يأتي التنظيم والتشريع إلا بخير، ولا يتولد عنه سوى حفظ الحقوق والمصالح. وحزمة التشريعات “المقترحة” التي أعلنت عنها سلطات المال في نيويورك، والتي تأتي بغرض تنظيم تداولات وتعاملات العملة الافتراضية “البتكوين”، والتي طرحت رسميا لأخذ وجهات النظر فيها قبل تطبيقها، بداية مريحة للوسط المالي في نيويورك والعالم أجمع، كون الولاية تمثل مصدر كثير من قوانين وتشريعات مكافحة غسل الأموال وتشريعات محاربة الجرائم المالية بأشكالها وأنواعها كافة. وعلى عكس كثير من الدول “روسيا والصين على سبيل المثال” التي منعت تعاملات البتكوين، ارتأت ولاية نيويورك تنظيم هذه التعاملات وتشريعها. وهي بذلك لا تقطع الطريق أمام أي ابتكار مالي وفي الوقت نفسه لا تسمح باستخدام الابتكارات المالية لأغراض مشبوهة وغير شرعية.
وكعادة أي تنظيم جديد يقابل الأمر بامتعاض وتشكيك، فكثير من المتعاملين أبدو تذمرا، متحججين أن مثل هذه التشريعات تقطع طريق الابتكار والتقدم والإبداع في ابتكار منتجات مالية تلبي الحاجات المختلفة للجمهور. ولكن حين الإمعان في التشريعات المقترحة، “وما زالت سلطات المال في الولاية تدرس الآراء المختلفة حيال الأمر”، يجد أنها جميعا تصب في خانه مكافحة استخدام البتكوين لأغراض مجرمة. فعلى سبيل المثال، تقترح التشريعات المالية الحصول على تصريح مسبق من السلطات المالية قبل الانخراط في تقديم خدمات تداول البتكوين. كما وتفرض التشريعات المقترحة التزام المنشآت التي تتداول البتكوين بقواعد مكافحة غسيل الأموال وتمويل الجريمة متطابقة مع ما تلتزم به المصارف وشركات تداول العملات وشركات وساطة الأسهم. كما وتقترح التشريعات قواعد صارمة للحفظ المستندي، تمكن السلطات من تعقب جميع عمليات بيع وشراء واستخدام البتكوين. وهذه الاقتراحات وغيرها لن تعوق بأي شكل من الأشكال الابتكارات المالية والتقنية، بل على العكس ستقطع الطريق على العصابات أن تستغل البتكوين وغيرها لأغراض تمويل الجرائم وتمويل السلع الممنوعة وغيرها من الاستخدامات المجرمة. وشخصيا أرى أن هذا التنظيم سيؤدي إلى مزيدا من الإقبال على تعاملات العملة، لأن كثير من المهتمين لا يتعاملون بها خوفا من الوقوع في المحظور والممنوع. كما أتوقع إقبال مؤسسي كبير في قبول البتكوين كوسيلة للبيع والشراء حال تفعيل القوانين والتشريعات المنظمة.
الحقيقة أن النهج الذي انتهجته سلطات المال الأمريكية، والمتمثلة في التنظيم والتشريع بدل المنع، دليل على حرص القائمين على الشأن المالي إبقاء الباب مفتوحا أمام كل جديد يلبي الاحتياجات المالية للمتعاملين والمستثمرين وغيرهم. وعلى الرغم من غموض بدايات البتكوين، إلا إنها أصبحت واقعا مقبولا ووسيلة دفع ترتضيها كثير من المؤسسات والشركات في مختلف القطاعات، حتى أن هناك جامعات تقبل البتكوين كوسيلة للدفع مقابل رسوم التعليم. بل إن هناك صفقات عقارية بعشرات الملايين من الدولارات تتم باستخدام البتكوين. كما أن التشريعات تتأتي بعد ثبوت استخدام البتكوين بين المجرمين وخصوصا تجار الأسلحة والمخدرات وغيرها، والتشريع يأتي كوسيلة فعالة لتعقب الجريمة ومن ثم القضاء عليها.
لم تكن القوانين والتشريعات في يوم من الأيام سببا في إعاقة التطوير والتقدم والابتكار، بل على العكس كانت دائما عاملا محفزا ومنظما لجميع محاولات تقديم الجديد والمفيد والذي يخدم احتياجات مختلف شرائح المستثمرين والمتعاملين بالأدوات المالية والاستثمارية. كما تقطع القوانين والأنظمة الطريق أمام محاولات المجرمين الدائمة لاستغلال الجديد بما يخدم مصالحهم وتوجهاتهم الشريرة. إن المقترحات القانونية والتشريعية المقدمة من سلطات المال في نيويورك والتي من المتوقع أن تعمم على الوسط المالي في العالم تصب في خانة قطع الطريق، أما محاولة خطف البتكوين لاستخدامها لغرض الجريمة، كما وأنها تخدم محاولات تعقب استخدام العملة الافتراضية للأغراض الإرهابية والمجرمة، وخصوصا أن هناك إحصاءات “غير رسمية” تشير إلى أن أكثر من نصف تداولات العملة تتم بين وسط العصابات المنظمة، وخصوصا كوسيلة للقمار وكوسيلة دفع للمخدرات والأسلحة. إن طريق التقدم والابتكار والاختراع لا يصطدم بأي حال من الأحوال مع التشريعات والقوانين، ولنا في التقدم الطبي والزراعي والتقني مثال واضح على ذلك، بل على العكس، كانت التشريعات عاملا مهما في حفظ الحقوق الفكرية للمبتكر والحقوق المالية للمستخدم والمتداول على حد سواء. ومن يعلم، فقد يأتي اليوم الذي يظهر فيه مبتكر البتكوين على الملأ، مطالبا بحقوق ملكيته الفكرية لاستخدامات البتكوين المختلفة.