Site icon IMLebanon

سندات الخزانة توفّر دليلا أفضل على اتجاه الفائدة الأمريكية

FinancialTimes

هيني سندر

من الواضح أن الأسواق لم تفزع مما كانت رئيسة مجلس إدارة الاحتياطي الفيدرالي، جانيت ييلين، تقصد أن يكون بياناً دقيقاً في تقريرها نصف السنوي عن السياسة النقدية الذي قدّمته للكونجرس الأسبوع الماضي.
وفي حين أن بعضهم شعر بـ “رسالة صقورية إلى حد ما” إلا أن معظم أسواق المخاطر تثاءبت وواصلت عملها.
ستيف إنجلندر، المحلل الاستراتيجي لأسواق العملات في سيتي جروب، ذكر في ورقة بحث بعنوان “لا يوجد خوف من ييلين ولا بغض لها في أسواق الأصول” أن “عملات الأسواق الناشئة ترتفع بشكل كبير بين ليلة وضحاها، والعقود الآجلة في مؤشري ستاندر أند بورز وناسداك أعلى مما كانت عليه قبل بدء ييلين الحديث”.
بعبارة أخرى، الأسواق تبقى غير عقلانية كما هي في أي وقت مضى. ويعتقد محللون أن الاحتياطي الفيدرالي ينبغي أن يقوم بالتشديد في وقت قريب، وأن أسعار الفائدة المرتفعة ستكون جيدة بالنسبة للاقتصاد. لكن المستثمرين يرغبون في بقاء أسعار الفائدة منخفضة لتعويم أسعار الأصول. وليس واضحاً ما إذا كانت الأسواق قد بدأت تفقد ثقتها بصدقية الاحتياطي الفيدرالي، لكن يوجد المزيد ممن يشككون في فاعلية سياسات البنك. وفي الأسبوع الماضي ضم لاري فينك، مؤسس شركة بلاك روك، صوته القوي إلى أولئك المتشككين الذين يطالبون بنهاية أسرع لسياسات الاحتياطي الفيدرالي.
وأثناء مخاطبتها مجلس الشيوخ، أشارت ييلين بنوع من التهوين إلى أن “الانتعاش لم ينتهِ بعد”. كما أشارت إلى ثلاثة أمور تعاكس تحقيق الحد الطبيعي الكامل للأسعار. وهذه تتضمن توقعات ضعيفة لصحة الأُسر المالية في المستقبل (التي يجب أن تكون نتيجة لعدم القدرة على كسب مبالغ كبيرة على مدخراتهم)، وتشديد الائتمان العقاري، وانخفاض نمو الإنتاجية.

وفي وقت سابق، في اجتماعها خلال حزيران (يونيو)، خفضت اللجنة الفيدرالية للأسواق المفتوحة توقعاتها للنمو الاقتصادي للعام ليصبح بين 2.1 في المائة و2.3 في المائة بعد أن كان بين 2.8 في المائة و3 في المائة.
بناء المساكن، وهو نقطة بيانات تعتبر حيوية للاقتصاد، انخفض بنسبة 9.3 في المائة في حزيران (يونيو)، في حين كانت التوقعات تجمع على ارتفاع يبلغ نحو 2 في المائة، وهو مستوى شوهد آخر مرة في كانون الثاني (يناير). كذلك تراجعت أذون البناء. ولا يستطيع الاقتصاد التعافي فعلاً بدون الإسكان، ومعظم المنطق وراء التسهيل الكمي إنما هو حول إبقاء أسعار الفائدة منخفضة على الأمد الطويل وجعل القروض العقارية ميسورة.
كذلك مؤشرات سوق العمل ليست من بين أقوى المؤيدين لبرنامج التسهيل الكمي. فعلى الرغم من انخفاض معدل البطالة، إلا أن نوعية الوظائف أصبحت متدنية. وخلال 48 شهراً من الـ 49 شهراً الماضية، كان عدد المواطنين في أمريكا الذين تركوا القوة العاملة أكثر من أولئك الذين وجدوا وظيفة، وفقاً لكريس وود، خبير استراتيجية الأسهم في مجموعة سي إل إس إيه.
واستنادا إلى بيانات من شركة بلاك روك، انخفضت نسبة المشاركة أيضاً بشكل أسرع مما تشير إليه التركيبة السكانية. لكن من خلال الحفاظ على أسعار الفائدة منخفضة، فإن الاحتياطي الفيدرالي لا يشجع الشركات على تعيين الموظفين أو الاستثمار في المصانع والمعدات (وأتمتة توفير العمالة). بدلاً من ذلك يقوم الاحتياطي الفيدرالي بمنح الشركات حافزاً للاستثمار في عمليات إعادة شراء الأسهم. علاوة على ذلك، حتى ييلين كانت مضطرة للاعتراف بأن وتيرة نمو تعويضات العمل كانت بطيئة – في الواقع من حيث القيمة الحقيقية، الأجور راكدة تقريباً.
إذن، قد يكون أكثر فائدة للمستثمرين اعتماد ما يقوم به الاحتياطي الفيدرالي، بدلاً من محاولة تخمين ما يقوله. مثلا، الجوانب الفنية الخاصة بالعرض والطلب توفر دلائل حول كيفية التفكير بشأن أسواق الدخل الثابت التي ربما لا تعتبر موضع تقدير من المستثمرين. تلك المعادلة هي سبب كبير لشعور الأسواق بالمفاجأة عندما انخفضت أسعار الفائدة، التي كانت أعلى من 3 في المائة للعام العاشر حتى نهاية كانون الأول (ديسمبر)، على مدى الأشهر الستة الماضية لتصبح 2.4 في المائة.
مثلا، سينتهي الاحتياطي الفيدرالي من برنامجه لشراء سندات الخزانة الأمريكية في تشرين الأول (أكتوبر). لكن الإصدار الكامل لسندات الخزانة الأمريكية انخفض بشكل كبير كنسبة من إجمالي سوق الدخل الثابت منذ ما قبل الأزمة المالية العالمية، لأن عجز الميزانية تتقلص وإيرادات الضريبة ترتفع. وعجز الميزانية للسنة المالية 2009 بلغ 1.5 تريليون دولار، بينما العجز للسنة المالية 2014 يبلغ 475 مليار دولار، ومن المتوقع أن يصبح 425 مليار دولار في السنة المالية 2015. في السنة المالية الماضية اقترضت وزارة الخزانة 800 مليار دولار، في حين يتوقع أن يكون اقتراضها في السنة المالية المقبلة 550 مليار دولار فقط في المجموع.
في عام 2009، أصدرت وزارة الخزانة سندات بقيمة 292 مليار دولار يحل موعد استحقاقها خلال سبعة أعوام أو أكثر. في ذلك العام بلغ إجمالي إصدارات الديون من الدرجة الاستثمارية 419 مليار دولار، أو 1.4 مرة ضعف المبلغ الإجمالي من سندات الخزانة الأمريكية. وكان الفرق في أسعار الفائدة على سندات الخزانة الأمريكية أكثر من 550 نقطة أساس. لكن في عام 2014 صافي الإصدارات من سندات الخزانة سيكون 33 مليار دولار فقط. وفي الوقت نفسه، إصدارات الدرجة الاستثمارية للنصف الأول كانت 290 مليار دولار، أي 8.7 مرة ضعف إصدارات سندات الخزانة الأمريكية، في حين أن هامش الربح على سندات الخزانة الأمريكية تقلص ليصبح 114 نقطة أساس فقط.
يقول ريك رايدر، كبير الإداريين الاستثماريين في قسم الدخل الثابت والمحافظ الأساسية في بلاك روك: “هناك اختلال بين العرض والطلب. صافي العرض لجميع منتجات الدخل الثابت ضيئل، في حين أن صناديق التقاعد وشركات التأمين بحاجة إلى منتجات الدخل الثابت. من المرجح أن تنخفض الأسعار بسبب نقص العرض”.
هذه الأمور الفنية يمكن أن يسيطر عليها المزاج العاطفي، والمعلومات الجديدة، والتطورات الجيوسياسية. لكنها ربما تكون دليلاً يعتد به أكثر من بيانات الاحتياطي الفيدرالي.