Site icon IMLebanon

Atlanticcouncil عن دبلوماسيين سوريين: خطة الأسد تعتمد على عاملَيْ الوقت والارهاب

Syria-Revolution2

 

بقلم بسام برباندي و تايلر جس تومسون

مع بداية مهنتي كدبلوماسي سوري تاثرت بالتخطيط الاستراتيجي لعائلة الأسد. واحدى الذكريات الواضحة في هذا المجال تعود إلى العام2007 خلال زيارةٍ لرئيس الوزراء العراقي نور المالكي لسوريا. وأذكر أني كنت أجلس مقابل مرآة في غرفةٍ مجاورة لصالة الغداء في فندق فور سيسنس في دمشق وكنت أنا و نائب الرئيس محمد ناصيف نتابع حفل استقبال يضم الوزراء السوريين ونظرائهم العراقيين.

أخذنا الملاحظات ورصدنا تفاعلاتهم، و اكثرنا من طلبنا للخدم للتشويش علي المحادثات وافتعال حركة تغير في دينامكية الغرفة. وفي وقتٍ كان ناصيف و انا نأخذ ملاحظات بادق تفاصيل الحديث و كل لفتة عابرة، أدركت أن نظام الاسد لا يهمل أي تفصيل: يضع دائما خطة لا تفوت الفرص ولا تترك مجالا للصدف. وبناء عليه فان صعود الدولة الإسلامية في العراق والشام ليست استثناء عن هذه القاعدة.

دور الدولة الإسلامية في العراق والشام ينسجم مع الخطة التي افادت الأسد في عدة مناسبات. فعند ظهور الأزمات، يحاول الأسد عادة توريط خصومه للرد ويأمل بتنفيذ هذه المناورات الدبلوماسية محاولة منه لتحويل الانظار بعيدا عن اخطاء الحكومة السورية. ومناورته المفضلة هي الإرهاب لأنها تسمح له بالظهور كالرادع الاقوى لإحتواء الارهاب بانتظار حصول احداث عالمية تحول التركيز الدولي على الأزمة السورية.

إستخدم الأسد هذا النهج لحماية نفسه بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري. وفي التفاصيل، وقتئذ لجأ زملائي الى خطوات تظهرهم في موقع المتعاون مع التحقيقات في حين انهم كانوا يراوغون بغية المماطلة وعندما طلبت المحكمة بعض الوثائق، أغرقتها الحكومة السورية بأطنان من المعلومات. كما انه عندما خطّط موظفو المحكمة لزيارة سوريا، أرسلت الحكومة توضيحات لا تحصى و لا تعد و غيرت برنامج الزيارة والمواعيد في اللحظة الأخيرة لعرقلة العملية. وفي الوقت عينه، يستخدم الاسد “حزب الله” كوكيل إرهابي له لتأجيج التوترات الطائفية في لبنان ويتابع أيضا تسهيل تدفق المقاتلين السنة المتطرفين إلى العراق وهكذا استطاع الاسد بهذه الاساليب تحويل الاهتمام الدولي من سوريا إلى اعطاء الاولوية لتامين الاستقرار في الدول المجاورة مما جعل الغرب ينظر اليه انه ضامن للاستقرار بالرغم من انه ما زال يشكل اشكالية ومن هذا المنطلق تلاشت الأنظار عن مساءلته في مؤامرة إغتيال الحريري.

جدد الأسد إستخدام هذا النهج بعد قيام المظاهرات غير العنيفة في سوريا ونزول المحتجين إلى الشوارع مطالبين بالحرية والإصلاح في عام 2011. و في حينه قام أقرب مستشاري الأسد بدرس انتفاضات الربيع العربي في مصر وتونس وليبيا واليمن لصياغة نهج من شأنه أن يحمي النظام. وتوصلت هذه المجموعة الصغيرة من النخب السياسية إلى خلاصةٍ مفادها أن أي تنازلات ذات مغزى نتيجة المظاهرات غير العنيفة يمكن أن تعجّل في انهيار النظام. عندها قرر مستشارو النظام عدم القيام بأية إصلاحات تضعف قبضة الأسد على السلطة كما إستخلص الأسد بأن الجوء المتسرع إلى مذابح كبيرة، أو التهديد بها كما حصل في الحالة الليبية، يمكن أن يؤدي إلى تدخل قوات حلف شمال الاطلسي أما الزيادة المتدرجة في العنف ضد المعارضين فمن المرجح أن تحصل دون رادع. و من هذا المنطلق كان الأسد بحاجة إلى اتخاذ خطوات من شأنها تمرير الوقت و إثبات نفسه كحالةٍ لا غنى عنها سواء بالنسبة للمجتمع الدولي أو للسوريين الذين يخشون الإنتقام من الأغلبية السنية.

ولتحقيق هذه الأهداف، غير الأسد وجهة الثورة السورية الحديثة الولادة من واحدةٍ تنادي بالإصلاح إلى ثورةٍ ذو وجه طائفي و عزز وجود المتطرفين في سوريا إلى جانب النشطاء. علاوة على ذلك، قام بتسهيل تدفق المقاتلين الأجانب المتطرفين لتهديد الاستقرار في المنطقة. كما إستغل كل فرصةٍ لقتل الوقت: مثل صفقة تسليم الأسلحة الكيميائية وتنفيذها البطيء وعملية جنيف. وقد سمح الشلل الدولي للاسد بتقديم نفسه كحليف في الحرب العالمية على الإرهاب، ورخًّص له بسحق المدنيين دون عقاب. وقد ظهرت الدولة الإسلامية في العراق و الشام كواحدة من تلك الحالات التي أنشئت لضمان بقاء الأسد، من خلال سعيه وحلفائه الإيرانيين لوضع هذا الصراع في إطار طائفي إقليمي، يوًدي الي خيارين لا ثالث لهما: اما دعم القوى العسكرية اوالمتطرفين السنة .

في وقت مبكر من الانتفاضة كنت متمركزاً في واشنطن وقد سعى نظام الأسد في حينه إلى التسويق بأن الثوار السوريين يريدون القضاء على الأقليات غير السنية وعندما تلقينا تقارير تفيد بان الحكومة قتلت ما يقارب 250 شخصا في درعا، إتصل نائب وزير الخارجية مقداد الفيصل ليؤكد لي وللسفير انه لم يكن هناك قتل وأن الأمر هو مجرد سوء تفاهم طائفي تم ايجاد حل له من قبل الحكومة. وعندما تحولت الاضطرابات إلى نزاع مسلح، ساهم اختيار الأسد للقوى الشيعية كحزب الله والحرس الجمهوري الايراني الى تحويل الصراع الى حرب إقليمية مذهبيةٍ بالوكالة لخلق دينامية تجعل الغرب يهمل المسألة بسبب تعقيداتها أو تناقضها مع مصالحه.

وشملت الخطة أيضا السماح للجماعات السنية المتطرفة في النمو والتنقل بحرية من أجل تعقيد أي مهمة دعم غربي للمعارضه السورية. فقد غذى نظام الأسد وإيران صعود تنظيم القاعدة، ومن ثم داعش، في سوريا. ففي خطاب له في آذار 2011 ادعى الأسد التصدي لمؤامرة إرهابية دولية تسعى لاسقاط حكومته.لكنه خلال هذا الوقت حرر أسرى متطرفين ذو قدرات قتالية عالية من سجن صيدنايا ذو السمعة السيئة وقد تحول هؤلاء المقاتلون إلى قيادة جماعات متشددة مثل الدولة الاسلامية في العراق والشام و جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة.

بالتزامن مع سياسة نشر الإرهاب، كان الأسد يسجن الآلاف من الناشطين غير العنيفين و المؤيدين للإصلاح، وكثير منهم لا يزالون في السجون الحكومية حتي. هدفت كل هذه الجهود إلى جانب قصف بدون هوادة وتعذيب و إستعمال للأسلحة الكيميائية لإسكات و قتل و تهجير المدنيين حتى يتسنى للمتطرفين أن يملأوا الفراغ وكان الأسد حريصا على عدم اتخاذ أي خطوات لمهاجمة الدولة الإسلامية في العراق و الشام و تركها لتنمو سلطة وقوة.

و كان إعلان الخلافة من قبل الدولة الاسلامية في العراق والشام مفيدا لصرف انظار العالم عن الدمار الذي يلحقه الأسد بالمجتمع السوري . اما الآن و بعد أن نضجت داعش بالكامل، قدم نظام الأسد وإيران نفسيهما كشريك للولايات المتحدة. و للمرة الأولى، ضرب الأسد مواقع “داعش” في الرقة ومواقع داخل العراق، ليحصد بذلك البذور الإرهابية لداعش التي سبق و زرعها لقمع حركة الإصلاح المدنية. و سيواصل الأسد إظهار نفسه كمساعد في ضرب الإرهاب من خلال حملات جوية متقطعة و إرسال تفاصيل و معلومات استخباراتية عن المقاتلين المفرج عنهم من السجون.

كما وان الحرب في غزة وأوكرانيا و صعود داعش في العراق جعلت الأسد بمامن مرة أخرى لأن العالم مقتنع بمعالجة أولويات أهم و قد يستنتج مرة أخرى أن الأسد هو ديكتاتور ضروري للاستقرار في منطقة مضطربة .وبغياب أي رقابة يمكن للأسد أن يقوم من جديد بالعودة إلى غرفته الخفية والتلاعب بمختلف الأفرقاء. كما ان تنسيق الولايات المتحدة مع روسيا، وإيران، و”حزب الله”، و حكومة الأسد في مكافحة “داعش” ستلعب مباشرة لمصلحته. وسيثبت الأسد مجدداً أنه قد نجح مرة أخرى في الافادة من الوقت والإرهاب.

خدم بسام برابندي عمل كدبلوماسي لعقود عدة في وزارة الخارجية السورية. استطاع خلال مسيرته فهم اسلوب عمل النظام وشارك هذه المعلومات في نهاية المطاف مع مسؤولين أمريكيين. وبعد فشل السياسة الامريكية في سوريا قرر مشاركة أفكاره حول الأزمة مع الراي العام. هذا المقال هو نتيجة المناقشات بين برابندي والمحامي الدولي تايلر جيس تومسون، مدير السياسات في مؤسسة متحدون لاجل سوريا حرة (United for a Free Syria).

لقراءة النصّ بنسخته الإنكليزية إضغط هنا.