Site icon IMLebanon

الصحة رهينة «ثقافة السوق»

ismail sekkarie

المشاكل السياسية، الإدارية والمالية للمستشفيات الحكومية لم تنشأ في الأمس، بل هي وليدة قرارات وتراكمات عدة. لا يمكن إنكار أنّ النظام الصحي القائم هو وليد النظام الطائفي – الزبائني، الذي يمعن في نهش المرافق العامة وتقسيمها طائفياً وسياسياً بغية تدميرها. من هنا يبدأ الخلل في القطاع الاستشفائي الحكومي، من التأسيس وتركيبة النظام.

يقوم هذا النظام الصحي على ممارسة الطبابة، لا الصحة، والفرق شاسع بينهما، إذ إن الصحة هي حق لجميع المواطنين وتتضمن العناية بالأم والطفل، المسنين، الرعاية الصحية الأولية، وتنظيم الأسرة… أي إنها خطة متكاملة للحفاظ على صحة المجتمع. انطلقت المستشفيات الحكومية بمساعدات خارجية من دون أي إشراف. أُنفق على بنائها الملايين بعد تلزيمها وتسليمها من خلال السمسرة مثل أي مشروع تجاري. انتكاسات عدّة لحقت بالقطاع الصحي الحكومي، أبرزها الحرب الأهلية التي دمّرت المباني وأشاعت الفوضى، فازدهر القطاع الصحي الخاص وانفتح على تركيبة السوق وتشابكت العلاقة أكثر بينه وبين الوزارة.

الانتكاسة الثانية برأي رئيس «الهيئة الوطنية الصحية» الدكتور إسماعيل سكرية هي إساءة استخدام القانون رقم 544 تاريخ 24/7/1996 المعدل بالقانون رقم 602 تاريخ 28/2/1997 الذي ينص على إنشاء مؤسسات عامة لإدارة مستشفيات وزارة الصحة، «آنذاك دخلت المستشفيات الحكومية في إطار المحاصصة والتوظيف العشوائي». جوهر المشكلة لا يتعلّق بمشاكل وتفاصيل صغيرة، بل الأساس هو «تركيبة وفلسفة النظام الذي ينظر إلى القطاع الصحي العام كأنه مشاع ويمنع قيام سياسة صحية وطنية ترسم خطة وخريطة استشفائية لتصبح الدولة تتعاطى مع الموضوع الصحي بالاستناد إلى ثقافة السوق، وليصبح هذا القطاع مكاناً للتوظيف والمحاصصة والغطاء السياسي لكافة أشكال الفساد». مع انتهاء الحرب بدأت مشاريع التأهيل التي انتهت بين 1998 و2000، إلّا أن المستشفيات لم توضع قيد العمل إلا بعد سنوات من إنجازها، وبالتالي أصبحت معداتها قديمة وسُلّمت الكثير من الآلات التي لا تعمل. شكّلت هذه المستشفيات مكبّ نفايات لهذه الأدوات ووسيلة للنصب!
التدخلات السياسية شكّلت سبباً أساسياً لتدهور القطاع الصحي العام، يتابع سكرية: «استباحوا القطاع الصحي مثل سائر القطاعات، ما عزز القطاع الاستشفائي الخاص بالتواطؤ مع وزارة الصحة. عندما حاول ديوان المحاسبة التدقيق في فواتير المستشفيات الخاصة عام 1998 أصدروا مرسوم يحدد السقف المالي للمستشفيات، ما جعل مجال المناورة بالفساد أوسع وأسهل»، وبرزت العشوائية في توزيع السقف المالي. ليست المحاصصة السياسية همساً خفياً، بل هي واضحة و«وقحة» عندما تظهر جلياً في تسميات المستشفيات التي تتغيّر من الإطار الجامع والوطني إلى تسميات «زعاماتية»، فتستبدل تسمية «مستشفى النبطية الحكومي» بـ«مستشفى نبيه بري الحكومي الجامعي»، و«مستشفى بيروت الجامعي» بـ«مستشفى رفيق الحريري الجامعي». مستقبل المستشفيات الحكومية وفق سكرية «إلى تراجع بسبب عدم وجود قرار سياسي وطني يحتضن القطاع الصحي الحكومي ويعي أهميته وقدرته على التخفيف من أزمة الاستشفاء».