اشار رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع الى ان الزنزانة تذكره دوماً بثورة الأرز، باعتبار أنه سمع عن هذه الثورة للمرة الأولى عندما كان موجود فيها، وقال: “باتت الزنزانة الصغيرة وراءنا مجرّد ذكرى للعبرة، ولكن المشكلة في الوقت الراهن هي في الزنزانة الكبيرة التي نعيشها اليوم في لبنان، وفي الحبس الكبير الذي يعاني منه الشرق بأكمله، فهذا الحبس الكبير، كان الشرق أصلاً موجوداً فيه، فما يحدث اليوم هو أن هذا الشرق يحاول ان يخرج منه، ونشهد ما نشهده لأن السجّان بلا قلب، ولا رحمة، ولا شفقة”.
جعجع، وفي احتفال لحزب “القوات اللبنانية” لمناسبة الذكرى التاسعة لخروجه من المعتقل، لفت الى أن الشرق كان يعيش ظروفا اصطناعية مفروضة عليه بقوة الأنظمة، ولكن اليوم بدأ يكتب تاريخه الحقيقي، إنما للأسف بأغلى ثمن ممكن، وبأسوأ طريقة ممكنة.
وتابع:”ان الزنزانة الكبيرة في لبنان، لم نكن نحن أصلاً في داخلها حتّى في عزّ أيّام الحرب، ولكن في السنوات الخمسة والعشرين الأخيرة يحاولون إدخالنا إليها، إنها زنزانة من دون جدران بل مع ضغط كبير، إنها زنزانة فيها شحّ مياه دائم، وشحّ غذاء دائم، وشحّ هواء دائم، هي زنزانة مكهربة دائماً، ولكن من دون ضوء، فحتّى الأمن ليس مؤمناً في داخلها بل فيها تفجيرات، وإنتحاريون، وسلاح وصواريخ…”
وأكد أن أسوأ ما في هذه الزنزانة أن “الطاسة ضايعة فيا”، فالحكومة حكومات، السلطة متواجدة في المكان الذي تريده، وغائبة في الأماكن التي لا تريدها، وأبواب الزنزانة مخلّعة، حدودها سائبة، وليس لها رئيس…”، سائلاً :” لماذا لا رئيس لها؟ الجواب: للحفاظ على حقوق المسيحيين!”
ورأى جعجع أن السجّانين يتناوبون على دوامين، الدوام الأول: هواه ليس لبنانياً، تطلّعاته ليست لبنانية، مشاريعه ليس لها علاقة بلبنان إلاّ كزنزانة بالسجن الكبير. أما الدوام الثاني: لا هوى له أو بالأحرى هواؤه يتغيّر مع مصالحه التي تأتي دائماً في مقدمة أولوياته”. تابع: “نحن نقول لبنان أوّلاً، بينما هو يقول “أنا أوّلاً… وأخيراً”، وهكذا يقضي الشعب اللبناني وقته في الزنزانة بين هواء غير لبناني، وبين هواء غير صحّي، ولكن غاب عن بال السجّانين أنّ مرّ علينا إمبراطوريّات كبيرة وسلطنات كثيرة، ودولاً، وولاة، وطغاة، وكلّهم غادروا وبقينا نحن”.
وأضاف: “مئات المرّات في تاريخنا كسَّرنا الزنزانة وخرجنا منها، وهذه المرّة من جديد، سوف نحطّم الزنزانة ونخرج منها، فكما تحرّرنا من الزنزانة الصغيرة، سوف ننعتق من الزنزانة الكبيرة، فالزنزانة اليوم بالنسبة لنا ذكرى، ولكن غداً سوف تكون لهم عبرة”.
جعجع شرح ما كان يحصل معه في الزنزانة، فقال: “حياة بكاملها قضّيتها في هذه الزنزانة الصغيرة. ضحكت، بكيت، قمت، ونمت، وكان عندي برنامج عمل يومي كنت أضع كل جهدي لتنفيذه، تماماً كما أفعل الآن، مع فارق في المواضيع والزمان والمكان… كنت أسهر ليالٍ لوحدي، ولكن في الحقيقة لم أكن لوحدي، كان الناس يعتقدون انني متروك، ولكن بالفعل لم أكن كذلك”.
وتابع :” في يوم من الأيام، رأيتُ المحققين في السجن في ذهاب وإياب، منشغلون ومصرّون على تركيب تهمة عليّ، فقدّرت أنّهم ممكن أن يكونوا يتحضّرون ليأخذوني ويعدموني بتهمة ظاهرية وحكم محضّر، فبدأتُ أتحضّر إذا ما قاموا بما كنت أفكر به ما هو آخر شيء سأقوله لهم، فكرت مطوّلاً الى أن استقرّ رأيي عند هذه الجملة: “حافظ الأسد أكبر كذّاب ومجرم في التاريخ، وإنتو اللي هون أكبر جبناء ومصلحجيّة وخوَنة وصعاليك بالتاريخ!” هذه العبارة ألا تصح الآن ولو جزئيّاً؟”
وأضاف:” وفي مرّة من المرّات قضّيت ليلة بكاملها سهراناً، أنا وفراشة صغيرة لا اعرف كيف وصلت الى الزنزانة الموجودة تحت سابع أرض؟ ربما كانت قد حطت على ثياب عسكري ما في الخارج، وحين وصلت الى الداخل انتقلت الى الحائط.”
وقال:” وأنا في الزنزانة لبست للمرّة الأولى في حياتي نظارات طبية، كان عمري آنذاك 48 سنة. شعرتُ حينها أنني سوف أشيخ في الزنزانة، كنت أفكرُ دائماً بزوجتي ستريدا، ولكن الهاجس الأكبر لدي كان أنّ يموت والدي وأنا في الزنزانة، الأمر الذي انقذني الله منه، وبقي أبي معنا الى الأمس القريب ومات موتة طبيعية في مكان وزمان طبيعيين.”
وأردف :”حين نقلوني من تحت الأرض الى فوق الأرض قبل بضعة أشهر من إطلاق سراحي، حزنتُ جداً، وفي الليلة الأولى فوق الأرض، مع إنّي انتقلتُ الى غرفة أكبر بكثير من الزنزانة وتدخلها أشعة الشمس، لم أتمكن من الأكل على العشاء، كانت أكثر مرّة أشعر فيها أنني معتقل، ليس لأنني اقتربت من الخروج، ولكن لأنني ابتعدت عن نقطة المواجهة الأقسى في حياتي، وكأنني طالب جامعي أُعيدَ الى المرحلة الإبتدائية”.