IMLebanon

مع تراجع حركة العبور أكثر من 80 % … المصنع يفتقد زحمة شاحنات التصدير

Safir

سامر الحسيني

حين يريد البعض التدليل على حجم الركود الاقتصادي عند معبر المصنع الحدودي، يشير الى انعدام ظاهرة حوادث السير والانزلاقات التي كانت تحصل يومياً على الطريق الدولية بين لبنان وسوريا من قبل سائقي الشاحنات والبرادات. فهؤلاء كانوا يتسابقون للوصول إلى الساحة الجمركية في المصنع، والتخلص من زحمة الشاحنات وطوابيرها التي كانت مصدر شكوى شبه يومية من قبل السائقين وأصحاب مكاتب التخليص الجمركي. اليوم تفتقد المنطقة الحدودية زحمة الشاحنات ومئات السيارات الخصوصية والعمومية السورية والعربية واللبنانية، جميعها باتت صوراً من الماضي، ولا يخرق هذا المشهد اليومي «الهادئ جدا»، سوى عبور بضع شاحنات، إضافة الى سيارات سورية ولبنانية تعد على أصابع اليد الواحدة وفق ما يقول أحد العاملين في المنطقة الحدودية لـ«السفير».
الأكثر تضرراً
لا يبالغ أغلب البقاعيين حين يصنفون أنفسهم بأنهم الأكثر تضررا من جراء هذه الأحداث السورية التي تتواصل منذ أكثر من ثلاث سنوات، ولم تحمل اليهم يومياتها سوى تزايد في الخسائر الاقتصادية والمالية التي أضرت مؤسساتهم الاقتصادية بفعل ارتباط وجودها بحركة العبور بين البلدين التي لا تعرف النشاط إلا في ظل الهدوء والاستقرار ما بين البلدين.
يقدر أصحاب مكاتب تخليص جمركي عند معبر المصنع حجم التراجع في حركة الاستيراد والتصدير عبر الحدود اللبنانية الشرقية مع الداخل السوري، بأكثر من 80 في المئة قياسا إلى الفترة التي سبقت الأحداث الامنية السورية.
لا تنحصر «النكبة الاقتصادية في البقاع»، وفق توصيف منذر العجمي (صاحب شركة تخليص جمركي)، «بما يتكبده أصحاب مكاتب التخليص من خسائر يومية من جراء تراجع عدد المعاملات الجمركية، إنما الكارثة أكبر، وتتخطى مساحة المنطقة الحدودية لتطال أغلب المرافق والقطاعات الاقتصادية في البقاع».
مصنع الحرير
لا يمكن فصل الواقع الاقتصادي في هذه المنطقة الحدودية عن بقية المناطق التي ارتبط ازدهارها وتطور كيانها الاقتصادي والمالي مع هذا المعبر، بدءاً من إنشاء «مصنع الحرير» على الحدود الشرقية بين لبنان وسوريا في حقبة الحكم العثماني، وشكل هذا المصنع الذي تعود ملكيته إلى تاجر سوري واقعاً اقتصادياً لكل البقاع وللداخل السوري القريب من هذه الحدود، إضافة إلى ما تسبب به من حركة عبور ناشطة من لبنان وبقية الدول العربية.
من مصنع الحرير أخذت المنطقة الحدودية الشرقية البرية اسمها، فسُميت «معبر المصنع» الذي يعد اليوم الحدود البرية الأكبر للبنان مع سوريا، ومنفذه الاكبر على الدول العربية وبالعكس.
عرفت هذه الحدود نكسات اقتصادية عدة، أسبابها وخلفياتها تعود إلى الواقع السياسي الذي يربط الدول العربية بدءا من العام 1958، حين أحرقت مباني هذه المنطقة الحدودية ممن عرفوا باسم الثوار، ومع بداية الحرب اللبنانية وسقوط المرافئ البحرية كافة في يد المليشيات، عرفت المنطقة الحدودية ما يطلق عليه المخلص الجمركي شفيق حمود «العصر الذهبي»، فتحولت أغلب حركة الاستيراد والتصدير والترانزيت بين لبنان والعالم العربي إلى هذا المعبر الحدودي، وقد بقي تحت سلطة الدولة، كما شكلت فترة الهدوء والاستقرار على المعبر، وابتعاد كل الاحزاب عن موقعه، عامل جذب لكل التجار والمصدرين والمستوردين.
بقي العصر الذهبي إلى العام 2005 تاريخ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وما اعقب هذا الاغتيال من تداعيات على العلاقات اللبنانية السورية لم يكن بعيدا عنها هذا المعبر الذي شهد على اثرها ترددات سلبية بدءا من أزمة إقفال الحدود عند الجانب السوري، ومنع عبور مئات الشاحنات، وصولا إلى قرارات جمركية سورية أعاقت تنقل الأفراد السوريين، عدا إحجام آلاف اللبنانيين عن دخول الأراضي السورية، وصولا الى تشدد جمركي وأمني سوري كان له الأثر الفعال في تراجع حركة الشحن البري، وما تخلله من قرار بمنع دخول منتجات زراعية لبنانية الى الداخل السوري.
مضت سنوات من التراجع القاتل في الحركة الاقتصادية بين لبنان وسوريا، وارتضى بها على مضض أغلب المصدرين الزراعيين وأصحاب المصانع والمؤسسات الصناعية والتجار.
دفع البقاع بكل مفاصل حياته اليومية الجزء الاكبر من ضريبة هذا التجاذب السياسي بين لبنان وسوريا، وتكبدت الأسواق التجارية بدءا من سوق المصنع وصولا الى شتورا وزحلة، الخسائر من جراء التراجع في حركة العبور، وتوقف النشاط الملحوظ بين القرى الحدودية اللبنانية والسورية.
لم تقف خسائر البقاع عند هذه التداعيات، فمع بروز عامل الأحداث والإشكالات الأمنية في الداخل السوري، نفذ بحق المنطقة الحدودية «قرار الإعدام»، فبدأ يختنق شيئا فشيئا ما يعرف بالشريان الحيوي الاقتصادي للبقاع أي الطريق الدولية الممتدة من الحدود السورية في جديدة يابوس وصولا الى منطقة ضهر البيدر مرورا بسوق المصنع وبر الياس وشتورة التي عرفت سابقا بعاصمة البقاع الاقتصادية لأنها كانت ملتقى كل المؤسسات المالية والمصرفية التي يعود الفضل في وجودها في أغلبها الى منطقة المصنع.
الخط البحري
دفعت الإشكالات الأمنية والعسكرية والعراقيل والعقبات المصدرين والمستوردين إلى الخط البحري، والاستعانة بعبارات باتت لها مكاتبها في بيروت وفي طرابلس، مقابل تراجع كبير في الحركة التجارية عند معبر المصنع الذي يفتقد اليوم العشرات من أصحاب مكاتب التخليص الجمركي ممن أقفلوا أبواب مؤسساتهم، عدا اضطرار الصامدين منهم إلى الاستغناء عن نصف عديد موظفيهم أو خفض رواتبهم.
لم تنحصر تأثيرات الأحداث الأمنية في واقع حركة التصدير والاستيراد على طول الطريق الدولية السورية، بل وصلت إلى المعابر الحدودية العربية، خصوصا الاردنية والسعودية، حيث يكثر المصدرون والسائقون من شكوى الاجراءات المتبعة عند هذه المعابر من حجز شاحنات لأيام، ومنع إصدار سمات دخول للسائقين السوريين، عدا إجراءات تفتيشية بدائية تلحق أضرارا فادحة في السلع، ما ساهم في إحجام مستوردين عن الخط البري.
50 شاحنة
في هذه الأيام، لا تتعدى حركة دخول الشاحنات وخروجها في المنطقة الحدودية، أكثر من 50 شاحنة في اليوم الواحد، بينما المعدل الطبيعي في موسم القلع والحصاد الزراعي، يتجاوز 300 شاحنة، أي تبلغ نسبة التراجع حوالي 83.3 في المئة. ويؤكد رئيس «نقابة أصحاب الشاحنات المبردة في لبنان» محمد ديب حسين لـ«السفير» أن «التراجع مستمر في حركة الشحن البري على الرغم من ان الطريق السورية الداخلية تعد آمنة».
لم تعد هذه المنطقة الحدودية التي أعطت البقاع قوته الاقتصادية عاملا ايجابيا على حياة البقاعيين، بفعل استمرار تدفق اللاجئين السوريين الى قرى البقاع التي يصدق القول فيها بأنها «أتخمت بالنازحين»، ونكبت في تعطل الحركة الاقتصادية بين لبنان وسوريا، والأسوأ ان العلاج لا يزال مستعصيا حتى الآن بانتظار ما سيؤول إليه حراك الإشكالات العسكرية.