عبدالرحيم أبوشامة
الاقتصاد السرى عالم مجهول الهوية ولكنه دولة كبيرة ربما يكون مسيطراً على معظم مفاصلها وأصبح يشكل نوعا من العشوائية والخطر لاستغلال أرباحه من جانب جماعات دينية وتخترقها بسهولة المنظمات الإرهابية والمتطرفة سواء من خلال التمويل أو جنى الأرباح وتزايد حجم هذا النشاط مع تراجع دور التوظيف بالدولة ولجوء العاطلين من الشباب إلى الأسواق العشوائية، وبالتالى تعددت أنماط الاقتصاد السرى فى مصر بدأ من الباعة الجائلين والتوك توك، وانتهاءً بتجارة السلاح والمخدرات، وتشير تقديرات الخبراء العالميين فإن أصول هذه الظاهرة فى مصر قدرها خبراء دوليون بحوالى 400 مليار دولار بما ويقدرها خبراء محليون بنحو 1.6 تريليون جنيه، وهو ما يفقد الاقتصاد المصرى الكثير من قيمته لعدم وجوده فى سجلات رسمية بالدولة، وبالتالى حرمان خزانتها من أموال طائلة كان من الممكن ان تغنى الدولة عن العجز المتواصل بها، وقد بذلت الدولة جهودا عام 2005 وشكلت لجان وعقدت مؤتمرات لضم الاقتصاد غير الرسمى فى الاقتصاد الرسمى للدولة لتسهيل حصول الأول على تمويل وتوسع نشاطه وتحقيق موارد للطرف الثانى، وهى هنا الدولة ولكن لم تستطع الحكومة وقتها تطبيق أى شىء وهذا ببساطة لكبر حجم الظاهرة من ناحية ودواعى حالات لجوء أصحابها إلى استغلال الفقراء فى هذا الأمر وما يجرى فى داخل هذا القطاع شىء أغرب من الخيال من ناحية حجمه وسلوك أفراده حتى بلغت جرأة بعضهم من أن يسرق كهرباء من أقسام شرطة كما حدث فى الموسكى والأزبكية.
وذكر معهد الحرية والديمقراطية -من أبرز مراكز دراسات التنمية في العالم- أنه قام بدراسة حجم الاقتصاد غير الرسمي في مصر، وشملت الدراسة تقدير قيمة كل المشروعات والممتلكات غير المسجلة، وبلغ حجمها 400 مليار دولار. وأشار التقرير إلى أن هذا الرقم أكثر من القيمة السوقية للشركات المسجلة في البورصة المصرية بـ30 مرة، بالإضافة إلى أن اقتصاد غير الرسمي فى مصر أكبر مستخدم للعمالة، فبينما يوظف القطاع الخاص القانوني 6.8 مليون شخص، والقطاع العام يوظف 5.9 مليون، يوظف القطاع غير الرسمي 9.6 مليون، وبالنسبة للعقارات كان 92% من المصريين يحتفظون بممتلكاتهم دون سند ملكية قانوني.
وتتكون الثروات الناتجة عن أنشطة الاقتصاد السرى تحديداً من أعمال أموال الباعة الجائلين، أموال تجارة السوق السوداء خاصة في العملة، ناتجة عن والاتجار في المواد التموينية المدعمة، والرشوة وأموال السلاح، أموال المخدرات، أموال الدعارة، أموال الاتجار في الاطفال، أموال الاتجار في الأعضاء البشرية، أموال القمار، أموال القرصنة على أموال البنوك، أموال استغلال نفوذ المسئولين، أموال التهرب الضريبي والجمركي ولا يدخل ضمنها عمليات غسيل الأموال فهذه قصة أخرى، حيث إن «الاقتصاد السري» هو اقتصاد موازى للاقتصاد الرسمى للدولة أى أنه تجارة مشروعة ولكنه لا يخضع لآليات الدولة من ضرائب وتأمينات اجتماعية وتأمين صحي وغيره من منظومة الدولة، وهذا يؤثر بشكل أو بآخر على الاقتصاد الرسمى الذى يقوم أصحابه بسداد المستحقات الحكومية من إيجار، نور، مياه، ضرائب، تأمينات اجتماعية، تأمين صحي ورسوم جمركية ورسوم أخرى عامة.
وأكد وزير الصناعة والتجارة، منير فخري عبدالنور، أرقاماً مهمة حول الاقتصاد غير الرسمى فى مصر، لافتا إلى أن إدماج القطاع غير الرسمي في الاقتصاد المنظم سيساعد في تحقيق النمو الاقتصادي، خاصة في ضوء تضخم حجم الأنشطة الاقتصادية غير الرسمية في مصر والذي بلغ في عام 2013 ما يعادل نحو 40% من الناتج المحلي الإجمالي تنتجها 2.7 مليون منشأة يعمل بها نحو خمسة ملايين عامل أو 66% من مجموع العمالة غير الزراعية في القطاع الخاص، مشيرا إلى أنّ الممتلكات العقارية التي يمتلكها 92% من المصريين غير مسجلة وتبلغ قيمتها ما يقدر بنحو تريليون جنيه في عام 2014 وتتركز ملكية 70% منها في أيدي أصحاب الدخل المنخفض.
ولفت إلى أن من شأن تقنين أوضاع هذا القطاع الضخم أن يؤدي إلى نمو اقتصادي إضافي يقدر بنحو 2% سنويا، وتصحيح العديد من المشاكل المؤسسية والهيكلية في الاقتصاد، كما سيعود هذا البرنامج بالعديد من الفوائد الأخرى، ومنها حصول العمال على مزايا الضمان الاجتماعي، وتحقيق إيرادات ضريبية جديدة، والتخفيف من حدة الفقر.
ولفت الدكتور عبدالنبى عبدالمطلب الخبير الاقتصادى أن مصر في مرحلة ما بعد الثورة لابد أن تفكر في التحديات التي تواجه القطاع غير الرسمي وتحسين نظام العمال في إطار قواعد تحدد نظام عملهم وتقنين الاعمال العشوائية. ولابد من تسجيل انشطة هذا القطاع ليتيح له التعامل رسميا مع الدولة والحصول على التمويل من البنوك، ومن ناحية أخرى تقنين الأوضاع ييسر التعامل فى البيع والشراء فى العقارات على سبيل المثال وغيرها
وأكد أهمية التأسيس للعدالة الاجتماعية على المستوى الاقتصادي والتى تعتبر في صالح الجميع وطالب بضرورة وجود قوانين تشجع القطاع غير الرسمي والتعامل مع قضية الفقر وتسجيل مشروعاتهم وحقوق الملكية مطالبا بتوفير الضروريات الأساسية للمواطنين مع التركيز على ما تتطلبه كل منطقة جغرافية.
يؤكد الدكتور عبدالمنعم السيد مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، أن مصر عرفت الاقتصاد السري منذ عقود عديدة وخاصة أثناء الحرب العالمية الثانية خلال السنوات من (1939-1945) وعرفت السوق السوداء لأول مرة في السلع التموينية والغذائية والمواد الهندسية فى بيع ثلاجات وغسالات وخلافه، ومن هنا جاء تشكيل وزارة التموين عام (1942) في وزارة (النحاس باشا) خلال الفترة من (1942-1944) وكان وزير التموين في تلك الوزارة هو (مكرم باشا عبيد) قبل أن يستقيل من الوفد في نهاية عام ( 1942) وتم تسمية المستغلين في ذلك الوقت ( بأغنياء الحرب ) لأنهم كانوا يستغلون حاجة الناس وقت الأزمات خاصة أوقات الحروب ومع تطور الحياة العامة والحياة الاقتصادية خلال الخمسة عقود الماضية من القرن الماضي إلى ما نحن فيه من أنماط الآن. بدت ظاهرة مؤرقة للمجتمع أبرزها الباعة الجائلون في الشوارع الرئيسية بالمحافظات الكبرى والسلع المنتشرة حاليا من مصانع بئر السلم والتى تقليد السلع بصورة رديئة، مما يؤثر على اسم المنتج الأصلي والأخطار التي تلحق بالمواطنين وأبرز هذه السلع هي الأداوت الكهربائية.
ويشير عبدالمنعم إلى أن حجم الاقتصاد السرى فى مصر يتجاوز 1.2 تريليون جنيه. وهو ما يقترب من حجم الاقتصاد الرسمى للدولة الذى يدر ضرائب تقدر بأكثر من 300 مليار جنيه ويمثل نحو 70%الى 80% من حجم الاقتصاد المصرى وبالتالى فإنّه سيعمل على زيادة الحصيلة بما لا يقل عن 150 مليار جنيه سنويا وزيادة حصيلة التأمينات الاجتماعية والتامين الصحى وفرز قواعد الدعم ومستحقيه وتحقيق العدالة الاجتماعية وعدالة التوزيع في السلع والخدمات التي تتحملها الدولة، ويوفر للعاملين فيه فرص التعامل مع البنوك بكافة أشكال التعامل والقضاء على السلع المغشوشة فى الأسواق بمواصفات ذات جودة عالية، وبالتالى يتم خفض الاستيراد وزيادة الإنتاج المحلى وتراجع الطلب على العملة الأجنبية ولفت إلى أن هناك عدة دول كثيرة خاصة في شرق آسيا مثل اليابان وهونج كونج وتايوان قامت بحل هذه المعادلة خاصة في مجالات تقليد السلع ويمكن من خلال كذلك حلها فى مصر بالإعلان عن تسهيلات للقطاع غير الرسمى تتمثل في المدة السابقة على التسجيل في الاقتصاد الرسمى (معفاة) بالكامل من أي رسوم أو ضرائب أو مسئولية مدنية أو جنائية أو غرامات أو خلافه. وتدريب معظم هذه العمالة وتأهيلها للعمل ذو المواصفات والجودة والإعفاء 3 سنوات مقبلة من كافة الضرائب والرسوم وسداد التأمينات من بداية التسجيل في المنظومة العامة ومن يريد شراء (مدد سابقة) لزيادة معاشه مستقبلاً فليفعل ذلك إضافة إلى عمل جهاز حكومى لشراء المنتجات والتوزيع داخل مصر أو خارج مصر على أن يتم مدهم بالمواد الخام اللازمة لهذه الصناعات بأسعار مخفضة وأن يتم التعامل مع هذه الصناعات بصفتها صناعات صغيرة، وبالتالي تخضع لشرائح ضريبية مخفضة وتحديد مدة زمنية لمن يريد أن يتمتع بالحوافز ويدخل في الاقتصاد الرسمي وبعد ذلك تكون هناك عقوبات مالية مغلظة وضرورة يتم تواجد أسواق وأماكن لوجود الباعة الجائلين في المدن وذلك باستغلال الأراضي الفضاء أو الجراجات القديمة وغير ذلك حتى لا يتم إعاقة الطرق ويجب أن يكون هناك مظهر حضاري لهذه الاسواق وبهذا يمكن إدماج الاقتصاد غير الرسمى أو العشوائى أو الاقتصاد الأسود ضمن منظومة الاقتصاد الرسمى.