محمد وهبة
بناءً على طلب نائب رئيس جمعية مصارف لبنان سعد الأزهري، اجتمع مجلس إدارة جمعية مصارف لبنان قبل أيام واتخذ قراراً بوقف القروض السكنية المدعومة من المؤسسة العامة للإسكان. بعض المصارف طبّقت القرار سريعاً، وتراجعت عنه بالسرعة نفسها، أي خلال يوم أو اثنين على الأكثر، لكن أحد المصرفيين أكّد أن «بلوم بنك» مستمرّ في تطبيق القرار.
أما أسباب امتناع المصارف عن تقديم هذه القروض، فيعود إلى واحد من أمرين وفق ما تقول مصادر معنية بالموضوع؛ الأول هو أنها تريد «كسر ظهر المؤسسة العامة للإسكان لتسويق قروض سكنية ثانية ذات مردود أعلى للمصرف»، والثاني هو أنها تسعى إلى زيادة أسعار الفوائد.
لم يكد يمرّ يومان على اتخاذ مجلس إدارة جمعية مصارف لبنان قراراً بوقف منح القروض المدعومة بواسطة المؤسسة العامة للإسكان، حتى أثار الأمر بلبلة كبيرة بين طالبي القروض. حجم المشكلة وارتفاع منسوب الحديث عنها يكشفان عن طلب كبير على هذا المنتج المالي الذي يوفّر للأسر ذات الدخل الوسطي وما دون قدرة على تملّك شقّة، وغالبية هذه الأسر هي حديثة، أي أنها مؤلفة من زوج وزوجة حديثين. وبحسب تقديرات عاملين في المؤسسة العامة للإسكان، فإن هناك أكثر من 15 ألف ثنائي مقبلين على الزواج سنوياً، وإذا احتسبنا المغتربين والذين تحسّنت قدرات دخلهم وسمحت لهم بشراء شقّة… فإن حصّة القروض السكنية المدعومة من المؤسسة العامة للإسكان من مجمل القروض السكنية الممنوحة في السوق تجاوزت 5700 طلب في عام 2013 ويتوقع أن يزداد الطلب في هذه السنة، علماً بأن محفظة القروض المدعومة من المؤسسة ارتفعت في نهاية الشهر الماضي إلى 61 ألف قرض.
وفي موازاة هذه المحفظة، بدأت المؤسسة تقع بعجز مالي ناجم عن عجز في السيولة لأنها لم تعد قادرة على الإيفاء بالتزاماتها. القسم الأكبر من التزاماتها يمثّل مبالغ الدعم التي تدفعها المؤسسة عن المقترضين وهي تبلغ 15 مليار ليرة شهرياً، أي نحو 180 مليار ليرة.
هكذا بدأت الأزمة. هي أزمة سيولة، وليست أبعد من ذلك، لأنها ناجمة عن سوء تطابق بين محفظة الديون المستحقة على المؤسسة للمصارف بسبب ما تدفعه من فوائد عن المقترضين، وبين محفظة المستحقات التي تحصّلها من القروض ومن موارد أخرى مثل ضرائب التعمير وضرائب رخص الأمتار الصادرة عن نقابة المهندسين بمعدل 2%… رغم ذلك، فإن قيمة العجز المتراكم على المؤسسة تصل إلى 80 مليار ليرة سنوياً، وهذا يفرض إدارة لأزمة السيولة هذه حتى إعادة التوازن في ميزانية المؤسسة والمرتقب ما بين 2016 و2017. وبما أن المؤسسة العامة للإسكان لا تحصل على إيرادات مستحقة لها، فإن إدارة هذه الأزمة كانت ترفع اقتراحاً إلى السلطة السياسية من أجل إعطائها سلفة مالية توفّر لها المبالغ التي تحتاج إليها.
رغم ذلك، لم يكن هناك ارتباك في المؤسسة. فبحسب رئيس مجلس الإدارة المدير العام للمؤسسة، روني لحّود، فإن للمؤسسة أموالاً في ذمة الخزينة تبلغ 380 مليار ليرة «ورغم كل ما يقال، فإن المؤسسة العامة للإسكان واقفة على رجليها وهي تعمل مع المصارف بموجب بروتوكول تعاون ينظّم العلاقة في ما بينهما، ولا يمكن لأيّ منها أي يوقف قروض المؤسسة العامة ساعة يريد ويقدّمها للزبائن ساعة يشاء… لا يمكن التلاعب بالمواطنين بالطريقة التي تحصل حالياً».
وتكرّس المعطيات المتداولة في المؤسسة العامة للإسكان توصيف «أزمة سيولة» وليس عجزاً مالياً ليتبيّن أن المؤسسة دفعت عن الأسر اللبنانية المقترضة أكثر من 1000 مليار ليرة هي جزء من الفوائد المترتبة على قروضهم، وذلك رغم أنه لم يكن لديها هذا المبلغ.
إذاً، لماذا اندفع بعض المصارف في اتجاه تعليق العمل مع المؤسسة العامة للإسكان؟ الإجابة ليست بسيطة، فالنقاشات الجارية بين إدارات المصارف كانت تشير إلى أن بعض المصارف لم يحصل على المبالغ المستحقة له من المؤسسة العامة للإسكان. وبحسب بعض المصرفيين، فإن نائب رئيس الجمعية اقترح وقف التعامل مع المؤسسة العامة للإسكان وتسويق القروض الإسكانية المدعومة من مصرف لبنان بدلاً منها وهي قروض سهلة ولا تتطلب كل التعقيدات والإجراءات والتدابير المطلوبة في عقود القروض المدعومة من المؤسسة العامة للإسكان. وفيما تحاول بعض المصارف القول إن قيمة المتأخرات المستحقة لها من المؤسسة العامة للإسكان تبلغ 55 مليون دولار، فإن مصادر مطلعة تؤكد أن قيمة المتأخرات تصل إلى 25 مليون دولار فقط وأنها محصورة ببضعة مصارف لا يتجاوز عددها 5 مصارف.
لكن المصادر تشير إلى أن للمؤسسة العامة للإسكان متأخرات على المقترضين تبلغ 1200 مليار ليرة، وهي قد اقترحت بيع جزء من مستحقاتها على المقترضين بما يكفي لسداد العجز، لكن المصارف ساومتها على هذا الأمر من أجل شراء قسم من هذه المحفظة بأسعار أقل من قيمتها الفعلية بنسبة 20%، وذلك بعدما جرت عرقلة هذا الحلّ، إذ طلب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من المؤسسة العامة للإسكان أن تستحصل على موافقة من ديوان المحاسبة من أجل الموافقة على هذه العملية، وعندما أقرّ ديوان المحاسبة بإمكان اللجوء إلى مثل هذا الأمر لم يوافق مصرف لبنان ولا المصارف… وأكثر من ذلك، فإن مصرفاً كبيراً ومعروفاً بكونه متحفظاً في السوق، أجرى اتصالات ببعض الزبائن وأبلغهم عدم قدرة المؤسسة العامة على السداد، وأن من مسؤولياتهم سداد المبالغ المتراكمة عليهم… وعرض عليهم أن يفتح لهم حساباً مستقلاً ينقل إليه قيمة الفوائد المستحقة، وإذا لم تسدّد تخضع لفائدة وسطية تبلغ 11.5%.
في الواقع، إن بعض المصارف تجاوبت مع قرار جمعية المصارف، وأبلغت الزبائن أنها توقفت عن تمويل شراء المساكن بواسطة المؤسسة العامة للإسكان، لكنها اكتشفت أن هذا الأمر انعكس سلباً على زبائنها وأثار بلبلة كيبرة في السوق مع إحجام الزبائن عن اللجوء إلى القروض السكنية الثانية لأنها لا تتضمن إعفاءات من رسوم التسجيل وسواها… فتراجعت بعض المصارف عن قرارها وأبلغت الزبائن أنها ستقبل طلباتهم لشراء شقة بتمويل مدعوم من المؤسسة العامة، وأبلغت هذه الأخيرة أنها لن تطبّق قرار جمعية المصارف.