ماجد الجميل
كل سويسري، أو مقيم في البلاد، يتحرك كل يوم أكثر من 80 دقيقة، أو ما يُعادل 20 ألف كيلومتر كمعدل متوسط في العام، وهي مسافة تُعادل قيام كل سويسري بنصف جولة حول الكرة الأرضية سنوياً. القسم الأعظم من الحركة تجري على الطرق باستهلاك البنزين أو الديزل.
هذا الحراك هو جوهر مناقشات جادة تهيمن على الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في البلاد، لكنها تصبح ساخنة، عندما يتعلق الأمر بالبيئة، والبنى التحتية، والتمويل اللازم لهما من الضرائب.
كل فئات المجتمع تشارك في المناقشات، من كبار السياسيين، والنواب، وقادة الأحزاب إلى الطلاب والأعمار الصغيرة من الشباب، وهي تغطي كل وسائل الإعلام تقريباً، خاصة الصحف والتلفزيون. هذا التباين في فئات الأعمار والثقافات والخبرات رفع إلى السطح آراءً مختلفة ومتنوعة وأحياناً غريبة حول التنقل، منها أنَّ السعة الكبيرة في التنقل تفرض خطرا على البشرية والبيئة، وينبغي على الحكومة أن تحد من حركة المرور إلى أقصى حد ممكن، وأن توقف تطوير شبكة الطرق، وأن تفرض ضرائب تصاعدية تعتمد على عداد الكيلومترات في السيارة أو الدراجة البخارية.
مع ذلك، قال آخرون إن الحد من التنقل تحت سيف الضرائب، أمرٌ يتنافى مع حرية الإنسان، وتقييد الفرد في تحركه سيلزمه البيت مما يزيد من المشاكل في الأسرة، وحالات الطلاق، ويجلب الأمراض النفسية.
يقول ممثلو الحكومة إنَّ التنقل، سواء كان جيداً أو سيئاً، هو حقيقة واقعة، لكنها تحذر من أن وسائط النقل تضاعفت منذ عام 1970، وأنَّ ثلاثة أرباعها على الطرق هي وسائل نقل خاصة، ونحو 20 في المائة فقط تغطيها وسائل النقل العام.
وعلى نحو مماثل، فإنَّ وسائط نقل البضائع زادت إلى أكثر من الضعف منذ عام 1970، وهي تمثل اليوم 64 في المائة من المجموع. ووفقا لتوقعات الحكومة، فإنَّ وسائط نقل الأشخاص والسلع ستزيد بنسبة 25 و45 في المائة على التوالي، بحلول عام 2030.
وعلى هذا الأساس، تقرّ الحكومة أنَّ حركة المرور على الطرق ستظل مهيمنة على غيرها، وسيبقى عالمنا دائم الحركة يستخدم أساسا الطريق، أي السيارات والشاحنات.
ربع التنقلات فقط يعود للناس الذين يتجهون إلى مقر عملهم، ونحو 40 في المائة للترفيه، و13 في المائة تتعلق بالشراء. وهنا تطرح الحكومة تساؤلات مثيرة للجدل، صحيح أنَّ التوسع في الحراك أصبح لا مفر منه، إنها مسألة تتعلق بنوعية الحياة الحديثة، والحرية، وانفتاح العالم، وتوسع الصلات الاجتماعية، والرغبة في تعميق التبادلات الثقافية “لكن لكل ميدالية جانب سلبي، فالحراك يفرض مخاطر كبيرة على البيئة، والبنية التحتية، مَن يدفع فاتورة تمويلهما”؟ وكان هذا السؤال لب النقاش.
تكشف المناقشات أن الحراك ليس حكاية تُحكى للتسلية. ففي سويسرا، يستهلك التنقل نحو 30 في المائة من الطاقة التي تستوردها البلاد، 93 في المائة من الـ 30 في المائة تتعلق بالبنزين والديزل. وأيضاً 45 في المائة من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون CO2 تأتي من الوقود.
لكن استهلاك السيارات المسجلة حديثا من الوقود أصبح الآن أقل بنسبة 30 في المائة منذ عام 1996، وهو ما سيؤدي إلى خفض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في أوروبا.
تقول الحكومة السويسرية إنها لا تزال تتسامح بنسبة 130 جراما من الوقود لكل كيلو متر (المعدل المتوسط لجميع السيارات الجديدة) في عام 2015 و95 جراما لكل كيلو متر فقط بحلول عام 2020، وهذا يتوافق مع استهلاك 4.0 لتر من البنزين أو 3.5 لتر من الديزل لكل 100 كم.
اليوم 99 في المائة من السويسريين يقودون سيارات تعمل بالبنزين أو الديزل، في حين لا تتجاوز حصة المحركات البديلة 1 في المائة و98 في المائة من الـ 1 في المائة هي السيارات الهجينة. أما المركبات التي تعتمد على الطاقة الكهربائية 100 في المائة، فلا تزال في مرحلة الآلاف من النسبة المئوية، فبطاريتها ما زالت ضعيفة، ونقاط شبكة شحن البطارية غير كافية، والتقنيات الحديثة للبطارية لم تصل بعد إلى مرحلة النضج.
تقول الحكومة بوضوح إنَّ محركات الاحتراق الداخلي في السيارة ستبقى متسيدة على كل تقنيات الحركة، وسيلعب المحرك التقليدي دورا رئيسا في استهلاك الوقود لفترة طويلة جداً.
أعطت المناقشات حيزاً كبيراً لمسألة تعزيز البنى التحتية للسكك الحديدية، على الرغم من امتلاك سويسرا ثالث أوسع شبكة للقطارات في أوروبا بعد ألمانيا وفرنسا. قال ممثل السكك الحديدية في المناقشات إنَّ استخدام التقنيات المتقدمة في السكك الحديدية أكثر فائدة من عرقلة حركة المرور على الطرق، فجداول مواعيد القطارات فيها الكثير من الرفاهية، ولا سيما في المدن والبلدات خلال ساعات الذروة، وشبكتها تغطي أغلب البلاد، وهي أسرع وأكثر أمناً، وأقل تكلفة من السيارات، تقول الإحصاءات الحكومية إنه في عام 2013، بلغ معدل تأخر وصول القطارات إلى المحطة الأخيرة في حدود 16 دقيقة، في حين أنَّ التأخير على الطرق البرية بلغ أكثر بمرتين مما كان عليه قبل خمس سنوات.
عقب هذه المناقشات وفي ضوئها، ستضع الحكومة تفاصيل خطة عشرية تهدف إلى تقليص استهلاك وقود السيارات بالتركيز على تطوير شبكة المواصلات والسكك الحديدية بشكل خاص، لتطرحها على البرلمان بمجلسيه في ربيع عام 2015.
تقضي الخطة بإنشاء صندوق لتمويل البنية التحتية للسكك الحديدية، لكن ليس من دون زيادة الرسوم على زيوت السيارات من 12 إلى 15 سنتا، بعد أن اعتبرت الحكومة، أن زيادة الرسوم هي السبيل الوحيد لتطوير فعالية الخطوط الحديدية.
لكن الكلمة الأخيرة لإقرار هذه الضريبة، التي ستقرض من محافظ نقود السويسريين ابتداءً من العام المقبل، ستكون للشعب عبر تصويت سيجري على مبادرة شعبية تم جمع التواقيع المطلوبة لها فعلاً تحمل اسم “البقرة الحلوب”.