محمد المكي أحمد
تستخدم دول مجلس التعاون الخليجي الفوائض المالية الضخمة لتنويع اقتصاداتها. وأكدت «مجموعة بنك قطر الوطني» أن دول المجلس «حققت نمواً قوياً في السنوات الأخيرة، وعزّزت الأسعار المرتفعة للمواد الهيدروكربونية والزيادة في إنتاج النفط والغاز، الدخل القومي في بعض الدول، ووفرت فوائض مالية كبيرة للحكومات». لكن رأى أن دول المجلس «تدرك الحاجة إلى تنويع مصادر الدخل في قطاعات أخرى غير النفط والغاز لدعم زخم النمو وخلق التنمية المستدامة».
وأشار تقرير للمجموعة المصرفية القطرية، إلى أن دول الخليج «استخدمت فوائضها الضخمة لتمويل المشاريع الكبيرة بهدف تنويع اقتصاداتها واستحداث مجالات إضافية للنمو، وزادت نتيجة ذلك مساهمة القطاع غير النفطي في النمو في السنوات الأخيرة، وبات يشكل المحرّك الرئيس للنمو في معظم هذه الدول».
ولاحظ أن «جزءاً كبيراً من الاستثمارات موجّه نحو مشاريع البنية التحتية، مثل بناء المدن الجديدة والطرق وشبكات النقل والعقارات ومحطات الطاقة والمياه»، فيما يتمثل الهدف الجزئي من ذلك بـ «استيعاب النمو السكاني في المنطقة والهدف الرئيس بإنشاء بنية تحتية تمكّن القطاع الخاص من لعب دور أكبر في دفع النمو الاقتصادي على المدى البعيد». وتوقع أن «يدفع الحفز والابتكار في القطاع الخاص عجلة النمو والتنمية، مع تركيز الحكومات على خلق البيئة المادية والقانونية الملائمة لتشجيع هذه العملية».
وفي وقت يُعتبر «التنويع الأفقي» بعيداً من قطاعي النفط والغاز، السبب الرئيس المشترك وراء الإنفاق الرأسمالي الكبير في دول مجلس التعاون الخليجي، رصد التقرير وجود عملية «تنويع رأسي» تجري حالياً، وتتمثل هذه العملية في الاستثمار في البتروكيماويات وغيرها من الصناعات». وعلى رغم أن عملية تنويع الاقتصاد تمثل الهدف المشترك في كل دول المجلس، لفت إلى «وجود اختلافات كبيرة في رؤية كل بلد وفي آلية تنفيذ هذه الرؤى».
وفي هذا السياق، تطرّق التقرير على سبيل المثال إلى خطة التنمية التاسعة للسعودية 2010 – 2014، التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد وتقليص الاعتماد على النفط والغاز وخلق فرص عمل للأعداد الكبيرة والمتزايدة من السكان». وأوضح أن استراتيجية التنمية «تستند إلى بناء أربع مدن اقتصادية جديدة لكل منها توجه استراتيجي خاص، مثل الصناعات القائمة على المعرفة والخدمات، والمعادن وإنتاج الأغذية، ومنتجات السيارات، والخدمات اللوجستية والصناعات الزراعية»، ومنحت الحكومة الشركات الخاصة الكبيرة دور المطورين الرئيسيين للمدن الاقتصادية، وذلك لتشجيع التنمية في القطاع الخاص».
واعتبر أن أكبر هذه المدن الاقتصادية هي مدينة الملك عبد الله الاقتصادية البالغة قيمتها 93 بليون دولار، والتي تعمل على تنفيذها شركة «إعمار». وتعتزم المدينة استضافة مليوني شخص بحلول عام 2025، وستضم أكبر ميناء في منطقة البحر الأحمر، إضافة إلى منطقة للخدمات اللوجستية والصناعة. وتخطط المدينة للاستفادة من المجمعات الصناعية الضخمة المجاورة لاستهداف صناعات مثل البتروكيماويات والأدوية والسيارات. وتهدف أيضاً إلى توفير ظروف معيشية عالية الجودة بالقرب من جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، ودعم تطوير رأس المال البشري.
في قطر، تركز «رؤية قطر الوطنية 2030» على تنويع الاقتصاد بعيداً من النفط والغاز من خلال بناء اقتصاد قائم على المعرفة، عبر الاستثمار في التنمية البشرية والتعليم. وعلى سبيل المثال يهدف مشروع المدينة التعليمية البالغة قيمته 7.5 بليون دولار، إلى إنشاء مركز إقليمي للتميز التربوي من خلال بناء المدارس واستقطاب فروع للجامعات العالمية الشهيرة. كما تضم المدينة التعليمية «واحة قطر للعلوم والتكنولوجيا»، التي تتبنى البحوث العلمية والتطبيقية وتحولها إلى منتجات تُسوّق تجارياً.
أما دبي فتمكّنت على رغم محدودية مواردها الهيدروكربونية،وفق التقرير، «من تنويع اقتصادها في قطاعات الخدمات مثل تجارة التجزئة والسياحة واستضافة المعارض والفعاليات وإعادة التصدير والتمويل. واستثمرت بكثافة في البنية التحتية والخدمات اللوجستية، مثل الموانئ والمستودعات الضخمة. وأنشأت مناطق تجارية حرة تتسم بعدم التشدد في الضوابط التنظيمية والضرائب».
ولفت التقرير إلى أن ذلك «ساعد في خلق مراكز إقليمية للأعمال في الصناعات المتنوعة، مثل تلك التحويلية والخدمات. كما لا تزال حكومة دبي تستثمر بكثافة لجعل الإمارة وجهة جاذبة للزوار ولتجارة التجزئة». وأعلن أن مشروع «دبي لاند» الضخم البالغة قيمته 147 بليون دولار، والهادف إلى تطوير قطاعات السياحة والترفيه والسكن، هو أكبر مشروع للتطوير العقاري في دول مجلس التعاون.
وفي الكويت، تُنفّذ خطة التنمية الكويتية وهي سلسلة من الخطط الخمسية التي تبدأ من عام 2010 وتستمر حتى 2035. وتهدف إلى تحديث البنى التحتية القديمة وتوسيعها، والهدف الاستراتيجي من ذلك يتمثل في تحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري.
وأشار التقرير إلى «العمل حالياً على تنفيذ عدد محدود من المشاريع ذات الأولوية، مثل محطة كهرباء الزور ومشاريع إدارة النفايات والمياه وبناء المدارس والمستشفيات. كما يُعدّ مشروع تطوير ميناء جزيرة بوبيان مهماً جداً في تحويل الكويت إلى مركز تجاري إقليمي.