IMLebanon

تشديد السياسة النقدية أكبر اختبار للاحتياطي الفدرالي الأميركي

FinancialTimes

جيمس بوليتي

في العام الماضي بدأت مونيك موشير، مالكة محل هابي كوك، وهو متجر صغير لأدوات الطاولة وتجهيزات المطابخ الراقية في تلال وسط فرجينيا، تشعر بالضغط لزيادة رواتب الموظفين العاملين لديها.
هي وزوجها، ستيف بيلشير، كانا يكافحان للعثور على موظفين مؤهلين للعمل في متجرهما، تماما في الوقت الذي كانت تزدهر فيه المبيعات جنبا إلى جنب مع ارتفاع البورصة.
لتجنب فقدان أي من العاملين في المتجر، بدأ كل من موشير وبيلشير في زيادة الأجور تدريجياً. وعلى مدى الـ 18 شهرا الماضية زادا أجرة الساعة للموظفين الـ 12 العاملين لديهما من متوسط 9.50 دولار إلى 10.50 دولار. وقبل بضعة أشهر قاما بتقديم مزايا التأمين الصحي لأول مرة.
تقول موشير، البالغة من العمر 34 عاماً، من مكتبها المُزيّن بالملصقات الكلاسيكية الأوروبية التي تصوّر المقاهي الفرنسية والمعكرونة الإيطالية “لقد كنا فعلاً بحاجة للقيام بذلك من أجل الاحتفاظ بالموظفين العاملين لدينا”. وتُضيف “شعرنا بأن هناك قليلا من الأشخاص المناسبين، لقد كان هناك قليل لنختار منهم”.
مع ذلك، متجر هابي كوك يبقى حالة استثنائية: لقد كان نمو الأجور في الولايات المتحدة ثابتاً عند نسبة تقارب 2 في المائة سنوياً، فقط لمواكبة التضخم لكنها أقل بكثير من المستويات التي قد تُشير إليها مكاسب الإنتاجية بنسبة 3.5 في المائة. المؤشر الربعي لتكلفة العمالة، وهو قياس آخر للأجور يُستخدم على نطاق واسع، شهد أيضاً قراءات متباطئة على مدى العام الماضي، الأمر الذي عزز الاعتقاد بأن الأجور الحقيقية الراكدة نسبياً تبقى واحدة من حالات القلق التي لا تزال تعوق الانتعاش الاقتصادي في أمريكا.
لكن من الاحتياطي الفيدرالي إلى البيت الأبيض إلى وول ستريت، هناك جدل متزايد حول موعد – أو إمكانية – تغيير هذا الوضع مع تسارع نمو الوظائف في كافة أنحاء الاقتصاد الأمريكي.
وإذا بدأ مزيد من أصحاب العمل في الولايات المتحدة بالتصرف مثل متجر هابي كوك، فذلك سيكون نقطة تحوّل مهمة، وهو ما يشير أخيراً إلى أن أكبر اقتصاد في العالم يقترب من إمكاناته الكاملة وأن سوق العمل تقترب من نقطة التشبّع.
بالتأكيد ستقوم الإشارات واسعة الانتشار الدالة على ارتفاع الأجور بتغذية التوقعات بأن الاحتياطي الفيدرالي سيضطر إلى القيام بخطوة مبكرة في عام 2015 لزيادة أسعار الفائدة. لقد كانت الأسعار ثابتة عند مستويات منخفضة جداً منذ أكثر من خمسة أعوام، ويمكن القول إن أكبر اختبار لجانيت ييلين، التي تولت رئاسة البنك المركزي الأمريكي هذا العام، هو ضبط توقيت الخطوة الأولى لتشديد السياسة النقدية. الأجور مرتبطة بإحكام مع التضخم – وغالباً ما تتحرك معه جنباً إلى جنب أو تتخلف وراءه قليلاً – وهو ما يجعلها مؤشراً رئيسياً على لوحة أجهزة القياس لدى الاحتياطي الفيدرالي.
الأثر سيتم الشعور به على الصعيد السياسي أيضاً. بالنسبة لباراك أوباما وأعضاء الكونجرس الديموقراطيين الذين يسعون إلى الاحتفاظ بالسيطرة على مجلس الشيوخ في الانتخابات النصفية المقرر عقدها في تشرين الثاني (نوفمبر)، فإن قليلا من نمو الأجور في الأشهر القليلة المقبلة قد يُساعد الناخبين على الشعور بشكل أفضل إزاء السياسات الاقتصادية للإدارة. وذلك من شأنه أن يعزز احتمال نجاحهم في صندوق الاقتراع وربما إنقاذ جدول أعمالهم السياسي خلال عام 2016. لكن حتى لو لم تتحقق الرواتب المرتفعة في الوقت المناسب لانتخابات تشرين الثاني (نوفمبر)، فإن الانتعاش المتين في الأجور لمعظم الأمريكيين على مدى العامين المقبلين قد يؤدي إلى تحسن كبير في إرث أوباما الاقتصادي المتباين.
حتى الآن، معظم الأدلة على توسّع نمو الأجور كان مجرد حكايات تسمعها من هنا وهناك. في ولاية داكوتا الشمالية، وهي مركز طفرة الغاز الصخري، أدى نقص الرجال المستعدين للعيش في ظروف صعبة في شمال السهول العظمى وقبول وظائف حفر مضنية إلى ارتفاع الرواتب بنسبة 3.8 في المائة على مدى العام الماضي، وهي نسبة أسرع بكثير من المتوسط الوطني.
يقول تشاد موتراي، كبير الاقتصاديين في الرابطة الوطنية لشركات التصنيع، التي تمثّل كثيراً من شركات الصناعة الأمريكية الكبرى التي تشتكي من قلة المهندسين واللحّامين المدربين تدريباً عالياً للعمل في مصانعها ذات التقنية العالية بشكل متزايد “لقد بدأنا نشهد بعض التضخم في مجال الأجور – مع أنه لا يزال متواضعاً”. وكان نمو الأجور في قطاع التصنيع بنسبة 2.6 في المائة، أي أعلى قليلاً من المتوسط الأمريكي، في السنة المنتهية في حزيران (يونيو).
ومن بين الشركات الصغيرة التي شملتها دراسة الاتحاد الوطني للأعمال المستقلة في حزيران (يونيو)، ذكرت 21 في المائة منها أنها تُقدّم أعلى أجر للعاملين، وكان ذلك من بين أقوى القراءات الشهرية منذ عام 2008.
وأول مكان يمكنك أن تتوقع أن ترى فيه نمو الأجور المرتفع سيكون في مدن وولايات مثل شارلوتسفيل وفيرجينيا، التي تعتبر ذات صحة جيدة اقتصادياً مع معدل بطالة أقل بكثير من المتوسط الوطني البالغ 6.1 في المائة. لكن حتى هناك، باستثناء متجر هابي كوك، لا يوجد شعور غامر بأن العاملين بإمكانهم الحصول على أجور أعلى من الشركات التي هي في حاجة ماسة لتوظيفهم أو الاحتفاظ بهم. ويبلغ معدل البطالة في فيرجينيا 5.1 في المائة، لكن متوسط الأجور بالساعة في السنة المنتهية في أيار (مايو) 2014 انخفض بنسبة 0.1 في المائة.
تقول جويس روبنز، التي قامت بتأسيس شركة توظيف في شارلوتسفيل “أنا لا أرى طلباً هائلاً على زيادة الأجور. ما زلت أرى كثيرا من الأشخاص الممتنين لمجرد حصولهم على عمل”. اقتصاد المدينة يُسيطر عليه التعليم والرعاية الصحية المرتبطان بجامعة فيرجينيا، لكنه يشتمل أيضاً على مساهمات من قطاعات الدفاع والسياحة ومن مجموعات الخدمات المالية التي تقوم بتشغيل أموال وول ستريت القديمة في البلدة.
أما هانتر سميث، وهو مالك مصنع جعة جديد في وسط المدينة، فهو يؤكد أنه لا يشعر بالضغط لزيادة رواتب موظفيه. ويقول “لقد كنا في وضع جيد من حيث إن كثيراً من الناس يرغبون في القدوم إلينا، لأن هناك الإبداع ونمط الحياة المرتبط بصناعة الجعة من أجل لقمة العيش – والأشخاص يرغبون حقاً في ذلك”.
ويعتقد معظم الاقتصاديين، ومن بينهم العاملون في الاحتياطي الفيدرالي، أن الاقتصاد الأمريكي سيصل إلى قدرته الكاملة عندما ينخفض معدل البطالة الوطني ليصبح بين 5 في المائة و5.5 في المائة، وهذا ليس بعيداً. في تلك المرحلة ينبغي للشركات أن تبدأ بزيادة الرواتب.
لكن يرى كثيرون أن الركود ألحق ضرراً دائماً بسوق العمل في الولايات المتحدة – من المستويات العالية من البطالة طويلة الأجل إلى انخفاض المشاركة في القوة العاملة إلى تعطّل عمال البناء عن العمل – إلى درجة أن الأمر سيستغرق وقتا طويلاً حتى يتمكن العمال من استعادة القدرة على المساومة. وربما لا تتسارع الأجور بطريقة كبيرة إلا بعد أن تصل الولايات المتحدة للتوظيف التام.
يقول آدم بوزين، رئيس معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، وهو مؤسسة استشارية في واشنطن “هناك بعض الأشخاص الذين يتحدثون الآن كأننا سنصل بسرعة كبيرة إلى التسارع الاقتصادي وأن تضخم الأجور على وشك الحدوث. هذا الأمر غريب إلى حد ما”. ويضيف “بالتأكيد قد يأمل المرء أنه عند نقطة معينة إذا كنت تقترب من التوظيف التام، فينبغي أن يكون هناك ضغط متصاعد على الأجور، لكن على أي حال هذا الانتعاش غير عادي لأننا تقريباً لم نرَ أي شيء من ذلك”.
من وجهة نظر هيكلية، أحد أكبر المخاوف هو أن الاقتصاد الأمريكي قد أصبح في الأعوام الأخيرة أكثر انحرافاً نحو الوظائف ذات الأجور المتدنية مثل التجزئة وقطاع الفنادق والضيافة، مقارنة بالعمل في الوظائف ذات الأجور المرتفعة مثل التصنيع المتقدّم.
مشروع قانون العمل الوطني، وهو مجموعة داعمة ليبرالية في واشنطن، وجد أن الوظائف ذات الأجور المنخفضة تشكّل 22 في المائة من فقدان الوظائف أثناء فترة الركود، لكنها تشكل 44 في المائة من المكاسب منذ ذلك الحين. أما الوظائف ذات الأجور المرتفعة التي كانت تشكّل 41 في المائة من فقدان الوظائف خلال فترة الركود، فهي لا تشكل الآن سوى 30 في المائة من المكاسب. دانييل ألبرت، وهو مصرفي استثماري وشريك إداري في ويستوود كابيتال، كتب رسالة للعملاء هذا الشهر، قائلاً “إلى أن تتحسن النوعية، وليس فقط كمية الوظائف الأمريكية (…) فإن الولايات المتحدة لن تكون قادرة على الاستيقاظ من كابوسها الاقتصادي والمضي قُدماً”. بينما يرى جوش ميتشل من معهد المناطق الحضرية، وهو مؤسسة استشارية في واشنطن، أن المشكلة تتعلق بالتركيبة السكانية. ولأن جيل مواليد ما بعد الحرب العالمية الثانية الذين كانوا يتلقون رواتب جيدة بدأوا يتقاعدون ويغادرون القوة العاملة، فقد أخذت تحل محلهم فئة الشباب العاملين الأقل تكلفة والأقل خبرة والذين يتلقون أجوراً أقل.
كما يوجد أيضاً عنصر سلوكي: وجد الباحثون في الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو العام الماضي أن أصحاب العمل عموماً هم بطيئون، أو لا يرغبون في تعديل الأجور استجابة للظروف الاقتصادية المتغيّرة. وخلال ذروة الأزمة كان كثير من الشركات مترددا في خفض الرواتب، وهو ما أدى إلى “تخفيضات أجور حبيسة” تقوم الآن بوضع سقف على مكاسب الأجور حتى مع انخفاض معدل البطالة.
في الاحتياطي الفيدرالي، يبدو أن ييلين أيضاً تشارك في التشكك إزاء نمو الأجور الذي يلوح في الأفق. وتقول “إنه لا تزال هناك طاقة إضافية في سوق العمل وبالتالي من السابق لأوانه رفع أسعار الفائدة”.
وقالت الأسبوع الماضي أمام الكونجرس “في حين إن ارتفاع التعويضات أو نمو الأجور هو علامة واحدة على انتعاش سوق العمل، إلا أننا لسنا حتى في المرحلة التي ترتفع فيها الأجور بوتيرة قد تؤدي إلى زيادة التضخم”. وأضافت “هناك بعض المجال لنمو أسرع في الأجور ومكاسب الأجور الحقيقية قبل أن نحتاج للقلق من أن هذا قد يخلق الضغط التضخمي الكامل على الاقتصاد”.
لويس ألكسندر، وهو مختص اقتصاد في نومورا، يقول “إنه حتى يبدأ الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة فإن الحصول على بعض الشعور بأن الأجور الأوسع بدأت ترتفع هو القطعة الأخيرة من اللغز”. ألكسندر لا يتوقع زيادة الأجور “بتلك السرعة” لكنه أيضاً لا يعتقد أنها يجب أن ترتفع كثيراً حتى يبدأ الاحتياطي الفيدرالي في تشديد السياسة النقدية.
وفي حين إن الاحتياطي الفيدرالي يجاهد لمعرفة كيف يربط نمو الأجور بأسعار الفائدة، كذلك إدارة أوباما لديها كثير على المحك في النقاش حول الرواتب في الولايات المتحدة. في الأسبوع الماضي، جيسون فورمان، رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين في البيت الأبيض، كان يسعى لتسليط الضوء على البيانات الأكثر تشجيعاً حول هذا الموضوع، التي تُظهر أن العاملين في الوظائف الإنتاجية وغير الإشرافية شهدوا نمواً في الأجور أسرع قليلاً من الموظفين الأمريكيين ككل بنسبة تبلغ نحو 2.3 في المائة. لكن مع ذلك قال إن “زيادة أجورهم” هي التحدي الأكبر بالنسبة لعديد من الأمريكيين.
لقد بذل البيت الأبيض كثيرا من الجهد هذا العام لإقناع الكونجرس برفع الحد الأدنى للأجور الفيدرالية من مستواها البالغ 7.25 دولار بالساعة، على أمل فرض زيادات للعاملين من ذوي الأجور المتدنية، طالما أن الاقتصاد لا يقوم بذلك بشكل طبيعي. لكن الجمهوريين عارضوا – على أساس أن ذلك قد يؤدي إلى إعاقة خلق فرص العمل – وبالتالي فشلت الحملة.
بالعودة إلى شارلوتسفيل، تقول موشير “إن المادة الأكثر مبيعاً في متجرها بعد أن قامت بزيادة الأجور خلال العام الماضي، كانت الفيتاميكس، وهي خلاّط أمريكي بتكلفة تصل إلى 650 دولاراً في متجرها، كما يحتوي أيضاً سكاكين ألمانية وأواني فرنسية راقية”.
وتقول “إن منح زيادة في الأجور للعاملين لديها لم يكُن مؤلماً جداً”. وتُضيف “لقد ارتفعت كشوفات الرواتب في المحل قليلاً، لكن هذا أمر جيد. نحن محظوظون لأن أعمالنا نمت. لكن ليس هذا هو حال الجميع، لذلك الأمر بالنسبة لهم سيكون أصعب بكثير”.