Site icon IMLebanon

«المركزي» الأوروبي ينجح في خفض اليورو

European-Economy

اسكندر الديك

نجحت القرارات التي اتخذها مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي ورئيسه ماريو دراغي، في الخامس من حزيران (يونيو) الماضي في فرانكفورت، في مواجهة خطر تراجع التضخم في منطقة اليورو، وفي وضع حد لارتفاع العملة الأوروبية الموحدة بعد أن وصل اليورو إلى 1,40 دولار. وأدت هذه الخطوات إلى انخفاض سعر اليورو في مقابل كل العملات الصعبة. وفي وقت يسجل معدل التضخم ارتفاعاً في عدد كبير من دول العالم، ينخفض في دول منطقة اليورو الثمانية عشرة.
ودقّ البنك الدولي جرس الإنذار أخيراً محذراً من أن منطقة اليورو تواجه انخفاضاً خطراً في معدل التضخم، ومشيراً إلى أن تراجع الأسعار على كل الجبهات في دول هذه المنطقة «يعتبر أحد أشد الأخطار التي يمكن للاقتصاد العالمي مواجهتها». لكن تقرير البنك الدولي المنشور أواسط الشهر الماضي لفت في الوقت ذاته الأنظار «إلى أن التوقعات المتعلقة بمعدلات التضخم المنخفض لا تزال حتى الآن مستقرة» أي أنها لم تصل إلى الخط الأحمر.
ويعتقد خبراء مال كثر أن اليورو سيواصل تراجعه لأسباب عدة أهمها قيام مودعين أجانب وألمان وبنوك بتحويل ودائعهم من اليورو إلى العملات الصعبة الأخرى التي تقدم فائدة أعلى من الفائدة الأوروبية التي خفضت الآن إلى 0,15 في المئة. وشهدت أسواق المال في الأيام الأخيرة انتقال ودائع مالية في شكل متزايد، ما يهدد بهبوط العملة الأوروبية الموحدة في مقابل العملات الأخرى. ومعلوم أيضاً أن البنك المركزي الأوروبي أعلن من ضمن قراراته التاريخية عن فرض غرامة مالية على المصارف التي تضع أموالاً لديه لفترة من الوقت، وهو أمر غير معهود سابقاً. وكل هذه أمور تدفع بالمودعين باليورو إلى سحب أموالهم والانتقال بها إلى مكان آخر، ما يؤدي بالضرورة إلى انخفاض قيمة اليورو بسبب تراجع الطلب عليه. ويعتقد خبراء أن أخطار هذا التطور «ستكون وخيمة جداً».
صحيح أن خسارة اليورو أمام الدولار جاءت محدودة، ما يعطي انطباعاً بأن الأمر ليس خطراً إلى هذه الدرجة، لكن الـ 25 بليون يورو التي سحبت حتى الآن من البنك المركزي سيحوّل قسم منه من جانب المصارف إلى الخارج، وهذا أمر سينعكس أيضاً سلباً على العملة. وتعرَّض اليورو مطلع الشهر إلى انخفاض أكبر إزاء عملات الدول الصاعدة، وتلك التي تملك ثروات طبيعية. فعلى سبيل المثال انخفضت قيمة اليورو إزاء الجنيه البريطاني على الفور بنسبة 1,2 في المئة، وإزاء الدولار النيوزيلندي بنسبة 3,5 في المئة، والدولار الأسترالي بنسبة 1,8 في المئة، وفي مقابل الريال البرازيلي بنسبة 2,6 في المئة، وتجاه الروبل الروسي 2,6 في المئة.
وذكر مراقبون أن مسؤولي البنك المركزي الأوروبي لم يخفوا نيتهم في رؤية يورو ضعيف حالياً، والخطوات التي اتخذوها أخيراً «لن تكون الأخيرة، وستتبعها قرارات جديدة» وفق ما تداولته أوساط مالية ومصرفية. ويعتقد كبير خبراء الصندوق السيادي «إل إن غي كابيتال» غاري جينكينز، أن رئيس البنك المركزي دراغي «يمارس عملاً مشابهاً لعمل مسؤول مصرفي خاص، كما يمارس نهج تسييل مالي يجعل العملة الأوروبية أرخص، تماماً كما فعل قبله مجلس الاحتياط الفيديرالي الأميركي وبنك اليابان». ولم يستبعد الخبير المذكور أن يلجأ رئيس «المركزي» الأوروبي قريباً جداً إلى طرح بلايين عدة جديدة من اليورو في الأسواق المالية، «ما سيزيد الضغط على اليورو ويخفّض قيمته»، لكن الأمر هذا لم يحصل بعد حتى اليوم.
وفي تقرير أخير عن الشهر الجاري، حذّر البنك المركزي الأوروبي بدوره من أن تراجع معدل التضخم أكثر عن مستواه الحالي «سيؤدي إلى دوامة خطرة من الديون والتضخم المنخفض». وفي حال حصول هذا الأمر «سيمنع هذا التطور السلبي البنك (المركزي الأوروبي) من تقديم العون إلى اقتصادات أعضائه إلى حد كبير». وأضاف أن الخبراء يعتقدون كذلك «بأن حصول تراجع إضافي، ولو قليل في الأسعار، يمكن أن يطلق عملية خطرة على اقتصادات دول منطقة اليورو». وواقع الأمر أن مستوى تدني أسعار السلع حالياً يعتبر الأدنى تاريخياً، وهو أكثر تدنياً من مستوى الأسعار في اليابان وفي الولايات المتحدة. وعلى سيبل المثال فان معدل التضخم في أيار (مايو) الماضي سجل 0,5 في المئة فقط في منطقة اليورو، في ما المسموح به والمطلوب أيضاً اقتصادياً، أن لا يتجاوز معدل 2 في المئة.
وتضمن تقرير البنك المركزي الألماني الجديد خبراً جيداً عن التوقعات الأخيرة للخبراء، المبنية على المؤشرات الاقتصادية والمالية، وتشير إلى أن معدلات التضخم المنخفضة ستقترب مجدداً من 2 في المئة خلال السنوات المقبلة. وبدقة أكبر، تشير إلى أن التضخم في منطقة اليورو سيستوي على المدى المتوسط، أي خلال العامين المقبلين، على معدل يراوح بين 1 و1,5 في المئة على أن يراوح على المدى البعيد، أي في فترة خمس سنوات، بين 1,5 و2,1 في المئة.