غالباً ما نشهد على أفراد يغيرون مهنهم في منتصف عمرهم بهدف ملاحقة طموحاتهم وتحقيق ولأن وظائفهم لا تشفي غليلهم ولا تعطيهم الحرية بالتحرك والنمو ولا تسمح لهم باستغلال طاقاتهم بشكل كافي. جون مارتن سانت فاليري هو أحد رجال الأعمال الذين بدأوا مسيرتهم المهنية في وظيفة لا تشبه طموحاته فعمل لمدة 8 سنوات مع شرطة لندن. وبعد هذه الفترة اتخذ قرار جريء كان من شأنه أن يغير مسار حياته ويجعله من أبرز رجال الأعمال البريطانيين في المنطقة. بعد قدومه إلى الإمارات عام 2000، قرر إنشاء “لينكس غروب” المتخصصة في تأسيس الشركات في منطقة الشرق الأوسط وتحديداً في الإمارات العربية المتحدة وفي قطر. خلال الأعوام الماضية، تمكن مارتن سانت فاليري من تطوير شركته لتصبح إحدى أهم الشركات في هذا المجال واحتل المرتبة رقم 25 على لائحة أريبيان بزنس لأقوى رجل بريطاني في الإمارات لهذا العام كما احتلت شركته المرتبة الـ 13 عشر بين أفضل 100 شركة صغيرة ومتوسطة في دبي (Dubai SME 100). تحدثنا إلى مارتن سانت فاليري لاكتشاف المزيد عن مغامرته المشوقة إلى عالم الأعمال وبالإضافة إلى معرفة رأيه في آخر التطورات الاستثمارية في الإمارات حالياً.
ولد جون مارتن سانت فاليري في المملكة المتحدة عام 1964 وانضم إلى كلية هندون لعلوم الشرطة (Hendon Police College) عندما لم يتجاوز سنه السادسة عشر عاماً وبدأ العمل مع شرطة متروبوليتان في العاصمة البريطانية لندن عندما بلغ التاسعة عشر من عمره واستمر في العمل هناك لمدة ثمانية سنوات. وعندما أقدم مارتن سانت فاليري على عقد قرانه في أواخر الثمانينات، ترك العمل في سلك الشرطة وبدأ البحث عن وظيفة أكثر أماناً وذات مدخولاً مالياً أكبر من أجل عائلته المستقبلية. فدخل عالم المبيعات وتطوير الأعمال (Business Development) حيث لطالما جذبه القطاع الخاص وانضم إلى شركة كوداك العالمية كمدير حسابات في لندن حيث عمل على بيع المستلزمات المكتبية لشركات متعددة الجنسيات. وبعد ذلك عمل مع سيتي بنك (Citibank) في مجال البطاقات الائتمانية.
في عام 1997، انتقل رجل الشرطة السابق مع عائلته الفتية إلى دولة الإمارات العربية المتحدة لتأسيس فرع لشركة خدمات مالية بريطانية في دبي. ويتذكر مارتن سانت فاليري: ” لم يكن هناك في ذلك الحين الكثير من الجهات أو المؤسسات المخصصة لتأمين الخدمات الاستشارية للشركات التي تسعى إلى تأسيس وجود لها في الإمارات. فترتب علينا زيارة المحاميين والأقسام الحكومية المعنية لمعرفة المعلومات اللازمة والحصول على رخصة العمل. وقد لزمنا الكثير من الوقت للحصول على التصريحات اللازمة لتأسيس الفرع والموافقة من البنك المركزي والتوظيف عدا عن الكثير من التفاصيل اللوجستية.” وفي عام 2000، عانت تلك الشركة من الإفلاس في المملكة المتحدة مما دفعها لإغلاق فرعها في الإمارات فتولى مارتن سانت فاليري هذه المهمة الصعبة وقاد المفاوضات مع شركته للإبقاء على الفرع وبيعه لشركة أخرى حيث لم يرد إغلاقها خاصة بعد أن تمكن من تحقيق نمو كبير في مختلف أنحاء منطقة الشرق الأوسط وتوظيف أكثر من 20 مستشار أعمال. وبعد موافقة الجهة البريطانية، قام ببيع الفرع لشركة شرق آسيوية كانت تسعى لتتوسع في المنطقة.
بدايات وعقبات
بعد أن أتمّ صفقة مبيع الشركة التي أسسها في الإمارات، شعر مارتن سانت فاليري أنّ هناك فراغ في مجال الخدمات الاستشارية التي تحتاجها الشركات أو المستثمرين القادمين من الخارج والذين يتطلعون لإطلاق مشاريعهم في المنطقة بشكلٍ عام والإمارات بشكل خاص. ولم يكن رجل الأعمال على استعداد لترك دولة الإمارات حيث شعر في تلك الفترة أنها مليئة بالفرص وبالتالي قرر أن يطلق شركة “لينكس غروب” عام 2002 والتي تتخصص بتأسيس الشركات في المنطقة. خلال الأعوام الاثنتي عشر الماضية، توسعت الشركة بأعمالها إلى إمارة أبو ظبي والدوحة في قطر وتجاوز عدد موظفيها الـ 50 موظف. ويتحدث مارتن سانت فاليري عن شريكته، جولي كارن إيرفينغ، قائلاً انها كانت إحدى أهم العناصر التي تدفعت الشركة إلى النجاح حيث تتكامل مهاراتهم بشكل كبير. ويضيف مازحاً: “لكل شركة وجه إعلامي جميل. لذا أستغرب عندما تُطلب مني المقابلات فووجهها يليق به الصور أكثر مني بأشواط. ولكن، جولي ليست وجهاً جميلاً فحسب، بل تتمتع بمستوى حنكة وذكاء لا أستطيع منافسته، وهذا ما يجعل شراكتنا أمراً رائعاً.”
كما حققت العديد من النجاحات حيث احتلت مراكزاً متقدمة ضمن أفضل 100 شركة صغيرة ومتوسطة في دبي (Dubai SME 100) لعامين على التوالي كما احتل مارتن سانت فاليري المرتبة الخامسة والعشرين على لائحة أريبيان بزنس لأقوى 50 بريطانياً في الإمارات لعام 2014. وقد تمكنت الشركة منذ تأسيسها أن تحقق نمواً سنوياً مزدوجاً (Double Digit Growth) من ناحية المدخول والأرباح مع أكثر من 300 شركة أو عميل. بالإضافة إلى ذلك، فقد افتتحت الشركة في أبريل (نيسان\) الماضي مقرّها الإقليمي الجديد في “كونراد دبي” لتصبح أول شركة تستأجر مكتباً ضمن المشروع الفاخر متعدّد الاستعمالات.
أما نمو الشركة، فهو مدفوع بشكل أساسي من قطاع العقارات والإنشاءات حيث تشكل 40% من أعمال لينكس غروب. ويفسر: “بالرغم من اختلاف وتطور السوق خلال السنوات الماضية إلى أن شركات الإنشاءات ما زالت لها الحصة الأكبر. ولكن من الجدير بالذكر أنه خلال العامين الماضيين، شهدنا طلباً كبيراً من قطاع الخدمات والمعلومات كما رأينا نمواً مدفوعاً من القطاعات الأربع الأساسية التي يتماشى مع رؤية دبي وهي الضيافة والسياحة والتكنولوجيا الخضراء والاقتصاد الإسلامي والذي يتجاوز التمويل الإسلامي إلى الصناعات كمنتجات اللحوم الحلال وغيرها.”
ويقول مارتن سانت فاليري أن أصعب التحديات التي واجهها في البدء عند تأسيس الشركة كانت المال. فهو قد موّل مشروعه من خلال مدخراته التي كان قد تمكن من جمعها خلال السنوات الماضية. ويقول: “معظم ريادي الأعمال في الشركات الناشئة يعتقدون أن العقبة المالية الرئيسية هي برأس المال الأولي الذي يحتاجه لبدء المشروع ولدعم نموه. إلا أنهم ينسون أنه خلال بناء شركاتهم، إن حياتهم الخاصة لا تتوقف ولذلك فهم مضطرون لدفع الإيجار والفواتير والاستمرار بتغطية نفقاتهم المالية العائلية بموازاة كل المصاريف المخصصة للأعمال.”
كما يذكر أن أحد أهم العقبات التي تواجهها الشركات هنا في الإمارات هي أنه يترتب عليها منذ اليوم الأول أن تؤمن مكاتباً للعمل وخطوط هاتفية والعديد من الأمور اللوجستية. فقول: “رغم دعم المؤسسات الحكومية للكثير من الأعمال الريادية، إلا أن الإمارات تختلف عن الولايات المتحدة وأوروبا في هذا المجال، حيث في تلك البلدان نهضت العديد من الشركات التي أصبحت عالمية اليوم من مرأب السيارات أو غرف المهجع الجامعية كشركتي أبل (Apple) وفايسبوك (Facebook). وهذه المسؤوليات المالية ترمي بثقلها على الشركة الناشئة من حيث التمويل.”
دبي: الوجهة الاستثمارية الأمثل
ورغم هذه العقبات، يرى مارتن سانت فاليري أن نمو ونجاح شركته يرتبط ارتباطا وثيقا بوجودها في إمارة دبي حيث أن رؤية الحكومة وتشجيعها للأعمال من خلال إنشاءها للمناطق الحرة وانفتاح سوقها لقطاع الإنشاءات بالإضافة إلى تطويرها لبنية تحتية متقدمة جعلت منها المركز الإقليمي الأمثل للشركات التي تسعى للتوسع في المنطقة. ويقول: “ببنيتها التحتية المميزة، أصبحت دبي الوجهة المثالية للشركات مهما كان مجال عملها. كما أنّ استحداثها للمناطق الحرة حولها في ظل وقت فصير إلى سوق ذات إمكانيات واعدة، أو إلى مركز إقليمي للأعمال. منذ أقل من 6 أعوام، كنا نذهب إلى بعض البلدان كأستراليا وبريطانيا مع مؤسسة دبي لتنمية الاستثمار (Dubai Direct Foreign Investment) لجذب الشركات للقدوم إلى الإمارات والقيام ببناء وتطوير البنية التحتية التي نتمتع بها اليوم. أما الآن، فأصبحنا نحاول جذب نفس هذه الشركات ولكن ليس للقيام بالمشاريع، بل للقدوم إلى الإمارات وتأسيس فروعها الخاصة هنا والاستمتاع بالبنية التحتية الموجودة. وهذا أكبر دليل على نمو دبي.”
ويضيف قائلاً: “”لقد رأينا الكثير من الشركات من المنطقة العربية خلال السنوات الماضية التي قامت بنقل مقراتها إلى دبي نتيجة تداعيات الربيع العربي وغيرها من التقلبات الاقتصادية ولجأت إلى هذه الإمارة كونها منفذاً استثمارياً مناسباً وملاذاً اقتصادياً آمناً للشركات العاملة في المنطقة والتي كانت تبحث عن بنية تحتية وبيئة أعمال مستقرة.”
عدا عن البنية التحتية المتقدمة، شهدت دبي الكثير من التطورات في الأعوام الأخيرة وظهر فيها العديد من المؤسسات كـ Dubai SME 100 وEndeavour وDubai Silicon Oasis Authority وغيرها التي تعمل على دعم وتمكين وتوجيه الشركات الصغيرة والمتوسطة. بالإضافة إلى ذلك، فقد أخذت دبي خطى كبيرة باتجاه بناء بيئة اقتصادية صحية وتطوير خدمات حكومية الكترونية (eGoverment Services) حتى أن نظام تصديق الأوراق من كتاب العدل تقدم بشكلٍ ملحوظ عما كان عليه عام 2002.
ويرى مارتن سانت فاليري أن دبي تتحلى بجاذبية عالية بين الشركات التي تسعى لتأسيس وجود إقليمي والتي تريد أن تكون أعمالها ذات طابع عالمي على خلاف الشركات التي تتخذ من أبو ظبي أو الدوحة مقراً لها والتي غالباً ما تقوم بالتمركز في هاتين المدينتين للقيام بأعمالها فيهما.
وعند سؤاله عن رأيه فيما إذا هناك أزمة مالية أو فقاعة عقارية جديدة تلوح في الأفق في دبي، يجيب ضاحكاً: “هناك ثلاثة كلمات لا نسمح بها في مكاتبنا وهي “فورة” (Boom) و”فقاعة” (Bubble) و”انهيار” (Bust). ويتفق الخبراء الماليون، أنه في أي حلقة اقتصادية (Financial Cycle)، غالباً ما تلحق فترة النمو المالي السريع مرحلةً من التباطؤ والتصحيح. ما يختلف اليوم عن مرحلة النمو التي شهدتها دبي عام 2007-2008 هو أن الحكومة بعد تلك التجربة أصبحت تسهر على هذا الأمر وقد اتخذت الإجراءات اللازمة لتجنب تلك الفورة. وأتوقع أن يستمر النمو بوتيرة عالية وسريعة كما أتوقع أن تليه فترة تصحيح ولكن لن نشهد انهياراً اقتصادياً على الأقل ليس في أي وقت قريب. ويضيف: “إن التوقعات الاقتصادية لإمارة دبي مبنية على أسس متينة فهي ستشهد على مدى العقدين القادمين على الأقل على نمواً عقارياً كبيراً مدفوعاً من عدة عناصر أساسية أهمها الإكسبو 2020 ورؤية دبي السياحية 2020 (Dubai Tourism 2020).”