IMLebanon

تراجع الفقر … وازدياد عدد الفقراء حول العالم !

WorldPoverty

محمد كركوتي

أواجه صعوبة في غبطة ناجمة عن تراجع مستوى الفقر على مستوى العالم، والسبب واضح لمن يرغب التأمل في ذلك. فقد بلغ عدد الذين يعانون الفقر حول العالم، أكثر من 2.2 مليار نسمة! وإن كانت نسبة منهم تطرق أبوابه! ورغم أن حسابات تراجع مستوى الفقر صحيحة، وليست من تلك التي كانت تقذفها وكالات التصنيف العالمية في الأجواء تملقاً للمؤسسات الخاضعة لتصنيفاتها، إلا أنها تبدو بلا قيمة بالنظر إلى الأعداد المتزايدة من الفقراء. وتواجه الجهات الدولية مصاعب هي الأخرى في شرح مقنع لهذه المفارقة. فلا يمكن (مثلاً) ترويج تراجع معدلات التخريب البيئي، وفي الوقت نفسه ارتفاع عدد المناطق التي تعاني هذا التخريب. أو انخفاض نسبة الجريمة، وازدياد عدد المجرمين. وتراجع مستوى تبييض الأموال، وتكاثر عدد “المبيضين”!
وتراجع مستوى الفقر، لا بد أن ينعكس على عدد الغارقين فيه. وهذا لا يحدث في عالم يعج بالمتناقضات. بعضها ناجم عن ظلم جلي، وبعضها الآخر آت من فوضى عالمية، تساهم فيها مباشرة بلدان يفترض أنها وصلت إلى مستويات لافتة من الرشد، والأداء الجيد أو المقبول. وهناك تناقض حتى في الاستنتاجات التي تتوصل إليها الهيئات الدولية، بما فيها تلك التابعة للأمم المتحدة. ففي حين أعلنت منظمة الأغذية والزراعة “الفاو” هذا العام، أن أسعار الغذاء تراجعت بصورة ملحوظة، وأنها مرشحة للتراجع في المستقبل المنظور، أرجع برنامج الأمم المتحدة للتنمية “يو إن دي بي” في تقريره للعام الجاري، تفاقم آفة الفقر في العالم، إلى أسعار المواد الغذائية، إلى جانب النزاعات العنيفة! مع من يتوجب علينا أن نتفق؟ مع المنظمة أم البرنامج؟!
بالطبع تسوق المنظمة نفسها أسباباً أخرى لآفة الفقر، في مقدمتها التوزيع غير العادل للثروات، إلى جانب وجود “مكامن ضعف بنيوية”. وهذا صحيح، لكنه في الوقت نفسه لا يساعد في تسويق طرفي المعادلة المتناقضة. تراجع مستوى الفقر، وارتفاع عدد الفقراء! والمصيبة مرشحة “كالعادة” إلى مزيد من التفاقم، ليس فقط بسبب الفوضى السياسية العالمية المشار إليها، وتعرض البرامج التنموية في غير منطقة في العالم لعقبات خطيرة، بل أيضاً لأن عدد سكان الكرة الأرضية ارتفع في غضون الخمس سنوات الأخيرة من 6.9 إلى 7.191 نسمة، بحسب الأمم المتحدة. ومع ارتفاع العدد يزداد الفقراء، خصوصاً إذا ما أضفنا العوامل الماحقة التي أنتجتها الأزمة الاقتصادية العالمية في الأجراء. فإذا كانت هذه الأخيرة قلصت عدد الأثرياء، علينا أن نتخيل كم أضافت لعديد من الفقراء.
قبل الأزمة، كان العالم 9.6 مليار نسمة يعيشون مع ما يوازي 1.25 دولار أو أقل في اليوم. ويبلغ عدد هؤلاء في الوقت الراهن أكثر من 1.2 مليار نسمة. الحاصل الآن، أن ما يقرب من 1.5 مليار فقير يتوزعون على 91 بلداً نامياً، بينما بات (حسب برنامج التنمية) 800 مليون شخص على شفير الفقر. وهذا يعني، أن الذين يعيشون على الحافة، يستطيعون أن يستمروا ليوم إضافي آخر، بينما انتهت أيام أولئك الذين دخلوا مستنقع الفقر. النسبة الأكبر منهم باتت في المستنقع قبل الأزمات وبعدها وفي ظلها. الحلول كثيرة، ولكنها ليست قابلة للتنفيذ المحكم، إلى جانب أن بعضها وضع على الرف إلى “حين ميسرة”. وهذا لا يعني بالضرورة أن الأمم المتحدة فشلت في برامجها، ولكن معظم إنجازات تلك البرامج تأتي دون المستوى المأمول.
إن المشكلة لا تكمن فقط في الوصول إلى المستوى المطلوب من الحياة المعيشية الكريمة لسكان الأرض، بل إن النقطة الأهم فيها، تبقى المحافظة على ما يتم إنجازه على صعيد محاربة الفقر. قد تتحسن الوضعية المعيشية لنسبة من السكان لفترة، ولكنها كعرضة للزوال في أي لحظة. وهذا ما يحدث بالفعل في عديد من المناطق حول العالم النامي على وجه التحديد. يضاف إلى ذلك، أن الاستدامة تبدو صعبة المنال، رغم النوايا الصادقة لمنظمة كالأمم المتحدة، وحتى عدد كبير من البلدان المؤثرة على الساحة الدولية. ولهذا السبب، احتل “التقدم البشري المستدام”، عنوان التقرير الأخير لبرنامج التنمية الدولية لعام 2014. وهي تأمل أن تحقق الاستدامة في المرحلة المقبلة. ولكن هل تستطيع الوصول إلى هذا الإنجاز؟ أغلب الظن، أن لا.
الأمنيات ليست مهمة على صعيد مكافحة الفقر، كما هو الحال على كل الأصعدة. فرئيسة البرنامج الدولي، تتمنى أن “يتمكن العالم أجمع من تشارك التقدم، إلى أن تصبح التنمية أكثر عدالة واستدامة”. والمثير، أن تمنياتها ليست عصية عن التحقيق، إذا ما عرفنا، أن توفير حماية أساسية اجتماعية لفقراء هذا العالم دون استثناء، لا يكلف أكثر من 2 في المائة من إجمالي الناتج المحلي العالمي. إنها نسبة مضحكة، فيما لو قورنت بالإنفاق على التسلح، أو تمويل الإرهاب، أو غسيل الأموال، أو الاقتصاد الأسود، أو الأموال المنهوبة من الشعوب الفقيرة نفسها، صاحبة القضية عينها.