IMLebanon

منطقة اليورو: تكهّنات إقتصادية للعبة سياسية

Joumhouriya-Leb

بروفسور غريتا صعب

هذا الواقع لا يعني انّ اليورو سوف يزول اذا أرادت السياسة عكس ذلك. وهذا لا يعني بالمطلق انّ الاقتصاديين لا يفهمون ما يحدث بل فقط لأنهم ليسوا صانعي القرار، لذلك يبقى القول إنّ الإقتصاديين اكثر ما يمكنهم فعله هو ترقب قرارات المركزي الأوروبي، وتحليل نتائجها على أوروبا والمنطقة عموماً وعلى اليورو خصوصاً.
واذا ما تطلّعنا الى أوروبا اليوم نرى انّ مشاكل أصلية كثيرة ناتجة عن الأزمة المالية العالمية لا تزال موجودة ولا سيما أنهالم تتغير في الأعوام الخمسة الماضية: أزمات مصرفية حادة، فروقات ضخمة في الإنتاجية عبر القارة، واختلالات تجارية، إضافة الى غياب واضح للقيادة السياسية في الاتحاد الأوروبي.
وأفضل دليل على ذلك قد تكون بيانات المديونية إذ إنه وبعد خمس سنوات من التقشف لم تنخفض مستويات الديون في أوروبا ولا بل ارتفعت، وحسب بيانات المفوضية الأوروبية فإنّ مستوى الدين مقارنةً بالناتج في كثير من هذه الدول ولا سيما في اليونان وإيطاليا وبلجيكا وقبرص والبرتغال فاق نسبة الـ١٠٠٪ من الناتج والمسارات الحالية لبعض الدول الأخرى ما لا يوحي إطلاقاً بالتفاؤل ولا سيما أنّ اسبانيا وفرنسا قد تنضم الى هذه الدول في المدى القريب جداً.
ولذلك فإنه يمكن القول وبعد خمس سنوات على قيام المركزي الأوروبي بمحاولات إصلاحية، متأثراً الى حدّ كبير بسياسات لم تثبت الى الآن فعاليتها، ها هو لا يزال يحاول جاهدا معالجة المشاكل الأساسية لاقتصادات أوروبا من دون أن تكون تدابيره ناجحة؛ فالمديونية زادت في دول عدة كما ذكرنا، والبطالة تفاقمت والنسب التضخمية المتدنّية ما زالت على حالها رغم تكهنات صانعي القرار تعود الى ما قبل عامين وتستمرّ بأنّ الأشهر المقبلة سوف تشهد تحسناً في هذه السنة، وعالوعد…
وبطبيعة الحال سوف يستنفد المركزي الأوروبي جميع الوسائل لمنع حصول ازمة جديدة من خلال ضخّ المزيد من الأموال للمصارف، والتي من المنتظر أن توفرها من اجل تحفيز النموّ الإقتصادي وتجنب إفلاس البنوك والحكومات شبه المفلسة، ولغايته جميع البرامج التي أُدخلت لاحتواء ازمة منطقة اليورو لم تغيّر شيئاً يُذكر، انما في قاموس العمليات المعدّة مثل OMT, TLTRO, LTRO,SMP, SSM وهي مجموعة من عمليات كثيرة جرّبتها أوروبا في هذا الشأن. وهذه السياسات يمكن أن تستمرّ طالما تتوافر الإرادة السياسية للقيام بذلك ورضى ألمانيا والبوندسبنك.
لذلك قد يكون السؤال هل إنّ سياسة التقشف ذهبت الى غير رجعة؟ وهل إنّ إنجيلا ميركل لم تعد قادرة على التأثير في أوروبا؟ الجواب هو عكس ذلك تماماً. ميركل لم تزل في أوج قوتها والبوندسبنك ما زال قادراً على منع ايّ سياسة مالية او نقدية تتنافى مع مصالحه الاقتصادية وقدراته التنافسية ورغباته في إبقاء العملة على المستوى التي هي عليه.
وقد تكون مجموعة هذه البرامج التي سبق وذكرناها هي عملية شراء وقت فقط لا غير وإعطاء فرصة لاوروبا بإجراء اصلاحاتها الاقتصادية والمالية وتحسين قدراتها التنافسية ومحاولة التخفيف من عبء ديونها.
وهذه الجولة الجديدة من القروض الطويلة الاجل ليست سوى فرصة لخفض تكاليف الاقتراض وضخّ مزيد من السيولة في المصارف وزيادة الاعتماد على الاقتصاد الحقيقي.
أما بعد تكهنات الاقتصاديين في شأن برنامج الـ LTRO، وهذا ليس بالمطلق، المتفائلة كثيراً، بحيث يذكر الكثير منهم أنّ الجولات السابقة من الـ LTRO والتي لم تعطِ نتائج يمكن اعتبارها أحدثت تغييراً جذرياً في منحى الأمور ولم تعطِ مفاعيل اكثر من عمليات التيسير الكمّي التي حدثت في اليابان والولايات المتحدة والمملكة المتحدة من حيث النموّ وتحفيزه، انما كان لها الأثر الأكبر في مستوى عائدات السندات.
هذا مع العلم انه واذا ما تطلّع المرء الى شروط الـ LTRO يرى أنها الى حدّ ما نسخةً عن التيسير الكمي، طباعة النقود من اجل تحفيز النموّ، ويكون الفارق الوحيد انه بدل من شراء الأصول المالية. وللعلم وبموجب هذه الخطة يمكن للمصارف أن تقترض. واذا ما اظهرت ايجابية في عمليات الإقراض يمكنها أن تحصل على تمويل جديد يصل الى ثلاثة اضعاف صافي القروض الجديدة والإحتفاظ بهذا المال حتى العام ٢٠١٨.
وهكذا قرارات لا يمكن اتخاذها بمنأى عن البيئة الإقتصادية العالمية ولا سيما الإقتصادات الكبرى، حتى لو كان المركزي الأوروبي يؤيّد الشروع في التيسير الكمّي في عام ٢٠١٥ فإنّ مجلس الاحتياطي الفيديرالي يتجه نحو رفع سعر الفوائد حوالى الربع الثالث من العام ٢٠١٤ ما يعني تشديداً في سياسة هذا المجلس والذي سوف يؤدّي الى اعادة تسعير المخاطر ما يصعّب على المركزي الاوروبي السير في اتجاه معاكس ويترك فرصاً ضئيلة جداً له.
ويعني هذا انّ الـ LTRO يحتاج عملياً الى تنشيط سريعٍ وإلّا جاءت النتائج معاكسة لما يتمناه الاوروبيون. اضف الى هذه البيئة العالمية المتناقضة مع ما يجري في اوروبا ما سبق وذكرناه من أنّ الجانب السلبي في عملية الـ LTRO هي انه لا يمكن للبنك المركزي الأوروبي السيطرة التامة على ما يمكن أن تختار فعله المصارف مع هذه الأموال الجديدة.
أما اوروبا حالياً فتشهد نسبَ تضخّم دون المستوى المطلوب و»المؤشر المركب» «Composite index» للخدمات ونشاط الصناعة انخفض الى ادنى مستوى له هذا العام والناتج الصناعي لمنطقة اليورو انخفض بنسبة ١،١٪ بين نيسان وأيار.
وفي المطلق هنالك قلق من إمكانية فشل الانتعاش في منطقة ما تزال عرضة للصدمات المالية التي تفاقمت بعد أن فشلت المجموعة المصرفية والتي تشمل بنك Esprito Santo SA، ثاني اكبر مقرض، في سداد الديون القصيرة الأجل، كما اربك الأسواق العالمية وقد ينتج منه ازمة مصرفية جديدة لمنطقة اليورو الأكثر مديونية، لذلك لم تأتِ التكهنات متفائلة ولو نسبياً، وفي غالبيتها متشائمة ولديها شكوك في شأن قوة الانتعاش.
لذلك كله قد يكون الحديث عن أوروبا واقتصادها طويلاً جداً، وقراءة أفكار وأقوال «كلّ ما يلزم» لـ»سوبر ماريو» قد لا تكون كافية في مجموعة من الدول اكثر ما يُقال فيها، إنّ هناك تناقضاً قوياً في اقتصاداتها، وتمايزاً في أدائها، وتداخلاً سياسياً في قراراتها، ما يجعل من الصعب التكهن بحسنات هذه الأدوات وأثرها في الإقتصاد.